6- إله يتصرف كالبشر :
لقد جعل العهد القديم الرب كإنسان : يمشي ، يغدو ويروح، ويأكل ويشرب، وينام ويتحدث، له حيز وجهة، يثور ويغضب، ويبدو في صورة بشرية ....الخ ما للبشر من صفات .
والنصوص الدالة على ذلك في أسفارهم كثيرة جدا، منها ما جاء في سفر التكوين الإصحاح الثامن عشر:
( وظهر له – أي لإبراهيم – عند بلوطات ممرا وهو جالس في باب الخيمة وقت حر النهار فرفع عينيه ونظر و إذا ثلاثة رجال واقفون لديه، فلما نظر ركض لاستقبالهم من باب الخيمة وسجد الى الارض. وقال يا سيد ان كنت قد وجدت نعمة في عينيك فلا تتجاوز عبدك. ليؤخذ قليل ماء واغسلوا ارجلكم واتكئوا تحت الشجرة. فآخذ كسرة خبز فتسندون قلوبكم ثم تجتازون. لانكم قد مررتم على عبدكم. فقالوا هكذا تفعل كما تكلمت فاسرع ابراهيم الى الخيمة الى سارة وقال اسرعي بثلاث كيلات دقيقا سميذا. اعجني واصنعي خبز ملّة. ثم ركض ابراهيم الى البقر واخذ عجلا رخصا وجيدا واعطاه للغلام فاسرع ليعمله. ثم اخذ زبدا ولبنا والعجل الذي عمله ووضعها قدامهم. واذ كان هو واقفا لديهم تحت الشجرة اكلوا وقالوا له اين سارة امرأتك. فقال ها هي في الخيمة. فقال اني ارجع اليك نحو زمان الحياة ويكون لسارة امرأتك ابن. وكانت سارة سامعة في باب الخيمة وهو وراءه. وكان ابراهيم وسارة شيخين متقدمين في الايام. وقد انقطع ان يكون لسارة عادة كالنساء. فضحكت سارة في باطنها قائلة أبعد فنائي يكون لي تنعم وسيدي قد شاخ. فقال الرب لابراهيم لماذا ضحكت سارة قائلة أفبالحقيقة الد وانا قد شخت. هل يستحيل على الرب شيء. في الميعاد ارجع اليك نحو زمان الحياة ويكون لسارة ابن. فانكرت سارة قائلة لم اضحك. لانها خافت. فقال لا بل ضحكت ثم قام الرجال من هناك وتطلعوا نحو سدوم. وكان ابراهيم ماشيا معهم ليشيعهم. فقال الرب هل اخفي عن ابراهيم ما انا فاعله. وابراهيم يكون امة كبيرة وقوية ويتبارك به جميع امم الارض. لاني عرفته لكي يوصي بنيه وبيته من بعده ان يحفظوا طريق الرب ليعملوا برا وعدلا لكي ياتي الرب لابراهيم بما تكلم به. وقال الرب ان صراخ سدوم وعمورة قد كثر وخطيتهم قد عظمت جدا. انزل وأرى هل فعلوا بالتمام حسب صراخها الآتي اليّ. والا فاعلم. وانصرف الرجال من هناك وذهبوا نحو سدوم. واما ابراهيم فكان لم يزل قائما امام الرب فتقدم ابراهيم وقال أفتهلك البار مع الاثيم. عسى ان يكون خمسون بارا في المدينة. أفتهلك المكان ولا تصفح عنه من اجل الخمسين بارا الذين فيه. حاشا لك ان تفعل مثل هذا الامر ان تميت البار مع الاثيم فيكون البار كالاثيم. حاشا لك. أديان كل الارض لا يصنع عدلا. فقال الرب ان وجدت في سدوم خمسين بارا في المدينة فاني اصفح عن المكان كله من اجلهم. فاجاب ابراهيم وقال اني قد شرعت اكلم المولى وانا تراب ورماد. ربما نقص الخمسون بارا خمسة. أتهلك كل المدينة بالخمسة. فقال لا اهلك ان وجدت هناك خمسة واربعين. فعاد يكلمه ايضا وقال عسى ان يوجد هناك اربعون. فقال لا افعل من اجل الاربعين. فقال لا يسخط المولى فاتكلم. عسى ان يوجد هناك ثلاثون. فقال لا افعل ان وجدت هناك ثلاثين. فقال اني قد شرعت اكلم المولى. عسى ان يوجد هناك عشرون. فقال لا اهلك من اجل العشرين. فقال لا يسخط المولى فاتكلم هذه المرة فقط. عسى ان يوجد هناك عشرة. فقال لا اهلك من اجل العشرة. وذهب الرب عندما فرغ من الكلام مع ابراهيم ورجع ابراهيم الى مكانه ) اهـ .
فتأمل هذا النص، وتلك الواقعة وما حوت من صفات البشر ومع أنها كذلك فقد نعت بها الله – تعالى عما يصفون – وذلك من المجيئ والإتيان في صورة البشر، وغسل الأقدام، والنوم تحت الشجرة طلبا للراحة، والأكل والشراب. ثم الحوار مع إبراهيم لربه، كيف يهلك البار مع الأثيم !! وفي كل مرة يقرر الرب أنه لن يهلك القرية من أجل من فيها من الأبرار، من أجل الخمسين، ثم من أجل الخمسة والأربعين، ثم من أجل الأربعين فالثلاثين فالعشرين وأخيرا لن يهلكهم من أجل العشرة .
فهل يصح ذلك من إله إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون ؟ !!!!!!!!!!!!!
أو هل يجوز لرب أن يأكل أو يشرب، وبالضرورة لذلك يتبول ويتغوط ؟ !!!!!!!!!!!!!!
إنه الضلال المبين، تعالى الله عما يصفون .
وقبل أن ننتقل لنص آخر نقرر أن هذه الواقعة أساسها حق، لكن يد التحريف أصابت النص فخرجت به عن وجهته، وخلاصة الواقعة كما عرضها القرآن الكريم هي: 1- الذين قدموا على سيدنا إبراهيم – عليه السلام – ملائكة الله، وليس الله عزوجل . 2- أنهم ما أكلوا وما شربوا – فالملائكة لا يأكلون ولا يشربون – لذلك أوجس منهم خيفة، وأنكر عليهم عدم الأكل، فقالوا له إنا رسل ربك . 3- أنهم بشروه بغلام عليم، فلما تعجبت السيدة سارة – عليها السلام – ذكروها أن أمر الله لا مرد له، وأن رحمت الله وبركاته عليهم أهل البيت . 4- أن سيدنا إبراهيم – عليه السلام – لما ذهب عنه الروع جادل الملائكة في أمر سيدنا لوط – عليه السلام – فقال لهم : إن فيها لوطا، فقالوا نحن أعلم بمن فيها لننجينه وأهله إلا امرأته .
وهذه بعض آيات القرآن الكريم التي تناولت هذه الواقعة، قال تعالى:
{ وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ (69) فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ (70) وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ (71) قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ (72) قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ (73) فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ (74) إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ (75) } سورة سيدنا هود عليه السلام .
{ وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظَالِمِينَ (31) قَالَ إِنَّ فِيهَا لُوطًا قَالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيهَا لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ (32) } سورة العنكبوت .
فأين الثرى من الثريا ، وصدق الله العظيم :
{ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا (82) } سورة النساء .
هذا هو وجه الحق والصواب في هذه القضية والله – سبحانه – تعالى وتنزه عما يصف الظالمون .
وكذلك ورد من صفات البشر والحوادث في سفر العدد وغيره أن الله تعالى كان يتقدم جيش الإسرائيليين نهارا في عمود سحاب ليهديهم الطريق، وليلا في عمود نار ليضيئ لهم، كما كان يتكلم مع موسى فماً لفم وعيانا، !! وكان يغضب ويقسم على الانتقام ويتحلل من يمينه، وكان يحب رائحة الشواء ...... الخ .
جاء في سفر العدد الإصحاح الثاني عشر: (فنزل الرب في عمود سحاب ووقف في باب الخيمة ودعا هرون ومريم فخرجا كلاهما. فقال اسمعا كلامي.ان كان منكم نبي للرب فبالرؤيا استعلن له في الحلم اكلمه. 7 واما عبدي موسى فليس هكذا بل هو امين في كل بيتي. 8 فما الى فم وعيانا اتكلم معه لا بالالغاز. ... ) اهـ .
وفي سفر الخروج الإصحاح الثالث عشر : (وأرتحلوا من سكوت ونزلوا في أيثام في طرف البرية , وكان الرب يسير أمامهم نهارا في عمود سحاب ليهديهم في الطريق , وليلا في عمود نار ليضئ لهم , لكي يمشوا نهار وليلا . ولم يبرح عمود السحاب نهارا وعمود النار ليلا من أمام الشعب ) اهـ .
وعن مظاهر تجسده جاء في سفر الخروج مثلا 24/9:11
(ثم صعد موسى وهارون وناداب وأبيهو وسبعون من شيوخ إسرائيل ورأوا إله إسرائيل، وتحت رجليه شبه صنعة من العقيق الأزرق الشفاف، وكذات السماء في النقاوة ولكنه لم يمد يده إلى أشراف بني إسرائيل. فرأوا الله وأكلوا وشربوا ) اهـ .
وعن رجوعه في وعيده، جاء في سفر الخروج 32/9:14 أن الله تعالى قال لموسى بعد أن عبد قومه العجل :
(وقال الرب لموسى رايت هذا الشعب واذا هو شعب صلب الرقبة فالان اتركني ليحمى غضبي عليهم وافنيهم.فاصيرك شعبا عظيما فتضرع موسى امام الرب الهه.وقال لماذا يا رب يحمى غضبك على شعبك الذي اخرجته من ارض مصر بقوة عظيمة ويد شديدة لماذا يتكلم المصريون قائلين اخرجهم بخبث ليقتلهم في الجبال ويفنيهم عن وجه الارض.ارجع عن حمو غضبك واندم على الشر بشعبك اذكر ابراهيم واسحق واسرائيل عبيدك الذين حلفت لهم بنفسك وقلت لهم اكثر نسلكم كنجوم السماء واعطي نسلكم كل هذه الارض الذي تكلمت عنها فيملكونها الى الابد فندم الرب على الشر الذي قال انه يفعله بشعبه. ) اهـ .
وبالجملة : فقد جعلوا الله كإنسان مثلهم ووصفوه بما يعلمونه من أنفسهم سبحانه وتعالى عما يصفون .
{ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (11) } سورة الشورى .
يتبع إن شاء الله
_________________ مددك يا سيدي يا رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم
الغوث يا سيدي رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم
الشفاعة يا سيدي يا رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم
|