موقع د. محمود صبيح

منتدى موقع د. محمود صبيح

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين



إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ 14 مشاركة ] 
الكاتب رسالة
 عنوان المشاركة: يجب على المكلف إعتقاد عصمة الانبياء عليهم الصلاة والسلام .
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأربعاء مارس 11, 2015 10:30 pm 
غير متصل

اشترك في: السبت أكتوبر 08, 2011 9:22 pm
مشاركات: 2955
بسم الله الرحمن الرحيم

يجب على المكلف إعتقاد عصمة الانبياء عليهم الصلاة والسلام .

قال الشيخ اللقاني - رضى الله تعالى عنه ــ

- بالمُعْجِزَاتِ أُيِّدُوا تَكَرّمَا *** وَعِصْمَةَ الْبَارِيِ لكُلٍّ حَتـَّما.

قال الشيخ الصاوى على شرح جوهرة التوحيد 1 / 300
قوله : (وَعِصْمَةَ الْبَارِيِ لكُلٍّ حَتـَّما )
أى : اعتقد وجوب العصمة لكل واحد من الأنبياء والملائكة ، وهى الحفظ من كل ما ينقص مقامهم من حركة أو سكون أو قول أو فعل .

وقال شيخ الإسلام إبراهيم الباجورى فى تحفة المريد على جوهرة التوحيد 2 / 155
قوله : (وَعِصْمَةَ الْبَارِيِ لكُلٍّ حَتـَّما )
فالمعنى : اعتقد أن عصمة البارى لكل واحد من الأنبياء والملائكة محتمة وواجبة بمعنى أنها لا تنفك ولا تقبل الانتفاء ، والبارى الخالق من البرء وهو الخلق وقد يقال : ان عصمة الأنبياء قد تقدمت فى قوله ( وَواجِبٌ في حَقِّهِمْ الأمَانَةْ *** وَصِدْقُهُمْ وَضِفْ لَهُ الفَطَانَه ) اذ الأمانة هى العصمة وقد يجاب بأنه إنما تعرض لها ليجمع الملائكة مع الأنبياء فى حكمها والاتصاف بها ، والعصمة لغة مطلق الحفظ واصطلاحا حفظ الله للمكلف من الذنب مع استحالة وقوعه ، ولا يجوز لنا أن سؤال العصمة بهذا المعنى كأن يقال : اللهم انا نسألك العصمة . فإن أريد المعنى اللغوى جاز لنا سؤالها .

وقال العلامة الشيخ اسماعيل بن موسى بن عثمان بن جودة الحامدى المالكى الأحمدى الأشعرى فى شرحه على العقيدة الصغرى لسيدى أحمد الدرديرى ــ رضى الله عنهم ــ 1 / 41 ، 42
ولما فرغ من الكلام على ما يتعلق بالحضرة الإلهية شرع فى الكلام على ما يجب للحضرة النبوية الشاملة من سيدنا آدم إلى سيدنا محمد صلوات الله عليهم فقال :
( يجب للأنبياء عليهم الصلاة والسلام العصمة )
أى يجب على المكلف أن يعتقد أنهم عليهم الصلاة والسلام متصفون بالأمانة لحفظ الله ظواهرهم وبواطنهم فى حال الصغر والكبر فلا تقع منهم مخالفة فى أمره ونهيه لأنه لو جاز عليهم أن يخالفوا الله فى فعل محرم أو مكروه لجاز أن يكون ذلك المنهى عنه مأمورا به لأن الله تعالى أمرنا باتباعهم ، وهو لا يأمر بمحرم ولا مكروه ، فلا تكون أفعالهم محرمة ، ولا مكروهة فتجب لهم الأمانة ....



توضيح التوحيد 2 / 32 ،33
الأمانة ( العصمة )
هى حفظ الله ظواهر الأنبياء وبواطنهم من التلبس بمنهى عنه ، ولو نهى كراهة أو خلاف الأولى . فقد بعثهم الله لتبليغ الدعوة وهداية الناس ، وجعلهم قدوة عملية وأسوة واضحة قال تعالى (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا) والناس مطالبون بطاعتهم والاستجابة لهم قال تعالى (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ) وقال تعالى (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) فكل لفظ يقولونه وكل فعل يفعلونه تشريع واجب الاتباع ، فلو فعلوا المنهى عنه لكنا مأمورين باتباعهم ، والله يقول (إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ) فثبتت لهم العصمة ظاهرا وباطنا ...


الشفا بتعريف حقوق المصطفى (2 / 97 - 174)

فيما يختص بالأمور الدينية والكلام في عصمة نبينا عليه الصلاة والسلام وسائر الأنبياء صلوات الله عليهم:

قال القاضى أبو الفضل وفقه الله: أعلم أن الطوارئ من التغيرات والآفات على آحاد البشر لا يخلو أن تطرأ على جسمه أو على حواسه بغير قصد واختيار كالأمراض والأسقام أو تطرأ بقصد واحتيار وكله في الحقيقة عمل وفعل ولكن جرى رسم المشايخ بتفصيله إلى ثلاثة أنواع: عقد بالقلب وقول باللسان وعمل بالجوارح وجميع البشر تطرأ عليهم الآفات والتغيرات بالاحتيار وبغير الاختيار في هذه الوجوه كلها والنبى صلى الله عليه وسلم وإن كان من البشر ويجوز على جبله يجوز على جبلة البشر فقد قامت البراهين القاطعة ونمت كلمة الإجماع على خروجه عنهم وتنزيهه عن كثير من الآفات التى تقع على الاختيار وعلى غير الاختيار كما سنبينه إن شاء الله تعالى فيما نأتى به من التفاصيل
فصل في حكم عقد قلب النبي صلى الله عليبه وسلم من وقت نبوته أعلم منحنا الله إياك توفيقه أن ما تعلق منه بطريق التوحيد والعلم بالله وصفاته والإيمان به وبما أوحى إليه فعلى غاية المعرفة ووضوح العلم واليقين والإنتفاء عن الجهل شئ من ذلك والشك أو الريب فيه.
العصمة من كل ما يضاد المعرفة بذلك واليقين، هذا ومع إجماع المسلمين عليه، ولا يصح بالبراهين الواضحة أن يكون في عقود الأنبياء سواه ولا يعترص على هذا بقول إبراهيم عليه [ 7 - 2 ]


السلام قال ( بلى ولكن ليطمئن قلبى ) ، إذ لم يشك إبراهيم في إخبار الله تعالى له بإحياء الموتى ولكن أراد طمأنينة القلب وترك المنازعة لمشاهدة الإحياء فحصل له العلم الأول بوقوعه وأراد العلم الثاني بكيفيته ومشاهدته *
الوجه الثاني أن إبراهيم عليه السلام إنما أراد احتبار منزلته عند ربه وعلم إجابته دعوته بسؤال ذلك من ربه ويكون قوله تعالى (أو لم تؤمن) أي تصدق بمنزلتك منى وخلتك وأصطفائك * الوجه الثالث أنه سأل زيادة يقين وقوة طمأنينة وإن لم يكن في الأول شك إذ العلوم الضرورية والنظرية قد تتفاضل في قوتها، وطريان الشكوك على الضروريات ممتنع ومجوز في النظريات، فأراد الإنتقال من النظر أو الخير إلى مشاهدة والترقى من علم اليقين إلى عين اليقين فليس الخبر كالمعاينة، ولهذا قال سهل بن عبد الله سأل كشف غطاء العيان ليزداد بنور اليقين تمكنا في حاله *
الوجه الرابع أنه لما أحتج على المشركين بأن ربه يحيى ويميت طلب ذلك من ربه ليصح احتجاجه عيانا
الوجه الخامس قول بعضهم هو سؤال على طريق الأدب، المراد أقدرنى على إحياء الموتى، وقوله ليطمئن قلبى عن هذه الأمنية
الوجه السادس أنه أرى من نفسه الشك وما شك لكن ليجاوب فيزداد قربه وقول نبينا صلى الله عليه وسلم نحن أحق بالشك من إبراهيم نفى لأن يكون إبراهيم شك وإبعاد للخواطر الضعفية أن تظن هذا بإبراهيم أي نحن موقنون بالبعث وإحياء الله موتى، فلو شك إبراهيم لكنا أولى بالشك منه إما على طريق الأدب
أو أن يريد أمته الذين يجوز عليهم الشك أو على طريق التواضع والإشفاق أن حملت قصة إبراهيم على اختيار حاله أو زيادة يقينه * فإن قلت فما معنى قوله (فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك فاسأل الذين يقرؤن الكتاب من قبلك) الآيتين - فاحذر ثبت الله قلبك أن يخطر ببالك ما ذكره فيه بعض المفسرين من إثبات شك للنبى صلى الله عليه وسلم فيما أوحى إليه وأنه من البشر، فمثل هذا لا يجوز عليه جملة بل قد قال ابن عباس لم يشك النبي صلى الله عليه وسلم ولم يسأل، ونحوه عن ابن جبير والحسن، وحكى قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( ما أشك ولا أسأل ) ، وعامة المفسرين على هذا، واختلفوا في معنى الآية فقيل المراد قل يا محمد للشاك (فإن كنت في شك) الآية، قالوا وفى السورة نفسها ما دل على هذا التأويل: قوله (قل يا أيها الانس إن كنتم في شك من دينى) الآية، وقيل المراد بالخطاب العرب وغير النبي صلى الله عليه وسلم كما قال (لئن أشركت ليحبطن عملك) الآية، الخطاب له والمراد غيره ومثله (فلا تك في مربة مما يعبد هؤلاء) ونظيره كثير، قال بكر بن العلاء ألا تراه يقوله (ولا تكونن من الذين كذبوا بآيات الله) الآية وهو صلى الله عليه وسلم كان المكذب فيما يدعو إليه فكيف يكون ممن كذب به ؟ فهذا كله يدل على أن المراد بالخطاب غيره ومثل هذه الآية قوله (الرحمن فأسأل به خبيرا) المأمور ههنا غير النبي صلى الله عليه وسلم ليسأل النبي والنبى صلى الله عليه وسلم هو الخبير المسئول لا المستخبر السائل وقال إن هذا الشك الذى أمر به غير النبي صلى الله عليه وسلم بسؤال الذين يقرؤن الكتاب إنما هو فيما قصة الله من أخبار الأمم لا فيما دعا إليه من التوحيد والشريعة ومثل هذا قوله تعالى (واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا) الآية المراد به المشركون والخطاب مواجهة للنبى صلى الله وسلم قاله العتبى، وقيل معناه سلنا عمن أرسلنا من قبلك فحذف الخافض وتم الكلام ثم ابدأ (أجعلنا من دون الرحمن) إلى آخر الآية على طريق الإنكار أي ما جعلنا، حكاه مكى، وقيل أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يسأل الأنبياء ليلة الإسراء عن ذلك فكان أشد يقينا من أن يحتاج إلى السؤال فروى أنه قال (لا أسال قد اكفيت) قاله ابن زيد، وقيل سل أمم من أرسلنا هل جاؤهم بغير التوحيد ؟ وهو معنى قول مجاهد والسدى والضحاك وقتادة والمراد بهذا والذى قبله إعلامه صلى الله عليه وسلم بما بعثت به الرسل وأنه تعالى لم يأذن في عبادة غيره لأحد ردا على مشركي العرب وغيرهم في قولهم: إنما نعبدهم ليقربونا إلى الله زلفى، و كذلك قوله تعالى: (والذين آتيناهم الكتاب يعلمون أنه منزل من ربك بالحق فلا تكونن من الممترين) أي في علمهم بأنك رسول الله وإن لم يقروا بذلك وليس المراد به شكه فيما ذكر في أول الآية وقد يكون أيضا على مثل ما تقدم أي قل يا محمد لمن امترى في ذلك لا تكونن من الممترين بدليل قوله أول الآية: (أفغير الله ابتغى حكما) الآية: وأن النبي صلى الله عليه وسلم يخاطب بذلك غيره وقيل هو تقرير كقوله (أأنت قلت للناس اتخذوني وأمى إلهين من دون الله ؟) وقد علم أنه لم يقل، وقيل معناه ما كنت في شك فاسأل تزدد طمأنينة وعلما إلى علمك ويقينك، وقيل إن كنت تشك فيما شرفناك وفضلناك به فاسألهم عن صفتك في الكتب ونشر فضائلك، وحكى عن أبى عبيدة أن المراد إن كنت في شك من غيرك فيما أنزلنا.
فما معنى قوله (حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا) على قراءة التخفيف ؟ قلنا المعنى في ذلك ما قالته عائشة رضى الله عنها (معاذ الله أن تظن ذلك الرسل بربها وإنما معنى ذلك أن الرسل لما استيأسوا ظنوا أن من وعدهم النصر من أتباعهم كذبوهم وعلى هذا أكثر المفسرين) وقيل إن ضمير (ظنوا) عائد على الأتباع والأمم لا على الأنبياء والرسل، وهو قول ابن عباس والنخعي وابن جبير وجماعة من
العلماء وبهذا المعنى قرأ مجاهد كذبوا بالفتح فلا تشغل بالك من شاذ التفسير بسواه مما لا يلق بمنصب العلماء فكيف بالأنبياء ؟ وكذلك ما ورد في حديث السيرة ومبدإ الوحى من قوله صلى الله عليه وسلم لخديجة (لقد خشيت على نفسي) ليس معناه الشك فيما آتاه الله بعد رؤية الملك ولكن لعله خشى أن لا تحتمل قوته مقاومة الملك وأعباء الوحى فينخلع قلبه أو تزهق نفسه، هذا على ما ورد في الصحيح أنه قاله بعد لقائه الملك أو يكون ذلك قبل لقائه وإعلام الله تعالى له بالنبوة لأول ما عرضت عليه من العجائب وسلم عليه الحجر والشجر وبدأته المنامات والتباشير كما روى في بعض طرق هذا الحديث أن ذلك كان أولا في المنام ثم أرى في اليقظة مثل ذلك تأنيسا له عليه السلام لئلا يفجأه الأمر مشاهدة ومشافهة فلا يحتمل لأول حالة بنية البشرية وفى الصحيح عن السيدة عائشة رضى الله عنها: أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحى الرؤيا الصادقة، قالت ثم حبب إليه الخلاء، وقالت إلى أن جاءه الحق وهو في غار حراء (الحديث) وعن ابن عباس: مكث النبي صلى الله عليه وسلم بمكة خمس عشرة سنة يسمع الصوت ويرى الضوء سبع سنين ولا يرى شيئا وثمان سنين يوحى إليه، ( قوله بمكة خمس عشرة سنة) هذا يتأنى على القول المرجوح وهو أنه عليه السلام عاش خمسا وستين سنة والصحيح أنه عاش ثلاثا وستين سنة، أقام منها بعد النبوة بمكة ثلاثة عشر سنة على الصحيح وفى المدينة عشرا بلا خلاف ) وقد روى ابن إسحاق عن بعضهم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال وذكر جواره بغار حراء، قال (فجاءني وأنا نائم فقال: اقرأ، فقلت: ما أقرأ ؟) وذكر نحو حديث عائشة في غطه له وإقرائه له (اقرأ باسم ربك) السورة قال: (فانصرف عنى وهببت من نومى كأنما صورت في قلبى ولم يكن أبغض إلى من شاعر أو مجنون، قلت لا تحدث عنى قريش بهذا أبدا لأعمدن إلى حالق من الجبل فلأطرحن نفسي سنة فلأقتلنها: فبينا أنا عامد لذلك إذ سمعت مناديا ينادى من السماء يا محمد أنت رسول الله وأنا جبريل فرفعت رأسي فإذا جبريل على صورة رجل - وذكر الحديث) فقد بين في هذا أن قوله لما قال وقصده لما قصد إنما كان قبل لقاء جبريل عليهما السلام وقيل إعلام الله تعالى له بالنبوة وإظهاره واصطفائه له بالرسالة ومثله حديث عمرو بن شرحبيل أنه صلى الله عليه وسلم قال لخديجة (إنى إذا خلوت وحدي سمعت نداء وقد خشيت والله أن يكون هذا لأمر) ومن رواية حماد بن سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لخديجة: إنى لأسمع صوتا وأرى ضوءا وأخشى أن يكون بى جنون وعلى هذا يتأول لو صح قوله في بعض هذه الأحاديث إن الأبعد شاعر أو مجنون وألفاظا يفهم منها معاني الشك في تصحيح ما رآه وأنه كان كله في ابتداء أمره وقبل لقاء الملك له وإعلام الله له أنه رسوله فكيف وبعض هذه الألفاظ لا تصح طرقها، وأما بعد إعلام الله تعالى له ولقائه الملك فلا يصح فيه ريب ولا يجوز عليه شك فيما ألقى إليه وقد روى ابن إسحاق عن شيوخه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرقى بمكة من العين قبل أن ينزل عليه فلما نزل عليه القرآن أصابه نحو ما كان يصيبه فقالت له خديجة أوجه إليك من يرقيك قال أما الآن فلا، وحديث خديجة واختبارها أمر جبريل بكشف رأسها (الحديث) إنما ذلك في حق خديجة لتحقق صحة نبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن الذى يأتيه ملك ويزول الشك عنها لأنها فعلت ذلك للنبى صلى الله عليه وسلم وليختبر هو حاله بذلك بل قد ورد في حديث عبد الله بن محمد بن يحيى بن عروة عن هشام عن أبيه عن عائشة أن ورقة أمر خديجة أن تخبر الأمر بذلك، وفى حديث إسماعيل ابن أبى حكيم أنها قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم يا ابن عم هل تستطيع أن تخبرني بصاحبك إذا جاءك ؟ قال نعم فلما جاء جبريل
أخبرها فقالت له اجلس إلى شقى، وذكر الحديث إلى آخره وفيه فقالت ما هذا بشيطان هذا الملك يا ابن عم فاثبت وأبشر، وآمنت به، فهذا يدل على أنها مستثبتة بما فعلته لنفسها ومستظهرة لإيمانها لا للنبى صلى الله عليه وسلم وقول معمر في فترة الوحى فحزن النبي صلى الله عليه وسلم فيما بلغناه حزنا غدا منه مرارا كى يتردى من شواهق الجبال: لا يقدح في هذا الأصل، لقول معمر عنه فيما بلغنا ولم يسده ولا ذكر رواته ولا من حدث به ولا أن النبي صلى الله عليه وسلم قاله ولا يعرف مثل هذا إلا من جهة النبي صلى الله عليه وسلم مع أنه قد يحمل على أنه كان أول الأمر كما ذكرناه أو أنه فعل ذلك لما أخرجه من تكذيب من بلغه كما قال تعالى.
(فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا) ويصحح معنى هذا التأويل حديث رواه شريك عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن جابر بن عبد الله أن المشركين لما اجتمعوا بدار الندوة للتشاور في شأن النبي صلى الله عليه وسلم وأتفق رأيهم على أن يقولوا إنه ساحر اشتد ذلك عليه وتزمل في ثيابه وتدثر فيها فأتاه جبريل فقال: (يا أيها المزمل، يا أيها المدثر) أو خاف أن الفترة لأمر أو سبب منه فخشى أن تكون عقوبة من ربه ففعل ذلك بنفسه ولم يرد بعد شرع بالنهي عن ذلك فيعترض به، ونحو
هذا فرار يونس عليه السلام خشية تكذيب قومه له لما وعدهم به من العذاب وقول الله في يونس (فظن أن لن نقدر عليه) معناه أن لن نضيق عليه، قال مكى طمع في رحمة الله وأن لا يضيق عليه ملكه في خروجه وقيل حسن ظنه بمولاه أنه لا يقصى عليه العقوبة وقيل نقدر عليه ما أصابه، وقد قرئ نقدر عليه بالتشديد وقيل نواحذه بغضبه وذهابه، وقال ابن زيد معناه أفظن أن لن نقدر عليه ؟ على الاستفهام ولا يليق أن يظن بنبى أن يجهل صفة من صفات ربه، وكذلك قوله (إذ ذهب مغاضبا ) الصحيح مغاضبا لقومه لكفرهم وهو قول ابن عباس والضحاك وغيرهما لا لربه عز وجل إذ مغاضبة الله معاداة له ومعاداة الله كفر لا لميق بالمؤمنين فكيف بالأنبياء ؟ وقيل مستحيبا من قومه أن يسموه بالكذب أو يقتلوه كما ورد في الخبر وقيل مغاضبا لبعض الملوك فيما أمره به من التوجه إلى أمر أمره الله به على لسان نبى آخر فقال له يونس غيرى أقوى عليه منى فعزم عليه فخرج لذلك مغاضبا، وقد روى عن ابن عباس أن إرسال يونس ونبوته إنما كان بعد أن نبذه الحوت واستدل من الآية بقوله (فنبذناه بالعراء.
هو سقيم، وأنبتنا عليه شجرة من يقطين، وأرسلناه إلى مائة ألف) ويستدل أيضا بقوله (ولا تكن كصاحب الحوت) وذكر القصة ثم قال (فاجتباه ربه فجعله من الصالحين) فتكون هذه القصة إذا
قبل نبوته فإن قيل فما معنى قوله صلى الله عليه وسلم (إنه ليغان على قلبى فأستغفر الله كل يوم مائة مرة) وفى طريق (في اليوم أكثر من سبعين

مرة) فاحذر أن يقع ببالك أن يكون هذا الغين وسوسة أو ريبا وقع في قلبه عليه السلام بل أصل الغين في هذا ما يتغشى القلب ويغطيه، قاله أبو عبيد وأصله من غين السماء وهو إطباق الغيم عليها، وقال غيره والغين شئ يغشى القلب ولا يغطيه كل التغطية كالغيم الرقيق الذى يعرض في الهواء فلا يمنع ضوء الشمس وكذلك لا يفهم من الحديث أنه يغان على قلبه مائة مرة أو أكثر من سبعين في اليوم إذ ليس يقتضيه لفظه الذى ذكرناه وهو أكثر الروايات وإنما هذا عدد للاستغفار لا للغين فيكون المراد بهذا الغين إشارة إلى غفلات قلبه وفترات نفسه وسهوها عن مداومة الذكر ومشاهدة الحق بما كان صلى الله عليه وسلم دفع إليه من مقاساة البشر وسياسة الأمة ومعناة الأهل ومقاومة الولى والعدو ومصلحة النفس وكلفه من أعباء أداء الرسالة وحمل الأمانة وهو في كل هذا في طاعة ربه وعبادة خالقه ولكن لما كان صلى الله عليه وسلم أرفع الخلق عند الله مكانة وأعلاهم درجة وأتمهم به معرفة وكانت حاله عند خلوص قلبه وخلو همه وتفرده بربه وإقباله بكليته عليه ومقامه هنا لك أرفع حاليه رأى صلى الله عليه وسلم حال فترته عنها وشغله بسواها غضا من على حاله وخفضا من رفيع مقامه فاستغفر الله من ذلك، هذا أولى وجوه الحديث وأشهرها وإلى معنى ما أشرنا به مال كثير من الناس وحام حوله فقارب ولم يرد وقد قربنا غامض معناه وكشفنا للمستفيد محياه وهو مبنى على جواز الفترات والغفلات والسهو في غير طريق البلاغ على ما سيأتي

وذهبت طائفة من أرباب القلوب ومشيخة المتصوفة ممن قال بتنزيه النبي صلى الله عليه وسلم عن هذا جملة وأجله أن يجوز عليه في حال سهو
أو فترة إلى أن معنى الحديث ما يهم خاطره ويغم فكره من أمر أمته صلى الله عليه وسلم لاهتمامه بهم وكثرة شفقته عليهم فيستغفر لهم، قالوا وقد يكون الغين هنا على قلبه السكينة تتغشاه لقوله تعالى (فأنزل الله سكينته عليه) ويكون استغفاره صلى الله عليه وسلم عندها إظهارا للعبودية والافتقار، قال ابن عطاء استغفاره وفعله هذا تعريف للأمة يحملهم على الاستغفار، قال غيره ويستشعرون الحذر ولا يركنون إلى الأمن، وقد يحتمل أن تكون هذه الإعانة حالة حشية وإعظام تغشى قلبه فيستغفر حينئذ شكرا لله وملازمة لعبوديته كما قال في ملازمة العبادة (أفلا أكون عبدا شكورا ؟) وعلى هذه الوجوه الأخيرة يحمل ما روى في بعض طرق هذا الحديث عنه صلى الله عليه وسلم إنه ليغان على قلبى في اليوم أكثر من سبعين مرة فأستغفر الله فإن قلت فما معنى قوله تعالى لمحمد صلى الله عليه وآله وسلم (ولو شاء الله لجمعهم على الهدى فلا تكونن من الجاهلين) وقوله لنوح عليه السلام (فلا تسألني ما ليس لك به علم إنى أعظك أن تكون من الجاهلين) ؟ فاعلم أنه لا يلتفت في ذلك إلى قول من قال في آية نبينا صلى الله عليه وسلم لا تكونن من يجهل أن الله لو شاء لجمعهم على الهدى وفى آية نوح لا تكونن ممن يجهل أن وعد الله حق لقوله وإن وعدك الحق إذ فيه إثبات الجهل بصفة من صفات الله وذلك لا يجوز على الأنبياء والمقصود وعظهم أن لا يتشبهوا في أمورهم بسمات الجاهلين كما قال إنى أعظك وليس في آية منها دليل على كونهم على تلك الصفة التى نهاهم عن الكون عليها فكيف وآية نوح قبلها (فلا تسألني ما ليس لك به علم) فحمل ما بعدها على ما قبلها أولى لأن مثل هذا قد يحتاج إلى إذن وقد تجوز إباحة السؤال فيه ابتداء فنهاه الله أن يسأله عما طوى عنه علمه وأكنه من غيبه من السبب الموجب لهلاك ابنه ثم أكل الله تعالى نعمته عليه بإعلامه ذلك بقوله (إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح) حكى معناه مكى كذلك أمر نبينا في الآية الأخرى بالتزام الصبر على إعراض قومه ولا يحرج عند ذلك فيقارب حال الجاهل بشدة التحسر، حكاه أبو بكر بن فورك وقيل معنى الخطاب لأمة محمد أي فلا تكونوا من الجالين، حكاه أبو محمد مكى، وقال مثله في القرآن كثير، فبهذا الفضل وجب القول بعصمة الأنبياء منه بعد النبوة قطعا فإن قلت فإذ قررت عصمتهم من هذا وأنه لا يجوز عليهم شئ من ذلك فما معنى إذا وعيد الله لنبينا صلى الله عليه وسلم على ذلك إن فعله وتحذيره منه كقوله (لئن أشركت ليحبطن عملك) الآية وقوله تعالى (ولا تدع من دون الله مالا ينفعك ولا يضرك) الآية وقوله تعالى (إذا لأذقناك ضعف الحياة) الآية وقوله (لأخذنا منه باليمين) وقوله (وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله) وقوله (وأن يشإ الله يختم على قلبك) وقوله (فإن لم تفعل فما بلغت رسالته) وقوله (اتق الله ولا تطع الكافرين والمنافقين) فاعلم وفقنا الله وإياك أنه صلى الله عليه وسلم لا يصح ولا يجوز عليه أن لا يبلغ ولا يخالف أمر ربه ولا أن يشرك به ولا يتقول على الله ما لا يحب أو يفترى عليه أو يضل أو يختم على ؟ ؟ ؟ أو يطيع الكافرين لكن يسر أمره بالمكاشفة والبيان في البلاغ للمخالفين وأن إبلاغه إن لم يكن بهذه السبيل فكأنه ما بلغ وطيب نفسه وقوى قلبه بقوله (والله يعصمك من الناس) كما قال لموسى وهارون (لا تخافا) لتشد بصائرهم في الإبلاغ وإظهار دين الله ويذهب عنهم خوف العدو المضعف للنفس * وأما قوله تعالى (ولو نقول علينا بعض الأقاويل) الآية وقوله (إذا لأذقناك ضعف الحياة) فمعناه أن هذا جزاء من فعل هذا وجزاؤك لو كنت ممن يفعله وهو لا يفعله وكذلك قوله (وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله) فالمراد غيره كما قال (إن تطيعوا الذين كفروا) الآية وقوله (فإن يشإ الله يخسم على قلبك): (ولئن أشركت ليحبطن عملك) وما أشبهه فالمراد غيره وأن هذه حال من أشرك والنبى صلى الله عليه وسلم لا يجوز عليه هذا وقوله (اتق الله ولا تطع الكافرين) فليس فيه أنه أطاعهم والله ينهاء عما يشاء ويأمره بما يشاء كما قال (ولا تطرد الذين يدعون ربهم) الآية: وما كان طردهم صلى الله عليه وسلم ولا كان من الظالمين
وأما عصمتهم من هذا الفن قبل النبوة فللناس فيه خلاف * والصواب أنهم معصومون قبل النبوة من الجهل بالله وصفاته والتشكك في شئ من ذلك وقد تعاضدت الأخبار والآثار عن الأنبياء بتنزيههم عن هذه النقيصة منذ ولدوا ونشأتهم على التوحيد والإيمان بل على إشراق أنوار المعارف نفحات ألطاف السعادة كما نبهنا عليه في الباب الثاني من القسم الأول من كتابنا هذا ولم ينقل أحد من أهل الأخبار أن أحد النبي

واصطفى ممن عرف بكفر وإشراك قبل ذلك ومستند هذا الباب النقل وقد استدل بعضهم بان القلوب تنفر عمن كانت هذه سبيله وأنا أقول إن قريشا قد رمت نبينا بكل ما افترته، وغير كفار الأمم أنبياءها بكل ما أمكنها واختلقته مما نص الله تعالى عليه أو نقلته إلينا الرواة ولم نجد في شئ من ذلك تعييرا لواحد منهم برفضه آلهته وتقريعه بذمه بترك ما كان قد جامعهم عليه ولو كان هذا لكانوا بذلك مبادرين وبتلونه في معبوده محتجين ولكان توبيخهم له بنهيهم عما كان يعبد قبل أفظع وأقطع في الحجة من توبيخه بنهيهم عن تركهم آلهتهم وما كان يعبد آباؤهم من قبل ففى إطباقهم على الإعراض عنه دليل على أنهم لم يجدوا سبيلا إليه إذ لو كان لنقل وما سكتوا عنه كما لم يسكتوا عند تحويل القبلة وقالوا ما ولاهم عن قبلتهم التى كانوا عليها كما حكاه الله عنهم وقد استدل القاضى القشيرى على تنزيههم عن هذا بقوله تعالى (وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك) الآية وبقوله تعالى: (وإذ أخذ الله ميثاق النبيين) إلى قوله: (لتؤمنن به ولتنصرنه) قال وطهره الله في الميثاق وبعيد أن يأخذ منه الميثاق قبل خلقه ثم يأخذ ميثاق النبيين بالإيمان به ونصره قبل مولده بدهور ويجوز عليه الشرك أو غيره من الذنوب، بهذا ما لا يجوزه إلا ملحد، هذا معنى كلامه، وكيف يكون ذلك وقد أتاه جبريل عليه السلام وشق قلبه صغيرا واستخرج منه علقة وقال هذا حظ الشيطان منك ثم غسله وملأه حكمة وإيمانا كما تظاهرت به أخبار المبدإ ولا يشبه عليك بقول إبراهيم في الكوكب والقمر والشمس هذا ربى فإنه قد قيل كان هذا في سن الطفولية وابتداء النظر والاستدلال وقبل لزوم التكليف وذهب معظم الحذاق من العلماء والمفسرين إلى أنه إنما قال ذلك مبكتا لقومه ومستدلا عليهم وقيل معناه الاستفهام الوارد مورد الإنكار، والمراد فهذا ربى، قال الزجاج قوله (هذا ربى) أي على قولكم كما قال أين شركائي ؟ أي عندكم، ويدل على أنه لم يعبد شيئا من ذلك ولا أشرك قط بالله طرفة عين: قول الله عز وجل عنه (إذ قال لأبيه وقومه ما تعبدون) ثم قال: (أفرأيتم ما كنتم تعبدون أنتم وآباؤكم الأقدمون ؟ فإنهم عدو لى إلا رب العالمين) وقال: (إذ جاء ربه بقلب سليم) أي من الشرك، وقوله: (واجنبني وبنى أن نعبد الأصنام) فإن قلت فما معنى قوله: (لئن لم يهدنى ربى لأكونن من القوم الضالين) قيل إنه إن لم يؤيدني بمعونته أكن مثلكم في ضلالتكم وعبادتكم على معنى الإشفاق والحذر وإلا فهو معصوم في الأزل من الضلال فإن قلت فما معنى قوله: (وقال الذين كفروا لرسلهم لنخرجنكم من أرضنا أو لتعودن في ملتنا) ثم قال بعد عن الرسل (قد افترينا على الله كذبا إن عدنا في ملتكم بعد إذ نجانا الله منها) فلا يشكل عليك لفظة العود وأنها تقتضي أنهم إنما يعودون إلى ما كانوا فيه من ملتهم فقد تأتى هذه اللفظة في كلام العرب لغير ما ليس
له ابتداء بمعنى الصيرورة كما جاء في حديث الجهنميين عادوا حمما ولم يكونوا قبل كذلك، ومثل قول الشاعر:
- تلك المكارم لا قعبان من لبن * شيبا بماء فعادا بعد أبوالا
وما كان قبل كذلك، فإن قلت فما معنى قوله: (وجدك ضالا فهدى) فليس هو من الضلال الذى هو الكفر ؟ قيل ضالا عن النبوة فهداك إليها، قاله الطبري، وقيل وجدك بين أهل الضلال فعصمك من ذلك وهداك بالأيمان وإلى إرشادهم ونحوه عن السدى وغير واحد، وقيل ضالا عن شريعتك أي لا تعرفها فهداك إليها، والضلال ههنا التحير ولهذا كان صلى الله عليه وسلم يخلو بغار حراء في طلب ما يتوجه به إلى ربه ويتشرع به حتى هداه الله إلى الإسلام قال معناه المشيرى وقيل لا تعرف الحق فهداك إليه، وهذا مثل قوله تعالى:) وعلمك ما لم تكن تعلم) قاله على بن عيسى، قال ابن عباس لم تكن له ضلالة معصية وقيل هدى: أي بين أمرك بالبراهين وقيل: (وجدك ضالا) بين مكة والمدينة فهدك إلى المدينة وقيل المعنى وجدك فهدى بك ضالا * وعن جعفر ابن محمد (ووجدك ضالا) عن محبتى لك في الأزل أي لا تعرفها فمننت عليك بمعرفتي، وقرأ الحسن بن على (ووجدك ضال فهدى) أي اهتدى بك، وقال ابن عطاء: (ووجدك ضالا) أي: محبا لمعرفتي والضال المحب كما قال: (انك لفى ضلالك القديم) أي محبتك القديمة
ولم يريدوا ههنا في الدين إذ لو قالوا ذلك في نبى الله لكفروا ومثله عند هذا قوله إنا لنراها في ضلال مبين أي محبة بينة، وقال الجنيد ووجدك متحيرا في بيان ما أنزل إليك فهداك لبيانه لقوله (وأنزلناه إليك الذكر) الآية، وقيل ووجدك لم يعرفك أحد بالنبوة حتى أظهرك فهدى بك السعداء ولا أعلم أحدا قال من المفسرين فيها ضالا عن الإيمان، وكذلك في قصة موسى عليه السلام قوله: (فعلتها إذا وأنا من الضالين) أي من المخطئين الفاعلين شيئا بغير قصد .
قاله ابن عرفة، وقال الأزهري: معناه من الناسين وقد قيل ذلك في قوله (ووجدك ضالا فهدى) أي ناسيا كما قال تعالى: (أن تضل إحداهما) فإن قلت فما معنى قوله: (ما كنت تدرى ما الكتاب ولا الأيمان) فالجواب: أن السمرقندى قال: معناه ما كنت تدرى قبل الوحى أن تقرأ القرآن ولا كيف تدعو الخلق إلى الإيمان، وقال بكر القاضى نحوه، قال ولا الأيمان الذى هو الفرائض والأحكام، قال: فكان قيل مؤمنا بتوحيده ثم نزلت الفرائض التى لم يكن يدريها قبل
فزاد بالتكليف إيمانا وهو أحسن وجوهه قلت فما معنى قوله:
(وإن كنت من قبله لمن الغافلين) فاعلم أنه ليس بمعنى قوله: (والذين هم عن آياتنا غافلون) بل حكى أبو عبد الله الهروي أن معناه لمن الغافلين عن قصة يسف إذ لم تعلمها إلا بوحينا وكذلك الحديث الذى يرويه عثمان بن أبى شيبة بسنده عن جابر رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قد كان يشهد من المشركين مشاهدهم فسمع ملكين حلفه أحدهما يقول لصاحبه اذهب حتى تقوم خلفه فقال الآخر كيف أقوم خلفه وعهده بالستلاء الأصنام ؟ فلم يشهدهم بعد، فهذا حديث أنكره أحمد بن حنبل جدا وقال هو موضوع أو شبيه بالموضوع، وقال الدارقطني يقال إن عثمان وهم في إسناده، والحديث بالجملة منكر غير متفق على إسناده فلا يلتفت إليه، والمعروف عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم خلافه عند أهل العلم من قوله (بغضت إلى الأصنام) وقوله في الحديث الآخر الذى روته أم أيمن حين كلمه عمه وآله في حضور بعض أعيادهم وعزموا عليه بعد كراهته لذلك فخرج معهم ورجع مرعوبا فقال (كلما دنوت منها من صنم تمثل لى شخص أبيض طويل يصيح بى وراءك لا تمسه) فما شهد بعد لهم عيدا، وقوله في قصة بحيرا حين استحلف النبي صلى الله عليه وسلم باللات والعزى إذ لقيه بالشام في سفرته مع عمه أبى طالب وهو صبى ورأى فيه سلامات النبوة فاختبره بذلك فقال له النبي صلى الله عليه وسلم (لا تسألني بهما فو الله ما أبغضت شيئا قط بغضهما) فقال له بحيرا فبالله إلا ما أخبرتني عما أسألك عنه، فقال (سل عما بدا لك) وكذلك المعروف من سيرته صلى الله عليه وسلم وتوفيق الله له أنه كان قبل نبوته يخالف المشركين في وقوفهم بمزدلفة في الحج فكان يقف
هو بعرفة لأنه كان موقف إبراهيم عليه السلام.


_________________
يارب بالــمــصـطــفى بــلـغ مـقـاصــدنا --- واغفر لنا ما مضى يا واسع الكرم

واغفر إلهى لكل المسلمين بما --- يتلون فى المسجد الأقصى وفى الحرم

بجاه من بيته فى طيبة حرم --- واسمه قسم من أعظم القسم


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: يجب على المكلف إعتقاد عصمة الانبياء عليهم الصلاة والسلام
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأربعاء مارس 11, 2015 10:39 pm 
غير متصل

اشترك في: السبت أكتوبر 08, 2011 9:22 pm
مشاركات: 2955
تابع كتاب الشفا

قال القاضى أبو الفضل وفقه الله قد بان بما قدمناه عقود الأنبياء في التوحيد والإيمان والوحى وعصمتهم في ذلك على ما بيناه، فأما ما عدا هذا الباب من عقود قلوبهم فجماعها أنها مملوءة علما ويقينا على الجملة، وأنها قد احتوت من المعرفة والعلم بأمور الدين والدنيا ما لا شئ فوقه ومن طالع الأخبار واعتنى بالحديث وتأمل ما قلناه وجده وقد قدمنا منه في حق نبينا صلى الله عليه وسلم في الباب الرابع أول قسم من هذا الكتاب ما ينبه على ما وراءه إلا أن أحوالهم في هذه المعارف تختلف، فأما ما تعلق منها بأمر الدنيا فلا يشترط في حق الأنبياء العصمة من عدم معرفة الأنبياء ببعضها أو اعتقادها على خلاف ما هي عليه ولا وصم عليهم فيه إذ هممهم متعلقة بالآخرة وأنبائها وأمر الشريعة وقوانينها، وأمور الدنيا تضادها بخلاف غيرهم من أهل الدنيا الذين يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون كما سنبين هذا في الباب الثاني إن شاء الله ولكنه لا يقال إنهم لا يعلمون شيئا من أمر الدنيا فإن ذلك يؤدى إلى الغفلة والبله وهم المنزهون عنه بل قد أرسلوا إلى أهل الدنيا وقلدوا سياستهم وهدايتهم والنظر في مصالح دينهم ودنياهم، وهذا لا يكون مع عدم العلم بأمور الدنيا بالكلية، وأحوال الأنبياء وسيرهم في هذا الباب معلومة ومعرفتهم بذلك كله مشهورة وأما إن كان هذا العقد مما يتعلق بالدين فلا يصح من النبي صلى الله عليه وسلم إلا العلم به ولا يجوز عليه جهله جملة لأنه لا يخلو أن يكون حصل عنده ذلك عن وحى من الله فهو ما لا يصح الشك منه فيه على ما قدمناه فكيف الجهل ؟ بل حصل له العلم اليقين أو يكون فعل ذلك باجتهاده فيما لم ينزل عليه فيه شئ على القول بتجويز وقوع الاجتهاد منه في ذلك على قول المحققين وعلى مقتضى حديث أم سلمة إنى إنما أقضى بينكم برأى فيما لم ينزل على فيه شئ خرجه الثقات، وكقصة أسرى بدر والإذن للمتخلفين على رأى بعضهم فلا يكون أيضا ما يعتقده مما يثمره اجتهاده إلا حقا وصحيحا، هذا هو الحق الذى لا يلتفت إلى خلاف من خالف فيه ممن أجاز عليه الخطأ في الاجتهاد لا على القول بتصويب المجتدين الذى هو الحق والصواب عندنا ولا على القول الآخر بأن الحق في طرف واحد لعصمة نبى صلى الله عليه وسلم من الخطإ في الاجتهاد في الشرعيات ولأن القول في تخطئة المجتهدين إنما هو بعد استقرار الشرع ونظر النبي صلى الله عليه وسلم واجتهاده إنما هو فيما لم ينزل عليه فيه شئ ولم يشرع له قبل، هذا فيما عقد عليه النبي صلى الله عليه وسلم قلبه فأما ما لم يعقد عليه قلبه من أمر النوازل الشرعية فقد كان لا يعلم منها أولا إلا ما علمه الله شيئا شيئا حتى استقر علم جملتها عنده إما بوحى من الله أو إذن أن يشرع في ذلك ويحكم بما أراه الله وقد كان ينتظر الوحى في كثير منها ولكنه لم يمت حتى استفرغ علم جميعها عنده صلى الله عليه وسلم وتقررت معارفها لديه على التحقيق ورفع الشك والريب وانتفاء الجهل وبالجملة فلا يصح منه الجهل بشئ من تفاصيل الشرع الذى أمر بالدعوة إليه إذ لا تصح دعوته إلى ما لا يعلمه وأما ما تعلق بعقده من ملكوت السموات والأرض وخلق الله وتعيين أسمائه الحسنى وآياته الكبرى وأمور الآخرة وأشراط الساعة وأحوال السعداء والأشقياء وعلم ما كان وما يكون مما لم يعلمه إلا بوحى فعلى ما تقدم من أنه معصوم فيه لا يأخذه فيما أعلم منه شك ولا ريب بل هو فيه على غاية اليقين لكنه لا يشترط له العلم بجميع تفاصيل ذلك وإن كان عنده من علم ذلك ما ليس عند جميع البشر لقوله صلى الله عليه وسلم (إنى لا أعلم إلا ما علمني ربى) ولقوله ولا خطر على قلب بشر (فلا تعلم نفس ما أخفى لهم من قرة أعين) وقول موسى للخضر (هل أتبعك لى أن تعلمن مما علمت رشدا) وقوله صلى الله عليه وسلم (أسألك بأسمائك الحسنى ما علمت منها وما لم أعلم) وقوله (أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو لتأثرت به في علم الغيب عندك) وقد قال الله تعالى (وفوق كل ذى علم عليم) قال زيد بن أسلم وغيره حتى ينتهى العلم إلى الله وهذا ما لا خفاء به إذ معلوماته تعالى لا يحاط بها ولا منتهى لها، هذا حكم عقد النبي صلى الله عليه وسلم في التوحيد والشرع والمعارف والأمور الدينية

_________________
يارب بالــمــصـطــفى بــلـغ مـقـاصــدنا --- واغفر لنا ما مضى يا واسع الكرم

واغفر إلهى لكل المسلمين بما --- يتلون فى المسجد الأقصى وفى الحرم

بجاه من بيته فى طيبة حرم --- واسمه قسم من أعظم القسم


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: يجب على المكلف إعتقاد عصمة الانبياء عليهم الصلاة والسلام
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأربعاء مارس 11, 2015 10:49 pm 
غير متصل

اشترك في: السبت أكتوبر 08, 2011 9:22 pm
مشاركات: 2955

تابع كتاب الشفا

واعلم أن الأمة مجمعة على عصمة النبي صلى الله عليه وسلم من الشيطان وكفايته منه لا في جسمه بأنواع الأذى ولا على خاطره بالوساوس وقد أخبرنا القاضى الحافظ أبو على رحمه الله قال حدثنا أبو الفضل بن خيرون العدل حدثنا أبو بكر البرقانى وغيره حدثنا أبو الحسن الدارقطني حدثنا إسماعيل الصفار حدثنا عباس الترقفى حدثنا محمد بن يوسف حدثنا سفيان عن منصور عن سالم بن أبى الجعد عن مسروق عن عبد الله بن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم) ما منكم من أحد إلا وكل به قرينه من الجن وقرينه من الملائكة) قالوا وإياك يا رسول الله؟ قال
(وإياى ولكن الله تعالى أعاني عليه فأسلم) * زاد غيره عن منصور (فلا يأمرنى إلا بخير) وعن عائشة بمعناه روى فأسلم بضم الميم أي فأسلم أنا منه وصحح بعضهم هذه الرواية ورجحها، وروى فأسلم يعنى القرين أنه انتقل عن حال كفره إلى الإسلام فصار لا يأمر إلا بخير كالملك، وهو ظاهر الحديث، ورواه بعضهم فاستسلم قال القاضى أبو الفضل وفقه الله فإذا كان هذا حكم شيطانه وقرينه المسلط على بنى آدم فكيف بمن بعد منه ولم يلزم صحبته ولا أقدر على الدنو منه ؟ وقد جاءت الآثار بتصدي الشياطين له في غير موطن رغبة في إطماء نوره وإماتة نفسه وإدخال شغل عليه إذ يئسوا من إغوائه فانقلبوا خاسرين كتعرضه له في صلاته فأخذه النبي صلى الله عليه وسلم وأسره * ففى الصحاح قال أبو هريرة عنه صلى الله عليه وسلم (إن الشيطان عرض لى - قال عبد الرزاق في صورة ؟ ؟ ؟ - فشد على يقطع على الصلاة فأمكنني الله منه فذعته ولقد هممت أن أوثقه إلى سارية حتى تصبحوا تنظرون إليه فذكرت قول أخى سليمان (رب اغفر لى وهب لى ملكا) الآية، فرده
الله خاسئا) * وفى حديث أبى الدرداء عنه صلى الله عليه وسلم (إن عدو الله إبليس جاءني بشهاب من نار ليجعله في وجهى، والنبى صلى الله عليه وسلم في الصلاة وذكر تعوذه بالله منه ولعنه له ثم أردت آخذه)، وذكر نحوه وقال (لأصبح موثقا يتلاعب به ولدان أهل المدينة) وكذلك في حديثه في الإسراء (وطلب عفريت له بشعلة نار فعلمه جبريل ما يتعوذ به منه) ذكره في الموطإ، ولما لم يقدر على أداه بمباشرته تسبب بالتوسط إلى عداه كقضيته مع قريش في الائتمار بقتل النبي صلى الله عليه وسلم وتصوره في صورة الشيخ النجدي ومرة أخرى في غزوة يوم بدر في صورة سراقة بن مالك وهو قوله (وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم) الآية، ومرة ينذر بشأنه عند بيعة العفية، وكل هذا فقد كفاه الله أمره وعصمه ضره وشره وقد قال صلى الله عليه وسلم (إن عيسى عليه السلام كفى من لمسه فجاء ليطعن بيده في خاصرته حين ولد فطعن في الحجاب) وقال صلى الله عليه وسلم حين لد في مرضه وقيل له خشينا أن يكون بك ذات الجنب فقال (إنها من الشيطان ولم يكن الله ليسلطه على) فإن قيل
فما معنى قوله تعالى (وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله) الآية ؟ فقد قال بعض المفسرين إنها راجعة إلى قوله (وأعرض عن الجاهلين) ثم قال وإما ينزغنك أي يستخفنك غضب يحملك على ترك الإعراض عنهم فاستعذ بالله، وقيل النزع هنا الفساد كما قال (من بعد أن نزغ الشيطان بينى وبين إخوتى) وقيل ينرغنك يغرينك ويخركنك، والنزع أدنى الوسوسة فأمره الله تعالى أنه متى تحرك عليه غضب على عدوه أو رام الشيطان من إغرائه به وخواطر أدنى وساوسه ما لم يجعل له سبيل إليه أن يستعيذ منه فيكفى أمره ويكون سبب نمام عصمته إذ لم يسلط عليه بأكثر من التعرض له ولم يجعل له قدرة عليه وقد قيل في هذه الآية غير هذا وكذلك لا يصح أن يتصور له الشيطان في صورة الملك ويلبس عليه لا في أول الرسالة ولا بعدها والاعتماد في ذلك دليل المعجزة بل لا يشك النبي أن ما يأتيه من الله الملك ورسوله حقيقة إما بعلم ضروري يخلقه الله له أو ببرهان يظهره لديه لتتم كلمة ربك صدقا وعدلا لا مبدل لكلماته.
فإن قيل فما معنى قوله تعالى: (وما أرسلنا منى قبلك من رسول ولا نبى إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته) الآية ؟ فاعلم أن للناس في معنى هذه الآية أقاويل منها السهل والوعث *والسمين والغث، وأولى ما يقال فيها ما عليه الجمهور من المفسرين أن التمنى ههنا التلاوة وإلقاء الشيطان فيها إشغاله بخواطر وأذكار من أمور الدنيا لليالي حتى يدخل عليه الوهم والنسيان فيما تلاه أو يدخل غير ذلك على أفهام السامعين من التحريف وسوء التأويل ما يزيله الله وينسخه ويكشف لبسه ويحكم آياته وسيأتى الكلام على هذه الآية بعد بأشبع من هذا إن شاء الله، وقد حكى السمرقندى إنكار قول من قال بتسلط الشيطان على ملك سليمان وغلبته عليه وأن مثل هذا لا يصح وقد ذكرنا قصة سليمان مبينة بعد هذا ومن قال إن الجسد هو الولد الذى ولد له، وقال أبو محمد مكى في قصة أيوب وقوله: (أنى مسنى الشيطان بنصب وعذاب) إنه لا يجوز لأحد أن ينازل أن الشيطان هو الذى أمرضه وألقى الضر في بدنه ولا يكون ذلك إلا بفعل الله وأمره ليبتليهم ويثيبهم.
قال مكى: وقيل إن الذى أصابه الشيطان ما وسوس به إلى أهله فإن قلت: فما معنى قوله تعالى عن يوشع: - وما أنسانيه إلا الشيطان) وقوله عن يوسف: (فأنساه الشيطان ذكر ربه) وقول نبينا صلى الله عليه وسلم حين نام عن الصلاة يوم الوادي: (إن هذا واد به شيطان) وقول موسى عليه السلام في وكزته: (هذا من عمل الشيطان) فاعلم أن هذا الكلام قد يرد في جميع خذا على مورد مستمر كلام العرب في وصفهم كل قبح من شخص أو فعل بالشيطان أو فعله كما قال تعالى: (طلعها كأنه رؤس الشياطين) وقال صلى الله عليه وسلم: (فليقاتله فإنما هو شيطان)، وأيضا فإن قول يوشع لا يلزمنا الجواب عنه، إذ لم يثبت له في ذلك الوقت نبوة مع موسى، قال الله تعالى: (وإذ قال موسى لفتاه) والمروى أنه إنما نبى بعد موت موسى وقيل: قبيل موته، وقول موسى كان قبل نبوته بدليل القرآن وقصة يوسف قد ذكر أنها كانت قبل نبوته، وقد قال المفسرون في قوله: (أنساه الشيطان) قولين: أحدهما: أن الذى أنساه الشيطان ذكر ربه أحد صاحبي السجن وربه الملك: أي أنساه أن يذكر للملك شأن يوسف عليه السلام، وأيضا فإن مثل هذا من فعل الشيطان ليس فيه تسلط على يوسف ويوشع بوساوس ونزغ وإنما هو بشغل خواطر هما بأمور أخر وتذكيرهما من أمورهما ما ينسيهما ما نسيا، وأما قوله صلى الله عليه وسلم: (إن هذا واد به شيطان) فليس فيه ذكر تسلطه عليه ولا وسوسته له بل إن كان بمقتضى ظاهره فقد بين أمر ذلك الشيطان بقوله: (إن شيطان أتى بلالا فلم يزل يهدئه كما يهدأ الصبى حتى نام) فأعلم أن تسلط الشيطان في ذلك الوادي إنما كان على بلال الموكل بكلاءة الفجر، هذا إن جعلنا قوله: (إن هذا واد به شيطان) تنبيها على سبب النوم عن الصلاة، وأما إن جعلناه تنبيها على سبب الرحيل عن الوادي وعلة لترك الصلاة به وهو دليل مساق حديث زيد بن أسلم فلا اعتراض به في هذا الباب لبيانه وإرتفاع إشكاله.

وأما أقواله صلى الله عليه وسلم فقد قامت الدلائل الواضحة بصحة المعجزة على صدقه وأجمعت الأمة فيما كان طريقه البلاغ أنه معصوم فيه من الإخبار عن شئ منها بخلاف ما هو به لا قصدا ولا عمدا ولا سهوا ولا غلطا أما تعمد الخنف في ذلك فمنتف بدليل المعجزة القائمة مقام قول الله صدق فيما قال اتفاقا، وبإطباق أهل الملة إجماعا وأما وقوعه على جهة الغلط في ذلك فبهذه السبيل عند الأستاذ أبى اسحاق الإسفرائنى ومن قال بقوله ومن جهة الإجماع فقط وورود الشرع بانتفاء ذلك وعصمة النبي لا من مقتضى المعجزة نفسها عند القاضى أبى بكر الباقلانى ومن وافقه لاختلاف بينهم في مقتضى دليل المعجزة لا نطول بذكره فنخرج عن غرض الكتاب فلنعتمد على ما وقع عليه إجماع المسلمين أنه لا يجوز عليه خلف في القول إبلاغ الشريعة والإعلام بما أخبر به عن ربه وما أوحاه إليه من وحيه لا على وجه العمد ولا على غير عمد ولا في حالى الرضى والسخط والصحة والمرض، وفى حديث عبد الله ابن عمرو قلت يا رسول الله أأكتب كل ما أسمع منك ؟ قال (نعم) قلت في الرضى والغضب ؟ قال نعم فإنى لا أقول في ذلك كله إلا حقا) ولنزد ما أشرنا إليه من دليل المعجزة عليه بيانا: فنقول إذا قامت المعجزة على صدقه وأنه لا يقول إلا حقا ولا يبلغ عن الله إلا صدقا وأن المعجزة قائمة مقام قول الله له صدقت فيما تذكره عنى وهو يقول إنى رسول الله إليكم لا بلغكم ما أرسلت به إليكم وأبين لكم ما نزل عليكم (وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحى يوحى) وقد جاءكم الرسول بالحق من ربكم، وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا، فلا يصح أن يوجد منه في هذا الباب خبر بخلاف مخبره على أي وجه كان، فلو جوزنا عليه الغلط والسهو لما تميز لنا من غيره ولا اختلط الحق بالباطل، فالمعجزة مشتملة على تصديقه جملة واحدة من غير خصوص فتبريه النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك كله واجب برهانا وإجماعا كما قاله أبو اسحاق
فصل وقد توجهت ههنا لبعض الطاعنين سؤالات منها ما روى من أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قرأ سورة والنجم وقال (أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى) قال تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتها لترتجي ويروى ترتضي، وفى رواية إن شفاعتها لترتجي، وإنها لمع الغرانيق العلى وفى أخرى والغرانقة العلى تلك الشفاعة ترتجى، فلما ختم السورة سجد وسجد معه المسلمون والكفار لما سمعوه أثنى على آلهتهم وما وقع في بعض الروايات أن الشيطان ألفاها على لسانه وأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتمنى أن لو نزل عليه شئ يقارب بينه وبين قومه * وفى رواية أخرى
أن لا ينزل عليه شئ ينفرهم عنه وذكر هذه القصة وأن جبريل عليه السلام جاءه فعرض عليه السورة فلما بلغ الكلمتين قال له ما جئتك بهاتين، فحزن لذلك النبي صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى تسلية له (وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبى) الآية وقوله (وإن كادوا ليفتنونك) الآية، فاعلم أكرمك الله أن لنا في الكلام على مشكل هذا الحديث مأخذين أحدهما في توهين أصله والثانى على تسليمه، أما المأخذ الأول فيكفيك أن هذا حديث لم يخرجه أحد من أهل الصحة ولا رواه
ثقة بسند سليم متصل وإنما أولع به وبمثله المفسرون والمؤرخون المولعون بكل غريب المتلقفون من الصحف كل صحيح وسقيم وصدق القاضى بكر بن العلاء المالكى حيث قال لقد بلى الناس ببعض أهل الأهواء والتفسير وتعلق بذلك الملحدون مع ضعف نقلته واضطراب رواياته وانقطاع إسناده واختلاف كلماته فقائل يقول إنه في الصلاة، وآخر يقول قالها في نادى قومه حين أنزلت عليه السورة، وآخر يقول قالها وقد أصابته سنة، وآخر يقول بل حدث نفسه فيها، وآخر يقول إن الشيطان قالها على لسانه وأن النبي صلى الله عليه وسلم لما عرضها على جبريل قال ما هكذا أقرأتك، وآخر يقول بل أعلمهم الشيطان أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأها، فلما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم ذلك قال والله ما هكذا نزلت، إلى غير ذلك من اختلاف الرواة، ومن حكيت هذه الحكاية عنه من المفسرين والتابعين لم يسندها أحد منهم ولا رفعها إلى صاحب وأكثر الطرق عنهم فيها ضعيفة واهية والمرفوع فيه حديث شعبة عن أبى بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال فيما أحسب الشك في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم كان بمكة وذكر القصة قال أبو بكر البزار هذا الحديث لا نعلمه يروى عن النبي صلى الله علبه وسلم بإسناد متصل يجوز ذكره إلا هذا ولم يسنده عن شعبة الا أمية بن خالد وغيره يرسله عن سعيد بن جبير وإنما يعرف عن الكلبى عن أبى صالح عن ابن عباس فقد بين لك أبو بكر رحمه الله أنه لا يعرف من طريق يجوز
ذكره سوى هذا وفيه من الضعف ما نبه عليه مع وقوع الشك فيه كما ذكرناه الذى لا يوثق به ولا حقيقة معه، وأما حديث الكلبى فمما لا تجوز الرواية عنه ولا ذكره لقوة ضعفه وكذبه كما أشار إليه البزار رحمه الله والذى منه في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ والنجم وهو بمكة فسجد معه المسلمون والمشركون والجن والإنس، هذا توهينه من طريق النقل، فأما من جهة المعنى فقد قامت الحجة وأجمعت الأمة على عصمته صلى الله عليه وسلم ونزاهته عن مثل هذه الرذبلة أما من تمنيه أن ينزل عليه مثل هذا من مدح آلهة غير الله وهو كفر أو أن يتسور عليه الشيطان ويشبه عليه القرآن حتى يجعل فيه ما ليس منه ويعتقد النبي صلى الله عليه وسلم أن من القرآن ما ليس منه حتى ينبهه جبريل عليه السلام وذلك كله ممتنع في حقه صلى الله عليه وسلم أو يقول ذلك النبي صلى الله عليه وسلم من قبل نفسه عمدا - وذلك كفر - أو سهوا وهو معصوم من هذا كله وقد قررنا بالبراهين والإجماع عصمته صلى الله عليه وسلم من جريان الكفر على قلبه أو لسانه لا عمدا ولا سهوا أو أن يتشبه عليه ما يلقيه الملك مما يلقى الشيطان أو يكون للشيطان عليه سبيل أو أن يتقول على الله لا عمدا ولا سهوا ما لم ينزل عليه وقد قال الله تعالى: (ولو تقول علينا بعض الأقاويل) الآية، وقال تعالى (إذا لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات) الآية، ووجه ثان وهو استحالة هذه القصة نظرا وعرفا وذلك أن هذا الكلام لو كان كما روى لكان بعيد الالتئام متناقض الأقسام ممتزج المدح بالضم متخاذل التأليف والنظم ولما
كان النبي صلى الله عليه وسلم ولا من بحضرته من المسلمين وصناديد المشركين ممن يخفى عليه ذلك وهذا لا يخفى على أدنى متأمل فكيف بمن رجح حلمه واتسع في باب البيان ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ فصيح الكلام علمه، ووجه ثالث أنه قد علم من عادة المنافقين ومعاندي المشركين وضعفة القلوب والجهلة من المسلمين نفورهم لأول وهلة وتخليط العدو على النبي صلى الله عليه وسلم لأقل فتنة وتعييرهم المسلمين والشماتة بهم الفينة بعد الفينة وارتداد من في قلبه مرض ممن أظهر الإسلام لأدنى شبهة ولم يحك أحد في هذه القصة شيئا سوى هذه الرواية الضعيفة الأصل ولو كان ذلك لوجدت قريش بها على المسلمين الصولة ولأقامت بها اليهود عليهم الحجة كما فعلوا مكابرة في قصة الإسراء حتى كانت في ذلك لبعض الضعفاء ردة وكذلك ما روى في قصة القضية ولا فتنة أعظم من هذه البلية لو وجدت ولا تشغيب للمعادي حينئذ أشد من هذه الحادثة لو أمكنت فما روى عن معاند فيها كلمة ولا عن مسلم بسببها بنت شفة فدل على بطلها واجتثاث أصلها ولا شك في إدخال بعض شياطين الإنس أو الجن هذا الحديث على بعض مغفلى المحدثين ليلبسن به على ضعفاء المسلمين.
ووجه رابع ذكر الرواة لهذه القضية أن فيها نزلت (وإن كادوا ليفتنونك) الآيتين، وهاتان الآيتان تردان الخبر الذى رووه لأن الله تعالى ذكر أنهم كادوا يفتنونه حتى يفترى وأنه لولا أن ثبته لكاد يركن إليهم فمضمون هذا ومفهومه أن الله تعالى عصمه من أن يفترى وثبته حتى لم يركن إليهم قليلا فكيف كثيرا وهم يرون في أخبارهم الواهية أنه زاد على الركون والافتراء بمدح آلهتهم وأنه قال صلى الله عليه وسلم: (افتريت على الله وقلت ما لم يقل) وهذا ضد مفهوم الآية وهى تضعف الحديث لو صح فكيف ولا صحة له ؟ وهذا مثل قوله تعالى في الآية الأخرى (ولولا فضل الله عليك ورحمته لهمت طائفة منهم أن يضلوك وما يضلون إلا أنفسهم وما يضرونك من شئ) وقد روى عن ابن عباس كل ما في القرآن كاد فهو ما لا يكون قال الله تعالى (يكاد سنابرقه يذهب بالأبصار) ولم يذهب وأكاد أخفيها ولم يفعل، قال القشيرى القاضى ولقد طالبه قريش وثقيف إذ مر بآلهتهم أن يقبل بوجهه إليها ووعدوه الإيمان به إن فعل فما فعل ولا كان ليفعل، قال ابن الانباري ما قارب الرسول ولا ركن وقد ذكرت في معنى هذه الآية تفاسير
أخر ما ذكرناه من نص الله على عصمة رسوله ترد سفسافها فلم يبق في الآية إلا أن الله تعالى امتن على رسوله بعصمته وتثبيته بما كاده به الكفار وراموا من فتنته ومرادنا من ذلك تنزيهه وعصمته صلى الله عليه وسلم وهو مفهوم الآية، وأما المأخذ الثاني فهو مبنى على تسليم الحديث لو صح وقد أعاذنا الله من صحته ولكن على كل حال فقد أجاب عن ذلك أئمة المسلمين بأجوبة منها الغث والسمين فمنها ما روى قتادة ومقاتل أن النبي صلى الله عليه وسلم أصابته سنة عند قراءته هذه السورة فجرى هذا الكلام على لسانه بحكم النوم وهذا لا يصح إذ لا يجوز على النبي صلى الله عليه وسلم مثله في حالة من أحواله ولا يخلقه الله على لسانه ولا يستولى الشيطان عليه في نوم ولا يقظة لعصمته في هذا الباب من جميع العمد والسهو وفى قول الكلبى أن النبي صلى الله عليه وسلم حدث نفسه فقال ذلك الشيطان على لسانه، وفى رواية ابن شهاب عن أبى بكر بن عبد الرحمن قال وسها فلما أخبر بذلك قال إنما ذلك من الشيطان وكل هذه لا يصح أن يقوله النبي صلى الله عليه وسلم لا سهوا ولا قصدا ولا يتقوله الشيطان على لسانه وقيل لعل النبي صلى الله عليه وسلم قاله أثناء تلاوته على تقدير التقرير والتوبيخ للكفار كقول إبراهيم عليه السلام هذا ربى على أحد التأويلات وكقوله بل فعله كبيرهم هذا بعد السكت وبيان الفصل بين الكلامين ثم رجع إلى تلاوته وهذا يمكن مع بيان الفصل وقرينة تدل على المراد وأنه ليس من المتلو وهو أحد ما ذكره القاضى أبو بكر ولا يعترض على هذا بما روى أنه
كان في الصلاة فقد كان الكلام قبل فيها غير ممنوع والذى يظهر ويترجح في تأويله عنده وعند غيره من المحققين على تسليمه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان كما أمره ربه يرتل القرآن ترتيلا ويفصل الآى تفصيلا في قراءته كما رواه الثقات عنه فيمكن ترصد الشيطان لتلك السكتات ودسه فيها ما اختلفه من تلك الكلمات محاكيا نغمة النبي صلى الله عليه وسلم بحيث يسمعه من دنا إليه من الكفار فظنوها من قول النبي صلى الله عليه وسلم وأشاعوها ولم يقدح ذلك عند المسلمين بحفظ

السورة قبل ذلك على ما أنزلها الله وتحققهم من حال النبي صلى الله عليه وسلم في ذم الأوثان وعيبها عرف منه وقد حكى موسى بن عقبة في مغازيه نحو هذا، وقال إن المسلمين لم يسمعوها وإنما ألقى الشيطان ذلك في أسماع المشركين وقلوبهم ويكون ما روى من حزن النبي صلى الله عليه وسلم لهذه الإشاعة والشبهة وسبب هذه الفتنة وقد قال الله تعالى (وما أرسلنا من قبلكم من رسول ولا نبى) الآية فمعنى تمنى: تلا، قال الله تعالى: (لا يعلمون الكتاب إلا أمانى) أي تلاوة وقوله (فينسخ الله ما يلقى الشيطان) أي يذهبه ويزيل اللبس به ويحكم آياته، وقيل معنى الآية هو ما يقع للنبى صلى الله عليه وسلم من السهو إذا قرأ فينتبه لذلك ويرجع عنه وهذا نحو قول الكلبى في الآية أنه حدث نفسه وقال إذا تمنى أي حدث نفسه، وفى رواية أبى بكر بن عبد الرحمن نحوه وهذا السهو في القراءة إنما يصح فيما ليس طريقه تغيير المعاني وتبديل الألفاظ وزيادة ما ليس من القرآن بل السهو عن إسقاط آية منه أو كلمة ولكنه لا يقر على هذا السهو بل ينبه عليه ويذكر به للحين على ما سنذكره في حكم ما يجوز عليه من السهو وما لا يجوز ومما يظهر في تأويله أيضا أن مجاهدا روى هذه القصة والغرانقة العلى فإن سلمنا القصة قلنا لا يبعد أن هذا كان قرانا والمراد بالغرانقة العلى وأن شفاعتهن لتربحي الملائكة على هذه الرواية وبهذا فسر لكلى الغرانقة أنها الملائكة وذلك أن الكفار كانوا يعتقدون الأوثان والملائكة بنات الله كما حكى الله عنهم
ورد عليهم في هذه السورة بقوله (ألكم الذكر وله الأنثى) فأنكر الله كل هذا من قولهم ورجاء الشفاعة من الملائكة صحيح فلما تأوله المشركون على أن المراد بهذا الذكر آلهتهم وليس عليهم الشيطان ذلك وزينه في قلوبهم وألقاه إليهم نسخ الله ما ألقى الشيطان وأحكم آياته ورفع تلاوة تلك اللفظتين اللتين وجد الشيطان بهما سبيلا للالباس كما نسخ كثير من القرآن ورفعت تلاوته وكان في إنزال الله تعالى لذلك حكمة وفى نسخة حكمة ليضل به من يشاء ويهدى من يشاء وما يضل به إلا الفاسقين و (ليجعل ما يلقى الشيطان فتنة للذين في قلوبهم مرض والقاسية قلوبهم وإن الظالمين لفى شقاق بعيد وليعلم الذين أوتوا العلم أنه الحق من ربك فيؤمنوا به فتخبت له قلوبهم) الآية - وقيل إن النبي صلى الله عليه وسلم لما قرأ هذه السورة وبلغ ذكرت اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى خاف الكفار أن يأتي بشئ من ذمها فسبقوا إلى مدحها بتلك الكلمتين ليخلطوا في تلاوة النبي صلى الله عليه وسلم وبشنعوا عليه على عادتهم وقولهم (لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون) ونسب هذا الفعل إلى الشيطان لحمله لهم عليه وأشاعوا ذلك وأذاعوه وأن النبي صلى الله عليه وسلم قاله فحزن لذلك من كذبهم وافترائهم عليه فسلاه الله تعالى بقوله (وما أرسلنا من قبلك) الآية، وبين للناس الحق من ذلك من الباطل وحفظ القرآن وأحكم آياته ودفع ما لبس به العدو كما ضمنه تعالى من قوله (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) ومن
ذلك ما روى من قصة يونس عليه السلام أنه وعد قومه العذاب عن ربه فلما تابوا كشف عنهم العذاب فقال لا أرجع إليهم كذابا أبدا فذهب مغاضبا.
فاعلم أكرمك الله أن ليس في خبر من الأخبار الواردة في هذا الباب أن يونس عليه السلام قال لهم أن الله مهلكهم وإنما فيه أنه دعا عليهم بالهلاك، والدعاء ليس بخبر يطلب صدقة من كذبه، لكنه قال لهم إن العذاب مصبحكم وقت كذا وكذا فكان ذلك كما قال ثم رفع الله تعالى عنهم العذاب وتداركهم، قال الله تعالى (إلا قوم يونس لما آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزى) الآية وروى في الأخبار أنهم رأوا دلائل العذاب ومخايله، قاله ابن مسعود، وقال سعيد بن جبير غشاهم العذاب كما يغشى الثوب القبر.

_________________
يارب بالــمــصـطــفى بــلـغ مـقـاصــدنا --- واغفر لنا ما مضى يا واسع الكرم

واغفر إلهى لكل المسلمين بما --- يتلون فى المسجد الأقصى وفى الحرم

بجاه من بيته فى طيبة حرم --- واسمه قسم من أعظم القسم


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: يجب على المكلف إعتقاد عصمة الانبياء عليهم الصلاة والسلام
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأربعاء مارس 11, 2015 10:55 pm 
غير متصل
Site Admin

اشترك في: الاثنين فبراير 16, 2004 6:05 pm
مشاركات: 23647

الفاضل النووي:

مواضيعك دائما ميزة ولها خاصية وشخصية عالية

وأنا دائما أرقبها

وفيها مشاركات ثرية ثرية وإن لم ينتبه لها الأحباب

فجزاك الله خيرا على هذا المجهود

بارك الله فيك

_________________
عَنْ عَلِيٍّ قَالَ كُنَّا إِذَا احْمَرَّ الْبَأْسُ وَلَقِيَ الْقَوْمُ الْقَوْمَ اتَّقَيْنَا بِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَمَا يَكُونُ مِنَّا أَحَدٌ أَدْنَى إِلَى الْعَدُوِّ مِنْهُ


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: يجب على المكلف إعتقاد عصمة الانبياء عليهم الصلاة والسلام
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأربعاء مارس 11, 2015 11:07 pm 
غير متصل

اشترك في: السبت أكتوبر 08, 2011 9:22 pm
مشاركات: 2955
msobieh كتب:

الفاضل النووي:

مواضيعك دائما ميزة ولها خاصية وشخصية عالية

وأنا دائما أرقبها

وفيها مشاركات ثرية ثرية وإن لم ينتبه لها الأحباب

فجزاك الله خيرا على هذا المجهود

بارك الله فيك


سيدي الشريف أخجلتموني :oops: :oops: :oops:

لا أدري ما أقوله

دائما سيدي تجبروا بخاطرنا لا حرمنا الله من فضيلتكم حفظكم الله

وإن كان هناك خير فهو يرجع لفضيلتكم

حضرتكم من علمتمونا وأخذتم بأيدينا لا حرمنا الله من حضرتكم

ولي عظيم الشرف إن حضرتك ترقب شئ أكتبه

جبر الله بخاطركم وحفظكم ونصركم وأيد بكم وقر عين المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم بحضرتكم

وجزاكم الله كل الخير



_________________
يارب بالــمــصـطــفى بــلـغ مـقـاصــدنا --- واغفر لنا ما مضى يا واسع الكرم

واغفر إلهى لكل المسلمين بما --- يتلون فى المسجد الأقصى وفى الحرم

بجاه من بيته فى طيبة حرم --- واسمه قسم من أعظم القسم


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: يجب على المكلف إعتقاد عصمة الانبياء عليهم الصلاة والسلام
مشاركة غير مقروءةمرسل: الخميس مارس 12, 2015 9:51 am 
غير متصل

اشترك في: السبت أكتوبر 08, 2011 9:22 pm
مشاركات: 2955
تابع كتاب الشفا بتعريف حقوق المصطفى

فإن قلت فما معنى ما روى أن عبد الله بن أبى سرح كان يكتب لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثم ارتد مشركا وصار إلى قريش فقال لهم إنى كنت أصرف محمدا حيث أريد كان يملى على عزيز حكيم فأقول أو عليم حكيم ؟ فيقول نعم كل صواب، وفى حديث آخر فيقول له النبي صلى الله عليه وسلم (اكتب كذا) فيقول أكتب كذا: فيقول: (أكتب كيف شئت) ويقول اكتب عليما حكيما فيقول أكتب سميعا بصيرا ؟ فيقول له اكتب كيف شئت، وفى الصحيح عن أنس رضى الله عنه أن نصرانيا كان يكتب للنبى صلى الله عليه وسلم بعد ما أسلم ثم ارتد وكان يقول ما يدرى محمد إلا ما كتبت له: اعلم ثبتنا الله وإياك على الحق ولا جعل للشيطان وتلبيسه الحق بالباطل إلينا سبيلا أن مثل هذه الحكاة أولا لا توقع في قلب مؤمن ريبا إذ هي حكاية عمن ارتد وكفر بالله ونحن لا نقبل خبر المسلم المتهم فكيف بكافر افترى هو ومثله على الله ورسوله ما هو أعظم من هذا ؟ والعجب لسليم العقل يشغل بمثل هذه الحكاية سره وقد صدرت من عدو كافر مبغض للدين مفتر على الله ورسوله ولم يرد على أحد من السملمين ولا ذكر أحد من الصحابة أنه شاهد ما قاله وافتراه على نبى الله وإنما يفترى الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله وأولئك هم الكاذبون، وما وقع من ذكرها في حديث أنس رضى الله عنه وظاهر حكايتها فليس فيه ما يدل على أنه شاهدها ولعله حكى ما سمع وقد علل البزاز حديثه ذلك وقال: رواه ثابت عنه ولم يتابع عليه، ورواه حميد عن أنس قال وأظن حميدا إنما سمعه من ثابت، قال القاضى أبو الفضل وفقه الله ولهذا والله أعلم لم يخرج أهل الصحيح حديث ثابت ولا حميد والحصحيح حديث عبد الله بن عزيز بن رفيع عن أنس رضى الله عنه الذى خرجه أهل الصحة وذكرناه وليس فيه عن أنس قول شئ من ذلك من قبل نفسه إلا من حكايته عن المرتد النصراني ولو كانت صحيحة لما كان فيها قدح ولا توهيم للنبى صلى الله عليه وسلم فيما أوحى إليه ولا جواز للنسيان والغلط عليه والتحريف فيما بلغه ولا طعن في نظم القرآن وأن من عند الله إذ ليس فيه لو صح أكثر من أن الكاتب قال له عليم حكيم أو كتبه فقال له النبي صلى الله عليه وسلم كذلك هو فسبقه لسانه أو قلمه لكلمة أو كلمتين مما نزل على الرسول قبل إظهار الرسول لها إذ كان ما تقدم مما أملأه الرسول يدل عليها ويقتضى وقوعها بقوة قدرة الكاتب على الكلام ومعرفته به وجودة حسه
وفطنته كما يتفق ذلك للعارف إذا سمع البيت أن يسبق إلى قافيته أو مبتدإ الكلام الحسن إلى ما يتم به ولا يتفق ذلك في جملة الكلام كما لا يتفق ذلك في آية ولا سورة، وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم إن صح كل صواب فقد يكون هذا فيما فيه من مقاطع الآى وجهان وقراءتان أنزلنا جميعا على النبي صلى الله عليه وسلم فأملى إحداهما وتوصل الكاتب بفطنته ومعرفته بمقتضى الكلام إلى الأخرى فذكرها للنبى صلى الله عليه وسلم فصوبها له النبي صلى الله عليه وسلم ثم أحكم الله من ذلك ما أحكم ونسخ ما نسخ كما قد وجد ذلك في بعض مقاطيع الآى مثله قوله تعالى: (إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم) وهذه قراءة الجمهور وقد قرأ جماعة فإنك أنت الغفور الرحيم وليست من المصحف وكذلك كلمات جاءت على وجهين في غير المقاطع قرأ بهما معا الجمهور وثبتتا في المصحف مثل (وانظر إلى العظام كيف ننشرها، وننشزها - - ويقضى اللحق، ويقص الحق) وكل هذا لا يوجب ريبا ولا يسبب للنبى صلى الله عليه وسلم غلطا ولا وهما وقد قيل إن هذا يحتمل أن يكون فيما يكتبه عن النبي صلى الله عليه وسلم إلى الناس غير القرآن فيصف الله ويسميه في ذلك كيف شاء.

هذا القول فيما طريقه البلاغ وأما ما ليس سبيله سبيل البلاغ من الأخبار التى لا مستند لها إلى الأحكام ولا أخبار المعاد ولا تضاف إلى وحى بل في أمور الدنيا وأحوال نفسه فالذي يجب تنزيه النبي صلى الله عليه وسلم عن أن يقع خبره في شئ من ذلك بخلاف مخبره لا عمدا ولا سهوا ولا غلطا وأنه معصوم من ذلك في حال رضاه وفى حال سخطه وجده ومزحه وصحته ومرضه ودليل ذلك اتفاق السلف وإجماعهم عليه وذلك أنا نعلم من دين الصحابة وعادتهم مبادرتهم إلى تصديق جميع أحواله وللثقة بجميع أخباره في أي باب كانت وعن أي شئ وقعت وأنه لم يكن لهم توقف ولا تردد في شئ منها ولا استثبات عن حاله عند ذلك هل وقع فيها سهو أم لا، ولما احتج ابن أبى الحقيق اليهودي على عمر حين أجلاهم من خيبر بإقرار رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم واحتج عليه عمر رضى الله عنه بقوله صلى الله عليه وسلم: (كيف بك إذا أخرجت من خيبر ؟) فقال اليهودي كانت هزيلة من أبى القاسم فقال له عمر كذبت يا عدو الله وأيضا فإن أخباره وآثاره وسيره وشمائله معتنى بها مستقصى تفاصيلها ولم يرد في شئ منها استدراكه صلى الله عليه وسلم لغلط في قول قاله أو اعترافه بوهم في شئ أخبر به ولو كان ذلك لنقل كما نقل من قصته عليه السلام رجوعه صلى الله عليه وسلم عما أشار به على الأنصار في تلقيح النخل وكان ذلك رأيا لا خبرا وغير ذلك من الأمور التى ليست من هذا الباب كقوله والله لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيرا منها إلا فعلت الذى حلفت عليه وكفرت عن يمينى، وقوله إنكم تختصمون إلى - الحديث - وقوله اسق يا زبير حتى يبلغ الماء الجدر كما سنبين كل ما في هذا من مشكل ما في هذا الباب والذى بعده إن شاء الله مع أشباههما وأيضا فإن الكذب متى عرف من أحد في شئ من الأخبار بخلاف ما هو على أي وجه كان استريب بخبره واتهم في حديثه ولم يقع قوله في النفوس موقعا ولهذا ترك المحدثون والعلماء الحديث عمن عرف بالوهم والغفلة وسوء الحفظ وكثرة الغلط مع ثقته وأيضا فإن تعمد الكذب في أمور الدنيا معصية والإكثار منه كبيرة بإجماع مسقط للمروءة وكل هذا مما ينزه عنه منصب النبوة والمرة الواحدة منه فيما يستبشع ويستشنع مما يخل بصاحبها ويزري بقائلها لا حقة بذلك وأما فيما لا يقع هذا الموقع فإن عددناها من الصغائر فهل تجرى على حكمها في الخلاف فيها مختلف فيه والصواب تنزيه النبوة عن قليله وكثيره وسهوه وعمده إذ عمدة النبوة البلاغ والإعلام والتبيين وتصديق ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم وتجويز شئ من هذا قادح في ذلك ومشكك فيه مناقض للمعجزة فلنقطع عن يقين بأنه لا يجوز على الأنبياء خلف في القول في وجه من الوجوه لا بقصد ولا بغير قصد ولا نتسامح مع من تسامح في تجوز ذلك عليهم حال السهو فيما ليس طريقه البلاغ، نعم وبأنه لا يجوز عليهم الكذب قبل النبوة ولا الاتسام به في أمورهم وأحوال دنياهم لأن ذلك كان يزرى ويريب بهم وينفر القلوب عن تصديقهم بعد وانظر أحوال عصر النبي صلى الله عليه وسلم من قريش وغيرها من الأمم وسؤالهم عن حاله في صدق لسانه وما عرفوا به من ذلك واعترفوا به مما عرف وإتفق النقل على عصمة نبينا صلى الله عليه وسلم منه قبل وبعد وقد ذكرنا من الآثار فيه في الباب الثاني أول الكتاب ما يبين لك صحة ما أشرنا إليه

_________________
يارب بالــمــصـطــفى بــلـغ مـقـاصــدنا --- واغفر لنا ما مضى يا واسع الكرم

واغفر إلهى لكل المسلمين بما --- يتلون فى المسجد الأقصى وفى الحرم

بجاه من بيته فى طيبة حرم --- واسمه قسم من أعظم القسم


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: يجب على المكلف إعتقاد عصمة الانبياء عليهم الصلاة والسلام
مشاركة غير مقروءةمرسل: الخميس مارس 12, 2015 9:55 am 
غير متصل

اشترك في: السبت أكتوبر 08, 2011 9:22 pm
مشاركات: 2955

فإن قلت فما معنى قوله صلى الله عليه وسلم في حديث السهو الذى حدثنا به الفقيه أبو إسحاق إبراهيم بن جعفر حدثنا القاضى أبو الأصبغ ابن سهل حدثنا حاتم بن محمد حدثنا أبو عبد الله بن الفخار حدثنا أبو عيسى حدثنا عبيد الله نا يحيى عن داود بن الحصين عن أبى سفيان مولى ابن أبى أحمد أنه قال سمعت أبا هريرة رضى الله عنه يقول صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة العصر فسلم في ركعتين فقام ذو اليدين فقال يا رسول الله أقصرت الصلاة أم نسيت ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كل ذلك لم يكن وفى الرواية الأخرى ما قصرت الصلاة وما نسيت - الحديث بقصته - فأخبر بنفى الحالتين وأنها لم تكن وقد كان أحد ذلك كما قال ذو اليدين قد كان بعض ذلك يا رسول الله، فاعلم وفقنا الله وإياك أن للعلماء في ذلك أجوبة بعضها بصدد الإنصاف ومنها ما هو بنية التعسف والاعتساف وها أنا أقول أما على القول بتجويز الوهم والغلط مما ليس طريقه من القول البلاغ وهو الذى زيفناه من القولين فلا اعتراض بهذا الحديث وشبهه وأما على مذهب من يمنع السهو والنسيان في أفعاله جملة ويرى أنه في مثل هذا عامد لصورة النسيان ليسن فهو
صادق في خبره لأنه لم ينس ولا قصرت ولكنه على هذا القول تعمد هذا الفعل في هذه الصورة ليسنه لمن اعتراه مثله وهو قول مرغوب عنه نذكره في موضعه وأما على إحالة السهو عليه في الأقوال وتجويز السهو عليه فيما ليس طريقه القول كما سنذكره ففيه أجوبة منها أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر عن اعتقاده وضميره أما إنكار القصر فحق وصدق باطنا وظاهرا وأما النسيان فأخبر صلى الله عليه وسلم عن اعتقاده وأنه لم ينس في ظنه فكأنه قصد الخبر بهذا عن ظنه وأن لم ينطق به وهذا صدق أيضا

ووجه ثان أن قوله ولم أنس راجع إلى السلام أي أنى سلمت قصدا وسهوت عن العدد أي لم أسه في نفس السلام وهذا محتمل وفيه بعد ووجه ثالث وهو أبعدها ما ذهب إليه بعضهم وإن احتمله اللفظ من قوله كل ذلك لم يكن أي لم يجتمع القصر والنسيان بل كان أحدهما ومفهوم اللفظ خلافة مع الرواية الأخرى الصحيحة وهو قوله ما قصرت الصلاة وما نسيت، هذا ما رأيت فيه لأئمتنا وكل من هذه الوجوه محتمل للفظ على بعد بعضها وتعسف الآخر منها، قال القاضى أبو الفضل وفقه الله والذى أقول ويظهر لى أنه أقرب من هذه الوجوه كلها أن قوله لم أنس إنكار للفظ الذى نفاه عن نفسه وأنكره على غيره بقوله: بئسما
لأحدكم أن يقول نسيت آية كذا وكذا ولكنه نسى، وبقوله في بعض روايات الحديث الآخر لست أنسى ولكن أنسى فلما قال له السائل أقصرت الصلاة أم نسيت أنكر قصرها كما كان ونسيانه هو من قبل نفسه وأنه إن كان جرى شئ من ذلك فقد نسى حتى سأل غير فتحقق أنه نسى وأجرى عليه ذلك ليسن فقوله على هذا لم أنس ولم تقصر وكل ذلك لم يكن صدق وحق لم تقصر ولم ينس حقيقة ولكنه نسى * ووجه آخر استثرته من كلام بعض المشايخ وذلك أنه قال إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسهو ولا ينسى ولذلك نفى عن نفسه النسيان قال لأن النسيان غفلة وآفة والسهو إنما هو شغل.
قال فكان النبي صلى الله عليه وسلم يسهو في صلاته ولا يغفل عنها وكان يشغله عن حركات الصلاة ما في الصلاة شغلا بها لا غفلة عنها فهذا إن تحقق على هذا المعنى لم يكن في قوله (ما قصرت وما نسيت) خلف في قول وعند أن قوله: (ما قصرت الصلاة وما نسيت) بمعنى الترك الذى هو أحد وجهى النسيان أراد والله أعلم أنى لم أسلم من ركعتين تاركا لإكمال الصلاة ولكني نسيت ولم يكن ذلك من تلقاء نفسي والدليل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح إنى لأنسى أو أنسى، لأسن.
وأما قصة كلمات إبراهيم المذكورة أنها كذباته الثلاث المنصوصة في القرآن منها اثنتان قوله: (إنى سقيم - بل فعله كبيرهم هذا) وقوله للملك عن زوجته: إنها أختى: فاعلم أكرمك الله أن هذه كلها خارجة عن الكذب لا في القصد ولا في
غيره وهى داخلة في باب المعاريض التى فيها مندوحة عن الكذب أما قوله: (إنى سقيم) فقال الحسن وغيره معناه: سأسقم أي: أن كل مخلوق معرض لذلك فاعتذر لقومه من الخروج معهم إلى عيدهم بهذا وقيل بل سقيم بما قدر على من الموت وقيل سقيم القلب بما أشاهده من كفركم وعنادكم وقيل بل كانت الحمى تأخذه عند طلوع نجم معلوم فلما رآه اعتذر بعادته وكل هذا ليس فيه كذب بل خبر صحيح صدق وقيل: بل عرض بسقم حجته عليهم وضعف ما أراد بيانه لهم من جهة النجوم التى كانوا يشتغلون بها وأنه أثناء نظره في ذلك وقبل استقامة حجته عليهم في حال سقم ومرض مع أنه لم يشك هو ولا ضعف إيمانه ولكنه ضعف في استدلاله عليهم وسقم نظره كمال يقا حجة سقيمة ونظر معلول حتى ألهمه الله باستدلاله وصحة حجته عليهم بالكواكب والشمس والقمر ما نصه الله تعالى وقدمنا بيانه وأما قوله: (بل فعله كبيرهم هذا) الآية فإنه علق خبره بشرط نطقه كأنه قال إن كان ينطق فهو
فعله على طريق التبكيت لقومه وهذا صدق أيضا ولا خلف فيه، وأما قوله أختى فقد بين في الحديث وقال: فإنك أختى في الإسلام وهو صدق والله تعالى يقول: (إنما المؤمنون إخوة) فإن قلت: فهذا النبي صلى الله عليه وسلم قد سماها كذبات وقال لم يكذب إبراهيم إلا ثلاث كذبات وقال في حديث الشفاعة ويذكر كذباته فمعناه أنه لم يتكلم بكلام صورته صورة الكذب وإن كان حقا في الباطن إلا هذه الكلام ولما كان مفهوم ظاهرها خلاف باطنها أشفق إبراهيم عليه السلام بمؤاخذته بها وأما الحديث كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد غزوة ورى بغيرها فليس فيه خلف في القول إنما هو ستر مقصده لئلا يأخذ عدوه حذره وكتم وجه ذهابه بذكر السؤال عن موضع آخر والبحث عن أخباره والتعريض بذكره لا أنه يقول تجهزوا إلى غزوة كذا أو وجهتنا إلى موضع كذا خلاف مقصده فهذا لم يكن والأول ليس فيه خبر يدخله الخلف.


_________________
يارب بالــمــصـطــفى بــلـغ مـقـاصــدنا --- واغفر لنا ما مضى يا واسع الكرم

واغفر إلهى لكل المسلمين بما --- يتلون فى المسجد الأقصى وفى الحرم

بجاه من بيته فى طيبة حرم --- واسمه قسم من أعظم القسم


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: يجب على المكلف إعتقاد عصمة الانبياء عليهم الصلاة والسلام
مشاركة غير مقروءةمرسل: الخميس مارس 12, 2015 9:57 am 
غير متصل

اشترك في: السبت أكتوبر 08, 2011 9:22 pm
مشاركات: 2955

فإن قلت فما معنى قوله موسى عليه السلام، وقد سئل أي الناس أعلم ؟ فقال أنا أعلم فتعب الله عليه ذلك إذ لم يرد العلم إليه - الحديث - وفيه قال بل عبد لنا بمجمع البحرين أعلم منك وهذا
خبر قد أنبأ الله أنه ليس كذلك فاعلم أنه وقع في هذا الحديث من بعض طرقه الصحيحة عن ابن عباس هل تعلم أحدا أعلم منك ؟ فإذا كان جوابه على علمه فهو خبر حق وصدق لا خلف فيه ولا شبهة، وعلى الطريق الآخر فمحمله على ظنه ومعتقده كما لو صرح به لأن حاله في النبوة والاصطفاء يقتضى ذلك فيكون إخباره بذلك أيضا عن اعتقاده وحسبانه صدقا لا خلف فيه وقد يريد بقوله أنا أعلم بما يقتضيه وظائف النبوة من علوم التوحيد وأمور الشريعة وسياسة الأمة ويكون الخضر أعلم منه بأمور أخر مما لا يعلمه أحد إلا بإعلام الله من علوم غيبه كالقصص المذكورة في خبرهما فكان موسى عليه السلام أعلم على الجملة بما تقدم وهذا أعلم على الخصوص بما أعلم ويدل عليه قوله تعالى: (وعلمناه من لدنا علما) وعتب الله ذلك عليه فيما قاله العلماء إنكار هذا القول عليه لأنه لم يرد العلم إليه كما قالت الملائكة لا علم لنا إلا ما علمتنا أو لأنه لم يرض قوله شرعا وذلك والله أعلم لئلا يقتدى به فيه من لم يبلغ كماله في تزكية نفسه وعلو درجته من أمته فيهلك لما تضمنه من مدح الإنسان نفسه

ويروثه ذلك من الكبر والعجب والتعاطي والدعوى وإن نزه عن هذه الرذائل الأنبياء فغيرهم بمدرجة سبيلها ودرك ليلها إلا من عصمه الله فالتحفظ منها أولى لنفسه وليقتدى به، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم تحفظا من مثل هذا مما قد علم به (أنا سيد ولد آدم ولا فخر) وهذا الحديث إحدى حججا لقائلين بنبوة الخضر لقوله فيه أنا أعلم من موسى ولا يكون الولى أعلم من النبي صلى الله عليه وسلم، وأما الأنبياء فيتفاضلون في المعارف وبقوله وما فعلته عن أمرى، فدل أنه بوحى،
ومن قال إنه ليس بنبى قال يحتمل أن يكون فعله بأمر نبى آخر، وهذا يضعف لأنه ما علما أنه كان في زمن موسى نبى غيره إلا أخاه هارون وما نقل أحد من أهل الأخبار في ذلك شيئا يعول عليه، وإذا جعلنا أعلم منك ليس على العموم وإنما هو على الخصوص وفى قضايا معينة لم يحتج إلى إثبات النبوة خضر، ولهذا قال بعض الشيوخ كان موسى اعلم من الخضر فيما أخذ عن الله والخضر أعلم فيما دفع إليه من موسى، وقال آخر أنما ألجئ موسى إلى الخضر للتأديب لا للتعليم
وأما ما يتعلق بالجوارح من الأعمال ولا يخرج من جملتها القول باللسان
فيما عدا الخبر الذى وقع فيه الكلام ولا الاعتقاد بالقلب فيما عدا التوحيد وما قدمناه من معارفه المختصة به فأجمع المسلمون على عصمة الأنبياء من الفواحش والكبائر الموبقات ومستند الجمهور في ذلك الإجماع الذى ذكرناه وهو مذهب القاضى أبو بكر ومنعها غيره بدليل العقل مع الإجماع وهو قول الكافة، واختار الأستاذ أبو إسحاق وكذلك لا خلاف أنهم معصومون من كتمان الرسالة والتقصير في التبليغ، لأن كل ذلك يقتضى العصمة منه المعجزة مع الإجماع على ذلك من الكافة، والجمهور قائل بأنهم معصومون من ذلك من قبل الله معتصمون باختيارهم وكسبهم إلا حسينا النجار فإنه قال لا قدر لهم على المعاصي أصلا، وأما الصغائر فجوزها جماعة من السلف وغيرهم على الأنبياء وهو مذهب أبى جعفر الطبري وغيره من الفقهاء والمحدثين والمتكلمين، وسنورد بعد هذا ما احتجوا به، وذهبت طائفة أخرى إلى الوقف وقالوا العقل لا يحيل وقوعها منهم ولم يأت في الشرع قاطع بأحد الوجهين، وذهبت طائفة أخرى من المحققين من الفقهاء والمتكلمين إلى عصمتهم من الصغائر كعصمتهم من الكبائر، قالوا: لاختلاف الناس في الصغائر وتعيينها من الكبائر، وإشكال ذلك وقول ابن عباس وغيره إن كل ما عصى الله به فهو كبيرة وأنه إنما سمى منها الصغير بالإضافة إلى ما هو أكبر منه ومخالفة الباري في أي أمر كان يجب كونه كبيرة، قال القاضى أبو محمد عبد الوهاب لا يمكن أن يقال إن في معاصي الله صغيرة إلا على معنى أنها تغتفر باجتناب الكبائر ولا يكون لها حكم مع ذلك بخلاف الكبائر إذا لم يتب منها فلا يحبطها شئ والمشيئة في العفو عنها إلى الله تعالى وهو قول القاضى أبى بكر وجماعة أئمة الأشعرية وكثير من أئمة الفقهاء، وقال بعض أئمتنا: ولا يجب على القولين أن يختلف أنهم معصومون عن تكرار الصغائر وكثرتها إذ يلحقها ذلك بالكبائر ولا في صغيرة أدت إلى إزالة الحشمة وأسقطت المروؤة وأوجبت الإزراء والخساسة، فهذا أيضا مما يعصم عنه الأنبياء إجماعا، لأن مثل هذا يحط منصب المتسيم به ويزري بصاحبه وينفر القلوب عنه والأنبياء منزهون عن ذلك، بل يلحق بهذا ما كان من قبيل المباح فأدى إلى مثله لخروجه بما أدى إليه عن اسم المباح إلى الحظر، وقد ذهب بعضهم إلى عصمتهم من مواقعة المكروه قصدا، وقد استدل بعض الأئمة على عصمتهم من الصغائر بالمصير إلى امتثال أفعالهم واتباع آثارهم وسيرهم مطلقا، وجمهور الفقهاء على ذلك من أصحاب مالك والشافعي وأبى حنيفة من غير التزام قرينة بل مطلقا عند بعضهم وإن اختلفوا في حكم ذلك، وحكى ابن خويز منداذ وأبو الفرج عن مالك التزام ذلك وجوبا وهو قول الأبهري وابن القصار وأكثر أصحابنا وقول أكثر أهل العراق وابن سريج والإصطخري وابن خيران من الشافعية وأكثر الشافعية على أن ذلك ندب، وذهبت طائفة إلى الإباحة.
وقيد بعضهم الاتباع فيما كان من الأمور الدينية وعلم به مقصد القربة ومن قال بالإباحة في أفعاله لم يقبد قال فلو جوزنا عليهم الصغائر لم يمكن الاقتداء بهم في أفعالهم، إذ ليس كل فعل من أفعاله يتميز مقصد به من القربة أو الإباحة أو الحظر أو المعصية، ولا يصح أو يؤمر المرء بامتثال أمر لعله معصية لا سيما على من يرى من الأصوليين تقديم الفعل على القول إذا تعارضا، ونزيد هذا حجة بأن نقول من جوز الصغائر ومن نفاها عن نبينا صلى الله عليه وسلم مجمعون على أنه لا يقر على منكر من قول أو فعل وأنه متى رأى شيئا فسكت عنه صلى الله عليه وسلم دل على جوازه فكيف يكون هذا حاله في حق غيرهن ثم يجوز وقوعه منه في نفسه وعلى هذا المأخذ تجب عصمته من مواقعة المكروه كما قيل وإذ الحظر أو الندب على الاقتداء بفعله ينافى الزجر والنهى عن فعل المكروه، وأيضا فقد علم من دين الصحابة قطعا الاقتداء بأفعال النبي صلى الله عليه وسلم كيف توجهت وفى كل ؟ ؟ كالاقتداء بأمواله فقد نبذوا خواتيمهم حين نبذ خاتمه، وخلعوا نعالهم حين خلع واحتجاجهم برؤية ابن عمر إياه جالسا لقضاء حاجته مستقبلا بيت المقدس واحتج غير واحد منهم في غير شئ مما بابه العبادة أو العادة بقوله رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله وقال: (هلا خبرتيها أنى أقبل وأنا صائم) وقالت عائشة محتجة: (كنت أفعله أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم وغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم على الذى أخبر بمثل هذا عنه
فقال يحل الله لرسوله ما يشاء وقال: (إنى لاخشاكم لله وأعلمكم بحدوده) والآثار في هذا أعظم من أن نحيط بها لكنه يعلم من مجموعها على القطع اتباعهم أفعاله واقتداؤهم بها ولو جوزوا عليه المخالفة في شئ منها لما اتسق هذا وليقل عنهم وظهر بحثهم عن ذلك ولما أنكر صلى الله عليه وسلم على الآخر قوله واعتذاره بما ذكرناه، وأما المباحات فجائز وقوعها منم إذ ليس فيها قدح بل هي مأذون فيها وأيديهم كأيدي غيرهم مسلمة عليها إلا أنهم بما خصوا به من رفيع المنزلة وشرحت لهم صدورهم من أنوار المعرفة واصطفوا به من تعلق بالهم بالله والدار الآخرة لا يأخذون من المباحات إلا الضرورات مما يتقون به على سلوك طريقهم وصلاح دينهم وضرورة دنياهم وما أخذ على هذه السبيل التحقق طاعة وصار قربة كما بينا منه أول الكتاب طرفا في خصال نبينا صلى الله عليه وسلم، فبان لك عظيم فضل الله على نبينا وعلى سائر أنيبائه عليهم السلام بأن جعل أفعالهم قربات وطاعات بعيدة عن وجه المخالفة ورسم المعصية.

_________________
يارب بالــمــصـطــفى بــلـغ مـقـاصــدنا --- واغفر لنا ما مضى يا واسع الكرم

واغفر إلهى لكل المسلمين بما --- يتلون فى المسجد الأقصى وفى الحرم

بجاه من بيته فى طيبة حرم --- واسمه قسم من أعظم القسم


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: يجب على المكلف إعتقاد عصمة الانبياء عليهم الصلاة والسلام
مشاركة غير مقروءةمرسل: الخميس مارس 12, 2015 10:00 am 
غير متصل

اشترك في: السبت أكتوبر 08, 2011 9:22 pm
مشاركات: 2955

فصل وقد اختلف في عصمتهم من المعاصي قبل النبوة فمنعها قوم وجوزها آخرون والصحيح إن شاء الله تنزيههم من كل عيب وعصمتهم من كل ما يوجب الريب فكيف والمسألة تصورها كالممتنع فإن المعاصي والنواهي إنما تكون بعد تقرر الشرع وقد اختلف الناس في حال نبينا صلى الله عليه وسلم قبل أن يوحى إليه هل كان متبعا لشرع قبله أم لا ؟

فقال جماعة لم يكن متبعا لشئ وهذا قول الجمهور فالمعاصي على هذا القول غير موجودة ولا معتبرة في حقه حينئذ إذ الأحكام الشرعية إنما تتعلق بالأوامر والنواهي وتقرر الشريعة ثم احتلفت حجج القائلين بهذه المقالة عليها فذهب سيف السنة ومقتدى فرق الأمة القاضى أبو بكر إلى أن طريق العلم بذلك النقل وموارد الخبر من طريق السمع وحجته أنه لو كان ذلك لنقل ولما أمكن كتمه وستره في العادة إذ كان من مهم أمره وأولى ما اهتبل به من سيرته ولفخر به أهل تلك الشريعة ولا احتجوا به عليه ولم يؤثر شئ من ذلك جملة، وذهبت طائفة إلى امتناع ذلك
عقلا قالوا: لأنه يبعد أن يكون متبوعا من عرفا تابعا، وبنوا هذا على التحسين والتقبيح وهى طريفة غير سديدة واستناد ذلك إلى النقل كما تقدم للقاضى أبى بكر أولى وأظهر، وقالت فرقة أخرى بالوقف في أمره صلى الله عليه وسلم وترك قطع الحكم عليه بشئ في ذلك إذ لم يحل الوجهين منها العقل ولا استبان عندها في أحدهما طريق النقل وهو مذهب أبى المعالى، وقالت فرقة ثالثة إنه كان عاملا بشرع من قبله، ثم اختلوا هل يتعين ذلك الشرع أم لا فوقف بعضهم عن تعيينه وأحجم وجسر بعضهم على التعيين وصمم، ثم اختلفت هذه المعينة فيمن كان يتبع فقيل نوح وقيل إبراهيم وقيل موسى وقيل عيسى صلوات الله عليهم، فهذه جملة المذاهب في هذه المسألة والأظهر فيها ما ذهب إليه القاضى أبو بكر وأبعدها مذاهب المعينين إذ لو كان شئ من ذلك لنقل كما قدمناه ولم يخف جملة ولا حجة لهم في أن عيسى آخر الأنبياء فلزمت شريعته من جاء بعدها إذ لم يثبت عموم دعوة عيسى بل الصحيح أنه لم

يكن لنبى دعوة عامة إلا لنبيا صلى الله عليه وسلم، ولا حجة أيضا للآخر في قوله (أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا) ولا للآخرين في قوله تعالى (شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا) فمحمل هذه الآية على اتباعهم في التوحيد كقوله تعالى (أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده) وقد سمى الله تعالى فيهم من لم يبعث ولم تكن له شريعة تخصه كيوسف ابن يعقوب على قول من يقول إنه ليس برسول وقد سمى الله تعالى جماعة منهم في هذه الآية شرائعهم مختلفة لا يمكن الجمع بينها، فدل أن المراد ما اجتمعوا عليه من التوحيد وعبادة الله تعالى وبعد هذا فهل يلزم من قال
بمنع الاتباع هذا القول في سائر الأنبياء غير نبينا صلى الله عليه وسلم أو يخالفون بينهم أما من منع الاتباع عقلا فيطرد أصله في كل رسول بلا مرية وأما من مال إلى النقل فأينما تصور له وتقرر اتبعه، ومن قال بالوقف فعلى أصله، ومن قال بوجوب الاتباع لمن قبله يلتزمه بمساق حجته في كل نبى فصل هذا حكم ما تكون المخالفة فيه من الأعمال عن قصد وهو ما يسمى معصية ويدخل تحت التكلف، وأما ما يكون بغير قصد وتعمد كالسهو والنسيان في الوظائف الشرعية مما تقرر الشرع بعدم تعلق الخطاب به وترك المؤاخذة عليه فأحوال الأنبياء في ترك المؤاخذة به وكونه ليس بمعصية لهم مع أممهم سواء ثم ذلك على نوعين ما طريقه البلاغ وتقرير الشرع وتعلق الأحكام وتعليم الأمة بالفعل وأخذهم باتباعه فيه وما هو خارج عن هذا مما يختص بنفسه، أما الأول فحكمه عند جماعة من العلماء حكم السهو في القول في هذا الباب، وقد ذكرنا الاتفاق على امتناع ذلك في حق النبي صلى الله عليه وسلم وعصمته من جوازه عليه قصدا أو سهوا، فكذلك قالوا الأفعال في هذا الباب لا يجوز طرو المخالفة فيها لا عمدا ولا سهوا لأنها بمعنى القول من جهة التبليغ والأداء وطرو هذه العوارض عليها يوجب التشكيك ويسبب المطاعن، واعتذوا عن أحاديث السهو بتوجيهات نذكرها بعد هذا وإلى هذا مال أبو إسحاق، وذهب الأكثر من الفقهاء والمتكلمين إلى أن المخالفة في الأفعال البلاغية والأحكام الشرعية سهوا وعن غير قصد منه جائز عليه كما تفرر من أحاديث السهو في
الصلاة وترقوا بين ذلك وبين الأقوال البلاغية لقيام المعجزة على الصدق في القول ومخالفة ذلك تناقضها وأما السهو في الأفعال فغير مناقص لها ولا قادح في النبوة بل غلطات الفعل وعفلات القلب من سمات البشر كما قال صلى الله عليه وسلم (إنما أنا بشر أنسى كما تنسون فإذا نسيت فذكروني) نعم بل حالة النسيان والسهو هنا في حقه صلى الله عليه وسلم سبب إفادة علم وتقرير شرع كما قال صلى الله عليه وسلم (إنى لأنسى أو أنسى لأسن) بل قد روى (لست أنسى ولكن أنسى لأسن) وهذه الحالة زيادة له في التبليغ وتمام عليه في النعمة بعيدة عن سمات النقص وأغراض الطعن فإن القائلين بتجويز ذلك يشترطون أن الرسل لا تقر على السهو والغلط بل ينبهون عليه ويعرفون حكمه بالفور على قول بعضهم وهو الصحيح وقبل انقراضهم على قول الآخرين وأما ما ليس طريقه البلاغ ولا بيان الأحكام من أفعاله صلى الله عليه وسلم وما يختص به من أمور دينه وأذكار قلبه مما لم يفعله ليتبع فيه فالأكثر من طبقات علماء الأمة على جواز السهو والغلط عليه فيها ولحوق الفترات والغفلات بقلبه وذلك بما كلفه من مقاساة الخلق وسياسات الأمة ومعاناة الأهلي وملاحظة الأعداء ولكن ليس على سبيل التكرار ولا الاتصال بل على سبيل الندور كما قال صلى الله عليه وسلم (إنه ليغان على قلبى فأستغفر الله) وليس في هذا شئ يحط من رتبته ويناقض معجزته وذهبت طائفة إلى منع السهو والنسيان والغفلات والفترات في حقه صلى الله عليه وسلم جملة وهو مذهب جماعة المتصوفة وأصحاب علم القلوب والمقامات ولهم في هذه الأحاديث مذاهب نذكرها بعد هذا إن شاء الله.
فصل في الكلام على الأحاديث المذكور فيها السهو منه صلى الله عليه وسلم وقد قدمنا في الفصول قبل هذا ما يجوز فيه عليه السهو صلى الله عليه وسلم وما يمتنع وأحلناه في الأخبار جملة، وفى الأقوال الدينية قطعا، وأجزنا وقوعه في الأفعال الدينية على الوجه الذى رتبناه وأشرنا إلى ما ورد في ذلك ونحن نبسط القول فيه الصحيح من الأحاديث الواردة في سهوه صلى الله عليه وسلم في الصلاة ثلاثة أحاديث: أولها حديث ذى اليدين في السلام من اثنتين، الثاني حديث ابن بحينة في القام من اثنتين،
الثالث حديث ابن مسعود رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الظهر خمسا، وهذه الأحاديث مبنية على السهو في الفعل الذى قررناه، وحكمة الله فيه ليستن به إذ البلاغ بالفعل أجلى منه بالقول وأرفع للاحتمال وشرطه أنه لا يقر على السهو بل يشعر به ليرتفع الالتباس وتظهر فائدة الحكمة كما قدمناه وأن النسيان والسهو في الفعل في حقه صلى الله عليه وسلم غير مضاد للمعجزة ولا قادح في التصديق، وقد قال صلى الله عليه وسلم (إنما أنا بشر أنسى كما تنسون فإذا نسيت فذكروني) وقال (رحم الله فلانا لقد اذكرني كذا وكذا آية كنت أسقطهن - ويروى - أنسيتهن) وقال صلى الله عليه وسلم (إنى لأنسى أو أنسى لأسن) قيل هذا اللفظ شك من الراوى وقد روى (إنى لا أنسى ولكن أنسى لأسن) وذهب ابن نافع وعيسى بن دينار أنه ليس بشك وأن معناه التقسيم أي: أنسى أنا أو ينسيني الله، قال القاضى أبو الوليد الباجى يحتمل ما قالاه أن يريد أنى أنسى في اليقظة وأنسى في النوم أو أنسى على سبيل عادة البشر من الذهول عن الشئ والسهو أو أنسى مع إقبالي عليه وتفرغى له فأضاف أحد النسيانين إلى نفسه إذ كان له بعض السبب فيه ونفى الآخر عن نفسه إذ هو فيه كالمضطر، وذهبت طائفة من أصحاب المعاني والكلام على الحديث إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسهو في الصلاة ولا ينسى لأن النسيان ذهول وغفلة وآفة قال والنبى صلى الله عليه وسلم منزه عنها والسهو شغل فكان صلى الله عليه وسلم يسهو في صلاته ويشغله عن حركات الصلاة ما في الصلاة شغلا
بها لا غفلة عنها واحتج بقوله في الرواية الأخرى إنى لا أنسى، وذهبت طائفة إلى منع هذا كله عنه وقالوا: إن سهوه عليه السلام كان عمدا وقصدا ليسن وهذا قول مرغوب عنه متناقض المقاصد لا يحلى منه بطائل لأنه كيف يكون متعمدا ساهيا في حال ولا حجة لهم في قولهم إنه أمر بتعمد صورة النسيان ليسن لقوله: (إنى لأنسى أو أنسى) وقد أثبت أحد الوصفين ونفى مناقضة التعمد والقصد وقال (إنما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون) وقد مال إلى.
هذا عظيم من المحققين من أئمتنا وهو أبو المظفر الاسفرائنى ولم يرتضه غيره منهم ولا أرتضيه ولا حجة لهاتين الطائفتين في قوله (إنى لا أنسى ولكن أنسى) إذ ليس فيه نفى حكم النسيان بالجملة وإنما فيه نفى لفظه وكراهة لقبله كقوله
(بئسما لأحدكم أن يقول نسيت آية كذا ولكنه نسى) أو نفى الغفلة وقلة الاهتمام بأمر الصلاة عن قلبه لكن شغل بها عنها ونسى بعضها ببعضها كما ترك الصلاة يوم الخندق حتى خرج وقتها وشغل بالتحرز من العدو عنها فشغل بطاعة عن طاعة وقيل إن الذى ترك يوم الخندق أربع صلوات، الظهر، والعصر، والمغرب، والعشاء، وبه احتج من ذهب إلى جواز تأخير الصلاة في الخوف إذا لم يتمكن من أدائها إلى وقت الأمن وهو مذهب الشاميين والصحيح أن حكم صلاة الخوف كان بعد هذا فهو ناسخ له.
فإن قلت فما تقول في نومه صلى الله عليه وسلم عن الصلاة يوم الوادي وقد قال: (إن عينى تنامان ولا ينام قلبى): فاعلم أن للعلماء عن ذلك أجوبة منها أن المراد بأن هذا حكم قلبه عند نومه وعينيه في غافل الأوقات وقد يندر منه غير ذلك كما يندر من غيره خلاف عادته ويصحح هذا التأويل قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث نفسه (إن الله قبض أرواحنا) وقول بلال فيه: ما ألقيت على ؟ ومة مثلها قط، ولكن مثل هذا إنما يكون منه لأمر يريده الله من إثبات حكم وتأسيس سنة وإظهار شرع، وكما قال في الحديث الآخر لو شاء الله لأيقظنا ولكن أراد أن يكون لمن بعدكم، الثاني أن قلبه لا يستغرقه النوم حتى يكون منه الحدث فيما لما روى أنه كان محروسا وأنه كان ينام حتى ينفخ وحتى يسمع غطيطه ثم يصلى ولا يتوضأ وحديث ابن عباس المذكور فيه وضوءه عند قيامه من النوم فيه نومه مع أهله فلا يمكن الاحتجاج به على وضوئه بمجرد النوم إذ لعل ذلك لملامة الأهل أو لحدث آخر فكيف
وفى آخر الحديث نفسه ثم نام حتى سمعت غطيطه ثم أقيمت الصلاة فصلى ولم يتوضأ وقيل لا ينام قلبه من أجل أنه يوحى إليه في النوم وليس في قصة الوادي إلا نوم عينيه عن رؤية الشمس وليس هذا من فعل القلب وقد قال صلى الله عليه وسلم: إن الله قبض أرواحا ولو شاء لردها إلينا في حين غير هذا.
فإن قيل فلولا عادته من استغراق النوم لما قال لبلال اكلأ لنا الصبح، فقيل في الجواب إنه كان من شأنه صلى الله عليه وسلم التغليس بالصبح ومراعاة أول الفجر لا تصح ممن نامت عينه إذ هو ظاهر يدرك بالجوارح الظاهرة فوكل بلالا بمراعاة أوله ليعلمه بذلك كما لو شغل بشغل غير النوم عن مراعاته.
فإن قيل فما معنى نهيه صلى الله عليه وسلم عن القول نسيت وقد قال صلى الله عليه وسلم (إنى أنسى كما تنسون فإذا نسيت فذكروني) وقال (لقد أذكرني كذا وكذا آية كنت أنسيتها) فاعلم أكرمك الله أنه لا تعارض في هذه الألفاظ، أما نهيه عن أن يقال نسيت آية كذا فمحمول على ما نسخ نقله من القرآن أي أن العفلة في هذا لم تكن منه ولكن الله تعالى اضطره إليها ليمحو ما يشاء ويثبت وما كان من سهو أو غفلة من قبله تذكرها صلح أن يقال في أنس يوقد قيل إن هذا منه صلى الله عليه وسلم على طريق الاستحباب أن يضيف الفعل إلى خالقه والآخر على طريق الجواز لاكتساب العبد فيه وإسقاطه صلى الله عليه وسلم لما أسقط من هذه الآيات جائز عليه بعد بلاغ ما أمر ببلاغة وتوصيله إلى عباده ثم يستذكرها من أمته أو من قبل نفسه إلا ما قضى الله نسخه ومحوه من
القلوب وترك استذكاره، وقد يجوز أن ينسى النبي صلى الله عليه وسلم ما هذا سبيله كرة ويجوز أن ينسيه منه قبل البلاغ ما لا يغير نظما ولا يخلط حكما مما لا يدخل خللا في الخبر ثم يذكره إياه ويستحيل دوام نسيانه له لحفظ الله كتابه وتكليفه بلاغه.

_________________
يارب بالــمــصـطــفى بــلـغ مـقـاصــدنا --- واغفر لنا ما مضى يا واسع الكرم

واغفر إلهى لكل المسلمين بما --- يتلون فى المسجد الأقصى وفى الحرم

بجاه من بيته فى طيبة حرم --- واسمه قسم من أعظم القسم


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: يجب على المكلف إعتقاد عصمة الانبياء عليهم الصلاة والسلام
مشاركة غير مقروءةمرسل: الخميس مارس 12, 2015 10:02 am 
غير متصل

اشترك في: السبت أكتوبر 08, 2011 9:22 pm
مشاركات: 2955


فصل في الرد على من أجاز عليهم الصغائر والكلام على ما احتجوا به في ذلك اعلم أن المجوزين للصغائر على الأنبياء من الفقهاء والمحدثين ومن شايعهم على ذلك من المتكلمين احتجوا على ذلك بظواهر كثيرة من القرآن والحديث إن التزموا ظواهرها أفضت بهم إلى تجويز الكبائر وخرق الإجماع وما لا يقول به مسلم فكيف وكل ما احتجوا به مما اختلف المفسرون في معناه وتقابلت الاحتمالات في مقتضاه وجاءت أقاويل فيها للسلف بخلاف ما التزموه من ذلك فإذا لم يكن مذهبهم إجماعا وكان الخلاف فيما احتجوا به قديما وقامت الدلالة على خطإ قولهم وصحة غيره وجب تركه والمصير إلى ما صح وها نحن نأخذ في النظر فيها إن شاء الله، فمن ذلك قوله تعالى لنبينا صلى الله عليه وسلم (ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر)، وقوله (فاستغفر لذنبك والمؤمنين والمؤمنات) وقوله (ووضعنا عنك وزرك الذى أنقض ظهرك) وقوله (عفا الله عنك لم أذنت لهم) وقوله (لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم) وقوله (عبس وتولى أن جاءه الأعمى) الآية وما قص من قصص غيره من الأنبياء كقوله (وعصى آدم ربه فغوى) وقوله (فلما آتاهما صالحا جعلا له شركاء) الآية وقوله عنه (ربنا ظلمنا أنفسنا) الآية وقوله عن يونس (سبحانك إنى كنت من الظالمين) وما ذكره من قصة داود، وقوله (وظن داود أنما فتاه فاستغفر ربه وخر راكعا وأناب) إلى قوله (مآب) وقوله (ولقد همت به وهم بها) وما قص من قصته مع إخوته، وقوله عن موسى (فوكزه موسى فقضى عليه قال هذا من عمل الشيطان) وقول النبي صلى القله عليه وسلم في دعائه (اللهم اغفر لى ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت) ونحوه من أدعيته صلى الله عليه وسلم
وذكر الأنبياء في الموقف ذنوبهم في حديث الشفاعة، وقوله (إنه ليغان على قلبى فاستغفر الله) وفى حديث أبى هريرة (إنى لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة) وقوله تعالى عن نوح (وإلا تغفر لى وترحمني) الآية، وقد كان قال الله له (ولا تخاطبي في الذين ظلموا إنهم مغرقون) وقال عن إبراهيم (والذى أطمع أن يغفر لى خطيئتي يوم الدين) وقوله عن موسى (تبت إليك) وقوله (ولقد فتنا سليمان) إلى ما أشبه هذه الظواهر، فأما احتجاجهم يقوله (ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر) فهذا قد اختلف فيه المفسرون، فقيل المراد ما كان قبل النبوة وبعدها، وقيل المراد ما وقع لك من ذنب وما لم يقع أعلمه أنه مغفور له، وقيل المتقدم ما كان قبل النبوة والمتأخر عصمتك بعدها، حكاه أحمد بن نصر، وقيل المراد بذلك أمته صلى الله عليه وسلم وقيل المراد ما كان عن سهو وغفلة وتأويل، حكاه الطبري واختاره
القشيرى، وقيل ما تقدم لأبيك آدم وما تأخر من ذنوب أمتك، حكاه السمرقندى والسلمى عن ابن عطاء وبمثله والذى قبله يتأول قوله: (واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات) قال مكى مخاطبة النبي صلى الله عليه وسلم ههنا هي مخالطبة لأمته، وقيل إن النبي صلى الله عليه وسلم لما أمر أن يقول (وما أدرى ما يفعل بى ولا بكم) سر بذلك الكفار فأنزل الله تعالى (ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر) الآية وبمال المؤمنين في الآية الأخرى بعدها، قاله ابن عباس، فمقصد الآية أنك مغفور لك غير مؤاخذ بذنب أن لو كان، قال بعضهم: المغفرة ههنا تبرئة من العيوب، وأما قوله (ووضعنا عنك وزرك الذى أنقض ظهرك)
فقيل ما سلف من ذنبك قبل النبوة وهو قول ابن زيد والحسن ومعنى قول قتادة، وقيل معناه أنه حفظ قبل نبوته منها وعصم، ولولا ذلك لأثقلت ظهره، حكى معناه السمرقندى، وقيل المراد بذلك ما أثقل ظهره من أعباء الرسالة حتى بلغها) حكاه الماوردى والسلمى، وقيل حططنا عنك ثقل أيام الجاهلية، حكاه مكى، وقيل ثقل شغل سرك وحيرتك وطلب شريعتك حتى شرعنا ذلك لك، حكى معناه القشيرى، وقيل معناه خففنا عليك ما حملت بحفظنا لما استحفظت وحفظى عليك، ومعنى أنقض ظهرك أي كاد ينقصه فيكون المعنى على من جعل ذلك لم قبل النبوة اهتمام النبي صلى الله عليه وسلم بأمور فعلها قبل النبوة وحرمت عليه بعد النبوة فعدها أوزارا وثقلت عليه وأشفق منها، أو يكون الوضع عصمة الله له وكفايته من ذنوب لو كانت لأنفضت ظهره، أو يكون من ثقل الرسالة أو ما ثقل عليه وشغل قلبه من أمور الجاهلية وإعلام الله تعالى له
بحفظ ما استحفظيه من وحيه، وأما قوله (عفا الله عنك لم أذنت لهم) فأمر لم يتقدم للنبى صلى الله عليه وسلم فيه من الله تعالى نهى فيعد معصية ولا عده الله تعالى عليه معصية بل لم يعده أهل العلم معاتبة، وغلطوا من ذهب إلى ذلك، قال نفطويه وقد حاشاه الله تعالى من ذلك بل كان مخيرا في أمرين قالوا وقد كان له أن يفعل ما شاء فيما لم ينزل عليه فيه وحى فكيف وقد قال الله تعالى (فأذن لمن شئت منهم) فلما أذن لهم أعلمه الله بما لم يطلع عليه من سرهم أنه لو لم يأذن لهم لقعدوا وأنه لا حرج عليه فيما فعل وليس (عفا) ههنا بمعنى غفر بل كما قال النبي صلى الله عليه وسلم) عفا الله لكم عن صدقة الخيل والرقيق) ولم تجب عليهم قط أي لم يلزمكم ذلك، ونحوه للقشيرى، قال: وإنما يقول العفو لا يكون إلا عن ذنب: من لم يعرف كلام العرب، قال ومعنى عفا الله عنك أي لم يلزمك ذنبا، قال الداودى: روى أنها كانت تكرمة، قال مكى هو استفحتاح كلام مثل أصلحك الله وأعزك، وحكى السمرقندى أن معناه عافاك الله، وأما قوله في أسارى بد (ما كان لنبى أن يكون له أسرى) الآيتين فليس فيه إلزام ذنب للنبى صلى الله عليه وسلم بل فيه بيان ما خص به وفضل من بين سائر الأنبياء فكأنه قال ما كان هذا لنبى غيرك كما قال صلى الله عليه وسلم (أحلت لى الغنائم ولم تحل لنبى قبلى) فإن قيل فما معنى قوله تعالى: (تريدون عرض الدنيا) الآية، قيل معنى: الخطاب لمن أراد ذلك منهم وتجرد غرضه لغرض الدنيا وحده والاستكثار منها وليس المراد بهذا النبي صلى الله عليه ولم ولا علية أصحابه، بل قد روى عن الضحاك أنها نزلت حين انهزم المشركون يوم
بدر واشتغل الناس بالسلب وجمع الغنائم عن القتال حتى خشى عمر أن يعطف عليهم العدو ثم قال تعالى: (لولا كتاب من الله سبق) فاختلف المفسرون في معنى الآية فقيل: معناها لولا أنه سبق منى أن لا أعذب أحدا إلا بعد النهى لعذبتكم، فهذا ينفى أن يكون أمر الأسرى معصية، وقيل المعنى: لولا إيمانكم بالقرآن وهو الكتاب السابق فاستوجبتم به الصفح لعوقبتم على الغنائم، ويزاد هذا القول تفسيرا
وبيانا بأن يقال لولا ما كنتم مؤمنين بالقرآن وكنتم ممن أحلت لهم الغنائم لعوقبتم كما عوقب من تعدى، وقيل: لولا أنه سبق في اللوح المحفوظ أنها حلال لكم لعوقبتم، فهذا كله ينفى الذنب والمعصية لأن من فعل ما أحل له لم يعص، قال الله تعالى: (فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا) وقيل: بل كان صلى الله عليه وسلم قد خير في ذلك، وقد روى عن على رضى الله عنه قال جاء جبريل عليه السلام إلى النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر فقال خير أصحابك في الأسارى إن شاؤا القتل وإن شاؤا الفداء على أن يقتل منهم في العام المقبل مثلهم، فقالوا الفداء ويقتل منا، وهذا دليل على صحة ما قلنا وأنهم لم يفعلوا إلا ما أذن لهم فيه لكن بعضهم مال إلى أضعف الوجهين مما كان الأصلح غيره من الإثخان والقتل فعونبوا على ذلك وبين لهم ضعف اختيارهم وتصويب اختيار غيرهم وكلهم غير عصاة ولا مذنبين وإلى نحو هذا أشار الطبري، وقوله صلى الله عليه وسلم في هذه القضية
(لو نزل من السماء عذاب ما نجا منه إلا عمر) إشارة إلى هذا من تصويب رأيه ورأى من أخذ بمأخذه في إعزاز الدين وإظهار كلمته وإبادة عدوه وأن هذه القضية لو استوجبت عذابا نجا منه عمر وعين عمر لأنه أول من أشار بقتلهم ولكن الله لم يقدر عليهم في ذلك عذابا لحله لهم فيما سبق، وقال الداودى والخبر بهذا لا يثبت، ولو ثبت لما جاز أن يظن أن النبي صلى الله عليه وسلم حكم بما لا نص فيه ولا دليل من نص ولا جعل الأمر فيه إليه وقد نزهه الله تعالى عن ذلك، وقال القاضى بكر بن العلاء أخبر الله تعالى نبه في هذه الآية أن تأويله وافق ما كتبه له من إحلال
الغنائم والفداء وقد كان قبل هذا فادوا في سرية عبد الله بن جحش التى قتل فيها ابن الحضرمي بالحكم بن كيسان وصاحبه فما عتب الله عليهم وذلك قبل بدر بأزيد من عام، فهذا كله يدل على أن فعل النبي صلى الله عليه وسلم في شأن الأسرى كان على تأويل وبصيرة وعلى ما تقدم قبل مثله فلم ينكره الله تعالى عليهم لكن الله تعالى أراد لعظم أمر بدر وكثرة أسراها والله أعلم إظهار نعمته وتأكيد منته بتعريفهم ما كتبه في اللوح المحفوظ من حل ذلك لهم لا على وجه عتاب وإنكار وتذنيب، هذا معنى كلامه، وأما قوله (عبس وتولى) الآيات فليس فيه إثبات ذنب له صلى الله عليه وسلم بل إعلام الله أن ذلك المتصدي له ممن لا يتزكى وأن الصواب والأولى كان لو كشف لك حال الرجلين الإقبال على الأعمى وفعل النبي صلى الله عليه وسلم لما فعل وتصديه لذاك الكافر كان طاعة لله وتبليغا عنه واستئلافا له كما شرعه الله له لا معصية ومخالفة له وما قصة الله عليه من ذلك إعلام بحال الرجلين وتوهين أمر الكافر
عنده والإشارة إلى الإعراض عنه بقوله وما عليك ألا يزكى وقيل أراد بعبس وتولى الكافر الذى كان مع النبي صلى الله عليه وسلم قاله أبو تمام * وأما قصة آدم عليه السلام وقوله تعالى (فأكلا منها) بعد قوله (ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين) وقوله (ألم أنهكما عن تلكما الشجرة)
وتصريحه تعالى عليه بالمعصية بقوله تعالى (وعصى آدم ربه فغوى) أي جهل وقيل أخطأ فإن الله تعالى قد أخبر بعذره بقوله (ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسى ولم نجد له عزما) قال ابن زيد نسى عداوة إبليس له وما عهد الله إليه من ذلك بقوله (إن هذا عدو لك لزومك) الآية، قيل نسى ذلك بما أظهر لهما، وقال ابن عباس إنما سمى الإنسان إنسانا لأنه عهد إليه فنسى وقيل لم يقصد المخالفة استحلالا لها ولكنهما اغترا بحلف إبليس لهما (إنى لكما لمن الناصحين) توهما ان أحدا لا يحلف بالله حانثا وقد روى عذر آدم بمثل هذا في بعض الآثار، وقال ابن جبير حلف بالله لهما حتى غرهما والمؤمن يخدع وقد قيل نسى ولم ينو المخالفة فلذلك قال (ولم نجد له عزما) أي قصدا للمخالفة وأكثر المفسرين على أن العزم هنا الحزم والصبر وقيل كان عند أكله سكران وهذا فيه ضعف لأن الله تعالى وصف خمر الجنة أنها لا تسكر فإذا كان ناسيا لم تكن معصية وكذلك إن كان ملبسا عليه غالطا إذ الاتفاق على خروج الناسي والساهى عن حكم
التكليف، وقال الشيخ أبو بكر بن فورك وغيره إنه يمكن أن يكون ذلك قبل النبوة ودليل ذلك قوله (وعصى آدم ربه فغوى ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى) فذكر أن الاجتباء والهداية كان بعد العصيان وقيل بل أكلها متأولا وهو لا يعلم أنها الشجرة التى نهى عنها لأنه تأول نهى الله عن شجرة مخصوصة لا على الجنس، ولهذا قيل إنما كانت التوبة من ترك التحفظ لا من المخالفة، وقيل تأول أن الله لم ينهه عنها نهى تحريم.

_________________
يارب بالــمــصـطــفى بــلـغ مـقـاصــدنا --- واغفر لنا ما مضى يا واسع الكرم

واغفر إلهى لكل المسلمين بما --- يتلون فى المسجد الأقصى وفى الحرم

بجاه من بيته فى طيبة حرم --- واسمه قسم من أعظم القسم


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: يجب على المكلف إعتقاد عصمة الانبياء عليهم الصلاة والسلام
مشاركة غير مقروءةمرسل: الخميس مارس 12, 2015 2:07 pm 
غير متصل

اشترك في: السبت أكتوبر 08, 2011 9:22 pm
مشاركات: 2955

تابع كتاب الشفا

فإن قيل فعلى كل حال فقد قال الله تعالى (وعصى آدم ربه فغوى، وقال: فتاب عليه وهدى) وقوله في حديث الشفاعة ويذكر ذنبه وإنى نهيت عن أكل الشجرة فعصيت: فسيأتي الجواب عنه وعن أشباهه مجملا آخر الفصل إن شاء الله، وأما قصة يونس فقد مضى الكلام على بعضها آنفا وليس في قصة يونس نص على ذنب وإنما فيها ابق وذهب مغاضبا وقد تكلمنا عليه، وقيل إنما نقم الله عليه خروجه عن قومه فارا من نزول العذاب، وقيل بل لما وعدهم العذاب ثم عفا الله عنهم قال: والله لا ألقاهم بوجه كذاب أبدا وقيل بل كانوا يقتلون من كذب فخاف ذلك، وقيل ضعف عن حمل أعباء الرسالة.
وقد تقدم الكلام أنه لم يكذبهم، وهذا كله ليس فيه نص عليه معصية إلا على قوله مرغوب عنه وقوله (أبق إلى الفلك المشحون) قال المفسرون تباعد، وأما قوله (إنى كنت من الظالمين) فاظلم وضع الشئ في غير موضعه فهذا اعتراف منه عند بعضهم بذنبه فإما أن يكون لخروجه عن قومه بغير إذن ربه أو لضعفه عما حمله أو لدعائه بالعذاب على قومه، وقد دعا نوح بهلاك قومه فلم يؤاخذ، وقال الواسطي في معناه نزه ربه عن الظلم وأضاف الظلم إلى نفسه اعترافا واستحقاقا ومثل هذا قول آدم وحواء (ربنا ظلمنا أنفسنا) إذ كانا السبب في وضعهما في غير الموضع الذى أنزلا فيه وإخراجهما من الجنة وإنزالهما إلى الأرض * وأما قصة داود عليه السلام فلا يجب أن يلتفت إلى ما سطره فيه الأخباريون عن أهل الكتاب الذين بدلوا وغيروا ونقله بعض المفسرين ولم ينص الله على شئ من ذلك ولا ورد في حديث صحيح والذى نص الله عليه قوله: (وظن داود أنما فتناه) إلى قوله: (وحسن مآب) وقوله في أواب فمعنى
فتناه اخبرناه وأواب قال قتادة مطيع وهذا التفسير أولى، قال ابن عباس وابن مسعود: ما زاد داود على أن قال للرجل انزل لى عن امرأتك واكفلنيها فعاتبه الله على ذلك ونبهه عليه وأنكر عليه شغله بالدنيا وهذا الذى ينبغى أن يعول عليه من أمره وقيل خطبها على خطبته، وقيل بل أخب بقلبه أن يستشهد، وحكى السمرقندى أن ذنبه الذى استغفر منه قوله لأحد الخصمين لقد ظلمك فظلمه بقول خصمه، وقيل بل لما خشى على نفسه وظن من الفتنة بما بسط له من الملك والدنيا، ولى نفى ما أضيف في الأخبار إلى داود ذهب أحمد بن نصر وأبو تمام وغيرهما من المحققين، قال الداودى: ليس في قصة داود وأوريا خبر يثبت ولا يظن بنبى محبة قتل مسلم وقيل إن الخصمين اللذين اختصما إليه رجلان في نتاج غنم على ظاهر الآية * وأما قصة يوسف وإخوته فليس على يوسف منها تعقب وأما إخوته فلم تثبت نبوتهم فيلزم الكلام على أفعالهم وذكر الأسباط وعدهم في القرآن عند ذكر الأنبياء، قال المفسرون
يريد من نبى من أبناء الأسباط وقد قيل إنهم كانوا حين فعلوا بيوسف ما فعلوه صغار الأسنان ولهذا لم يميزوا يوسف حين اجتمعوا به ولهذا قالوا أرسله معنا غدا نرتع ونلعب وإن ثبتت لهم نبوة فبعد هذا والله أعلم، وأما قول الله تعالى فيه (ولقد همت به وهم بها لولا أن رأى برهان ربه) فعلى مذهب كثير من الفقهاء والمحدثين أنهم النفس لا يؤاخذ به وليس سيئة لقوله صلى الله عليه وسلم عن ربه (إذ هم عبدى بسيئة فلم يعملها كتبت له حسنة) فلا معصية في همه إذا وأما على مذهب المحققين من الفقهاء والمتكلمين فإن الهم إذا وظنت عليه النفس سيئة وأما ما لم توطن عليه النفس من همومها وخواطرها فهو المعفو عنه وهذا هو الحق فيكون إن شاء الله هم يوسف من هذا ويكون قوله (وما أبرى نفسي) الآية أي ما أبرئها من هذا الهم أو يكون ذلك منه على طرق التواضع والاعتراف بمخالفة النفس لما زكى قبل وبرى فكيف وقد حكى أبو حاتم عن أبى عبيدة أن يوسف لم يهم وأن الكلام فيه تقديم وتأخير أي ولقد همت به ولولا أن رأى برهان ربه لهم بها وقد قال الله تبارك وتعالى عن المرأة (ولقد راودته عن نفسه فاستعصم) وقال تعالى (كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء) وقال تعالى (وغلقت الأبواب وقالت هيت لك قال معاذ الله إنى ربى أحسن مثواى) الآية قيل في ربى الله وقيل الملك وقيل هم بها أي بزجرها ووعظها وقيل هم بها أي غمها امتناعه عنها وقيل هم بها نظر إليها وقيل هم بضربها دفعها وقيل هذا كله كان قبل نبوته، وقد ذكر بعضهم ما زال النساء يملن إلى يوسف ميل شهوة حتى نبأه الله فألقى عليه هيبة النبوة فشغلت هيبته كل من رآه عن حسنه * وأما خبر موسى صلى الله عليه وسلم مع قتيله الذى وكزه وقد نص الله تعالى أنه من عدوه وقيل كان من القبط الذين على دين فرعون ودليل السورة في هذا كله أنه قبل نبوة موسى، وقال قتادة وكزه بالعصا ولم يتعمد قتله فعلى هذا لا معصية في ذلك، وقوله هذا من عمل الشطان وقوله ظلمت نفسي فاغفر لى قال ابن جريج قال ذلك من أجل أنه لا ينبغى لنبى أن يقتل حتى يؤمر، وقال النقاش: لم يقتله عن عمد مريدا للقتل وإنما وكزه وكزة يريد بها دفع ظلمه قال وقد قيل إن هذا كان قبل النبوة وهو مقتضى للتلاوة وقوله تعالى في قصته (وفتناك فتنا) أي ابتليناك ابتلاء بعد ابتلاء قيل في هذه القصة وما جرى له مع فرعون وقيل إلماؤه في التابوت واليم وغير ذلك وقيل معناه أخلصناك إخلاصا قاله ابن جبير ومجاهد من قولهم فتنت الفضة في النار إذا خلصتها وأصل الفتنة معنى الاحتبار وإظهار ما بطن إلا أنه استعمل في عرف الشرع وفى اختبار أدى إلى ما يكره وكذلك ما روى في الخبر الصحيح من أن ملك الموت جاءه فلطم عينه ففقأها (الحديث) ليس فيه ما يحكم على موسى عليه السلام بالتعدي وفعل ما لا يجب إذ هو ظاهر الأمر بين الوجه جائز الفعل لأن موسى دافع عن نفسه من أتاه لإتلافها وقد تصور له في صورة آدمى ولا يمكن أنه علم حينئذ أنه ملك الموت فدافعه عن نفسه مدافعة أدت إلى ذهاب عين تلك الصورة التى تصور له فيها الملك امتحانا من الله فلما جاءه بعد وأعلمه الله تعالى أنه رسوله إليه استسلم،
وللمتقدمين والمتأخرين على هذا الحديث أجوبة هذا أسدها عندي وهو تأويل شيخنا الإمام أبى عبد الله المازرى وقد تأوله قديما ابن عائشة وغيره على صكه ولطمه بالحجة وفق ء عين حجته وهو كلام مستعمل في هذا الباب في اللغة ومعروف * وأما قصة سليمان وما حكى فيها أهل التفاسير من ذنبه وقوله ولقد فتنا سليمان فمعناه ابتليناه وابتلاؤه ما حكى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لأطوفن الليلة على مائة امرأة أو تسع وتسعين كلهن يأتين بفارس يجاهد في سبيل الله) فقال له صاحبه: قل إن شاء الله فلم يقل.
فلم تحمل منهن إلا واحدة جاءت بشق رجل قال النبي صلى الله عليه وسلم: (والذى نفسي بيده لو قال إن شاء الله لجاهدوا في سبيل الله) قال أصحاب المعاني: والشق هو الجسد الذى ألقى على كرسيه حين عرض عليه وهى عقوبته ومحنته وقيل بل مات فألقى على كرسيه ميتا، وقيل ذنبه حرصه على ذلك وتمنيه، وقيل لأنه لم يستثن لما استغرقة من الحرص وغلب عليه من التمنى وقيل عقوبته إن سلب ملكه وذنبه أن أحب بقلبه أن يكون الحق لأختانه على خصمهم وقيل أوخذ بذنب قارفه بعض نسائه ولا يصح ما نقله الأخباريون من تشبه الشيطان به وتسلطه على ملكه وتصرفه في أمته بالجور في حكمه لأن الشياطين لا يسلطون على مثل هذا، وقد عصم الأنبياء من مثله، وإن سئل لم لم يقل سليمان في القصة المذكورة إن شاء الله ؟ فعنه أجوبة أحدها ما روى في الحديث الصحيح أنه نسى أن يقولها وذلك ليفذ مراد الله، والثانى أنه لم يسمع صاحبه وشغل عنه وقوله (وهب لى ملكا لا ينبغى لأحد من بعدى) لم يفعل هذا سليمان غيرة على الدنيا ولا نقاسة بها ولكن مقصده في ذلك على ما ذكره المفسرون أن لا يسلط عليه أحد كما سلط عليه الشيطان الذى سلبه إياه مسدة امتحانه على قوله من قال ذلك.
وقيل بل أراد أن يكون له من الله فضيلة وخاصة يختص بها كاختصاص غيره من أنبياء الله ورسله بخواص منه، وقيل ليكون دليلا وحجة على نبوته كإلابة الحديد لأبيه وإحياء الموتى لعيسى واختصاص محمد صلى الله عليه وسلم بالشفاعة ونحو هذا * وأما قصة نوح عليه السلام

فظاهرة العذر وأنه أخذ فيها بالتأويل وظاهر اللفظ لقوله تعالى وأهلك، فطلب مقتضى هذا اللفظ وأراد علم ما طوى عنه من ذلك لا أنه شك في وعد الله فبين الله عليه أنه ليس من أهله الذين وعده بنجاتهم لكفره وعمله الذى هو غير صالح وقد أعلمه أنه مغرق الذين ظلموا ونهاه عن مخاطبته فيهم فووخذ بهذا التأويل وعتب عليه وأشفق هو من إقدامه على ربه لسؤاله ما لم يؤذن له في السؤال فيه وكان نوح فيما حكاه النقاش لا يعلم بكفر ابنه وقيل في الآية غير هذا وكل هذا لا يقضى على نوح بمعصية سوى ما ذكرناه من تأويله وإقدامه بالسؤال فيمن لم يؤذن له فيه ولا نهى عنه، وما روى في الصحيح من أن نبيا قرصته نملة فحرق قرية النمل فأوحى الله إليه: (أن قرصتك نملة أحرقت أمة من الأمم تسبح) فليس في هذا الحديث أن هذا الذى أتى معصية بل فعل ما رآه مصلحة وصوابا بقتل من يؤذى جنسه ويمنع المنفعة بما أباح الله، ألا ترى أن هذا النبي كان نازلا تحت الشجرة فلما آذته النملة تحول برحله عنها مخافة تكرار الأذى عليه وليس فيما أوحى الله إليه ما يوجب عليه معصية بل ندبه إلى احتمال الصبر وترك التشفي كما قال تعالى: (ولئن صبرتم لهو خير للصابرين) إذ ظاهر فعله إنما كان لأجل أنها آذته هو في خاصته فكان نتقاما لنفسه وقطع مضرة يتوقعها من بقية النمل هناك ولم يأت في كل هذا أمرا نهى عنه فيعصى به ولا نص فيها أوحى الله إليه بذلك ولا بالتوبة والاستغفار منه والله أعلم
فإن قيل فما معنى قوله عليه السلام ما من أحد إلا ألم بذنب أو كاد إلا يحيى ابن زكريا أو كما قال عليه السلام ؟ فالجواب عنه كما تقدم من ذنوب الأنبياء التى وقعت عن غير قصد وعن سهو وغفلة

_________________
يارب بالــمــصـطــفى بــلـغ مـقـاصــدنا --- واغفر لنا ما مضى يا واسع الكرم

واغفر إلهى لكل المسلمين بما --- يتلون فى المسجد الأقصى وفى الحرم

بجاه من بيته فى طيبة حرم --- واسمه قسم من أعظم القسم


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: يجب على المكلف إعتقاد عصمة الانبياء عليهم الصلاة والسلام
مشاركة غير مقروءةمرسل: الخميس مارس 12, 2015 2:10 pm 
غير متصل

اشترك في: السبت أكتوبر 08, 2011 9:22 pm
مشاركات: 2955
فصل فإن قلت فإذا نفيت عنهم صلوات الله عليهم الذنوب والمعاصي بما ذكرته من اختلاف المفسرين وتأويل المحققين فما معنى قوله تعالى: (وعصى آدم ربه فغوى) وما تكرر في القرآن والحديث الصحيح من اعتراف الأنبياء بذنوبهم وتوبتهنم واستغفارهم وبكائهم على ما سلف منهم وإشفاقهم وهل يشفق ويتاب ويستغفر من لا شئ ؟ فاعلم وفقنا الله وإياك أن درجة الأنبياء في الرفعة والعلو والمعرفة بالله وسنته في عباده وعظم سلطانه وقوة بطشه مما يحملهم على الخوف منه جل جلاله والإشفاق من المؤاخذة بما لا يؤاخذ به غيرهم وأنهم في تصرفهم بأمور لم ينهوا عنها ولا أمروا بها ثم ووخذوا عليها وعوتبوا بسببها وحذروا من المؤاخذة بها وأتوها على وجه التأويل أو السهو أو تزيد من أمور الدنيا المباحة خائفون وجلون وهى ذنوب بالإضافة إلى على منصبهم ومعاص بالنسبة إلى كمال طاعتهم لا أنها كذنوب غيرهم ومعاصيهم فإن الذنب مأخوذ من الشئ الدنى الرذل ومنه ذنب كل شئ أي آخره وأذناب الناس رذالهم فكان هذه أدنى أفعالهم وأسوأ ما يجرى من أحوالهم لتطهيرهم وتنزيههم وعمارة بواطنهم وظواهرهم بالعمل الصالح والكلم الطيب والذكر الظاهر والخفى والخشية لله وإعظامه في السر والعلانية وغيرهم يتلوث من الكبائر والقبائح والفواحش ما تكون بالإضافة إلى هذه الهنات في حقه كالحسنات كما قيل حسنات الأبرار سيئات المقربين أي يرونها بالإضافة إلى على أحوالهم كالسيئات وكذلك العصيان الترك والمخالفة فعلى مقتضى اللفظة كيفما كانت من سهو أو تأويل فهى مخالفة وترك وقوله غوى أي جهل أن تلك الشجرة هي التى نهى عنها والغى الجهل وقيل أخطأ ما طلب من الخلود إذ أكلها وخابت أمنيته وهذا يوسف عليه السلام قد ووخذ بقوله لأحد صاحبي السجن (اذكرني عند ربك فأنساه الشيطان ذكر ربه فلبث في السجن بضع سنين) قيل أنسى يوسف ذكر الله، وقيل أنسى صاحبه أن يذكره لسيده الملك، قال النبي صلى الله عليه وسلم (لولا كلمة يوسف ما لبث في السجن ما لبث) قال ابن دينار: لما قال ذلك يوسف قيل له اتخذت من دوني وكيلا لأطيلن حبسك، فقال: يا رب أنسى قلبى كثرة البلوى، وقال بعضهم: يؤاخذ الأنبياء بمثاقيل الذر لمكانتهم عنده ويجاوز عن سائر الخلق لقلة
مبالاته بهم في أضعاف ما أتوا به من سوء الأدب وقد قال المحتج للفرقة
الأولى على سياق ما قلناه إذا كان الأنبياء يؤاخذون بهذا مما لا يؤاخذ به غيرهم من السهو والنسيان وما ذكرته وحالهم أرفع فحالهم إذا في هذا أسوأ حالا من غيرهم، فاعلم أكرمك الله أنا لا نثبت لك المؤاخذة في هذا على حد مؤاخذة غيرهم، بل نقول إنهم يؤاخذون بذلك في الدنيا ليكون ذلك زيادة في درجاتهم ويبتلون بذلك ليكون استشعارهم له سببا لمنماة رتبهم كما قال (ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى) وقال لداود (فغفرنا له ذلك) لآية وقال بعد قول موسى تبت إليك.
(إنى اصطفيتك على الناس) وقال بعد ذكر فتنة سليمان وإنابته (فسخرنا له الريح) إلى (وحسن مآب) وقال بعض المتكلمين زلات الأنبياء في الظاهر زلات وفى الحقيقة كرامات وزلف وأشار إلى نحو مما قدمناه وأيضا فلينبه غيرهم من البشر منهم أو ممن ليس في درجتهم بمؤاخذتهم بذلك فيستشعروا الحذر ويعتقدوا المحاسبة ليلتزموا الشكر على النعم ويعدوا الصبر على المحن بملاحظة ما وقع بأهل هذا النصاب الرفيع المعصوم فكيف بمن سواهم، ولهذا قال صالح المرى ذكر داود بسطة للتوابين، قال ابن عطاء لم يكن ما نص الله تعالى من قصة صاحب الحوت نقصا له ولكن استزادة من نبينا صلى الله عليه وسلم وأيضا فيقال لهم فإنكم ومن وافقكم تقولون
بغفران الصغائر باجتناب الكبائر ولا خلاف في عصمة الأنبياء من الكبائر فما جوزتم من وقوع الصغائر علهيم هي مغفورة على هذا فما معنى المؤاخذة بها إذا عندكم وخوف الأنبياء وتوبتهم منها وهى مغفورة لو كانت فما أجابوا به فهو جوابنا عن المؤاخذة بأفعال السهو والتأويل، وقد قيل إن كثرة استغفار النبي صلى الله عليه وسلم وتوبته وغيره من الأنبياء على وجه ملازمة الخضوع والعبودية والاعتراف بالتقصير شكرا لله على نعمه كما قال صلى الله عليه وسلم وقد أمن من المؤاخذة بما تقدم وما تأخر (أفلا أكون عبدا شكورا) وقال (إنى أخشاكم لله وأعلمكم بما أتقى) قال الحارث بن أسد: خوف الملائكة والأنبياء خوف إعظام وتعبد لله لأنهم آمنون.
وقيل فعلوا ذلك ليقتدى بهم وتستن بهم أممهم كما قال صلى الله عليه وسلم (لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا) وأيضا فإن في التوبة والاستغفار معنى آخر لطيفا أشار إليه بعض العلماء وهو استدعاء محبة الله قال الله تعالى (إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين) فإحداث الرسل والأنبياء الاستغفار والتوبة والإنابة والأوبة في كل حين استدعاء لمحبة الله والاستغفار فيه معنى التوبة، وقد قال الله لنبيه صلى الله عليه وسلم بعد أن غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر (لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار) الآية وقال تعالى (فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا)
فصل قد استبان لك أيها الناظر مما قررناه ما هو الحق من عصمته صلى الله
عليه وسلم عن الجهل بالله وصفاته أو كونه على حالة تنافى العلم شئ من ذلك كله جملة بعد النبوة عقلا وإجماعا وقبلها سماعا ونقلا ولا بشئ مما قررناه من أمور الشرع وأداه عن ربه من الوحى قطعا وعقلا وشرعا وعصمته عن الكذب وخلف القول منذ نبأه الله وأرسله قصدا أو غير قصد واستحالة ذلك عليه شرعا وإجماعا ونظرا وبرهانا وتنزيهه عنه قبل النبوة قطعا وتنزيهه عن الكبائر إجماعا وعن الصغائر تحقيقا وعن استدامة السهو والغفلة واستمرار الغلط والنسيان عليه فيما شرعه للأمة وعصمته في كل حالاته من رضى وغضب وجد ومزح فيجب عليك أن تتلقاه باليمين وتشد عليه يد الضنين وتقدر هذه الفصول حق قدرها وتعلم عظيم قائدتها وخطرها فإن من يجهل ما يجب للنبى صلى الله عليه وسلم أو يجوز أو يستحيل عليه ولا يعرف صور أحكامه لا يأمن أن يعتقد في بعضها خلاف ما هي عليه ولا ينزهه عما لا يجب أن يضاف إليه فيهلك من حيث لا يدرى ويسقط في هوة الدرك الأسفل من النار إذ ظن الباطل به اعتقاد ما لا يجوز عليه يحل بصاحبه دار البوار ولهذا ما احتاط عليه السلام على الرجلين اللذين رأياه ليلا وهو معتكف في المسجد مع صفية فقال لهما: إنه صفية، ثم قال لهما: إن الشيطان يجرى من ابن آدم مجرى الدم وإنى خشيت أن يقذف في قلوبكما شيئا فتهلكا) * هذه أكرمك الله إحدى فوائد ما تكلمنا عليه في هذه الفصول ولعل جاهلا لا يعلم بجهله إذا سمع شيئا منها يرى أن الكلام فيها جملة من فضول العلم وأن السكوت أولى وقد استبان لك أنه متعين للفائدة التى ذكرناها وفائدة ثانية يظطر إليها في أصول الفقه ويبتنى عليها مسائل لا تتعد من الفقه ويتخلص بها من تشعيب مختلفى الفقهاء في عدة منها وهى الحكم في أقوال النبي صلى الله عليه وسلم وأفعاله وهو باب عظيم وأصل كبير من أصول الفقه ولا بد من بنائه على صدق النبي صلى الله عليه وسلم في أخباره وبلاغه وأنه لا يجوز عليه السهو فيه وعصمته من المخالفة في أفعاله عمدا وبحسب اختلافهم في وقوع الصغائر وقع خلاف في امتثال الفعل بسط بيانه في كتب ذلك العلم فلا نطول به وفائدة ثالثة يحتاج إليها الحاكم والمفتى فيمن أضاف إلى النبي صلى الله عليه وسلم شيئا من هذه الأمور ووصفه بها فعن لم يعرف ما يجوز وما يمتنع عليه وما وقع الإجماع فيه والخلاف كيف يصمم في الفتيا في ذلك ومن أين يدرى هل ما قاله في نقص أو مدح فإما أن يجترئ على سفك دم مسلم حرام أو يسقط حقا ويضيع حرمة للنبى صلى الله عليه وسلم ؟

انتهى النقل من كتاب الشفا بتعريف حقوق المصطفى (2 / 97 - 174)

_________________
يارب بالــمــصـطــفى بــلـغ مـقـاصــدنا --- واغفر لنا ما مضى يا واسع الكرم

واغفر إلهى لكل المسلمين بما --- يتلون فى المسجد الأقصى وفى الحرم

بجاه من بيته فى طيبة حرم --- واسمه قسم من أعظم القسم


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: يجب على المكلف إعتقاد عصمة الانبياء عليهم الصلاة والسلام
مشاركة غير مقروءةمرسل: الخميس مارس 12, 2015 2:41 pm 
غير متصل

اشترك في: الخميس مايو 30, 2013 5:51 am
مشاركات: 35060
السلام عليكم ورحمة الله و بركاته


وقد قيل إن كثرة استغفار النبي صلى الله عليه وسلم وتوبته وغيره من الأنبياء على وجه ملازمة الخضوع والعبودية والاعتراف بالتقصير شكرا لله على نعمه كما قال صلى الله عليه وسلم وقد أمن من المؤاخذة بما تقدم وما تأخر (أفلا أكون عبدا شكورا) وقال (إنى أخشاكم لله وأعلمكم بما أتقى) قال الحارث بن أسد: خوف الملائكة والأنبياء خوف إعظام وتعبد لله لأنهم آمنون.
وقيل فعلوا ذلك ليقتدى بهم وتستن بهم أممهم كما قال صلى الله عليه وسلم (لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا) وأيضا فإن في التوبة والاستغفار معنى آخر لطيفا أشار إليه بعض العلماء وهو استدعاء محبة الله قال الله تعالى (إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين) فإحداث الرسل والأنبياء الاستغفار والتوبة والإنابة والأوبة في كل حين استدعاء لمحبة الله والاستغفار فيه معنى التوبة، وقد قال الله لنبيه صلى الله عليه وسلم بعد أن غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر (لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار) الآية وقال تعالى (فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا)




والله جميل جدا سلمت يداك الأستاذ الفاضل النووى

جزاكم الله خيرا كثير و أعزكم دنيا و دين

_________________



مولاي صل وسلم دائما أبداعلى حبيبك خير الخلق كلهم
اللهم صل على هذا النبى الأمين وأجعلنا من خاصة المقربين لديه السعداء وعلى آله وسلم حق قدره ومقداره العظيم




أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: يجب على المكلف إعتقاد عصمة الانبياء عليهم الصلاة والسلام
مشاركة غير مقروءةمرسل: الجمعة مارس 13, 2015 4:03 pm 
غير متصل

اشترك في: السبت أكتوبر 08, 2011 9:22 pm
مشاركات: 2955
السيدة الفاضلة / ملهمة

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

وجزاك الله خيرا

وشكرا على مرورك الكريم

_________________
يارب بالــمــصـطــفى بــلـغ مـقـاصــدنا --- واغفر لنا ما مضى يا واسع الكرم

واغفر إلهى لكل المسلمين بما --- يتلون فى المسجد الأقصى وفى الحرم

بجاه من بيته فى طيبة حرم --- واسمه قسم من أعظم القسم


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
عرض مشاركات سابقة منذ:  مرتبة بواسطة  
إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ 14 مشاركة ] 

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين


الموجودون الآن

المستخدمون المتصفحون لهذا المنتدى: لا يوجد أعضاء مسجلين متصلين و 5 زائر/زوار


لا تستطيع كتابة مواضيع جديدة في هذا المنتدى
لا تستطيع كتابة ردود في هذا المنتدى
لا تستطيع تعديل مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع حذف مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع إرفاق ملف في هذا المنتدى

البحث عن:
الانتقال الى:  
cron
© 2011 www.msobieh.com

جميع المواضيع والآراء والتعليقات والردود والصور المنشورة في المنتديات تعبر عن رأي أصحابها فقط