موقع د. محمود صبيح

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين الذي جعلنا مسلمين وأرسل إلينا سيد المرسلين وخاتم النبيين سيدنا محمداً ابن سيدنا عبدالله النبي المصطفى الأمين وعلى آله الطيبين الطاهرين
وأصحابه الغر الميامين وأتباعهم بإحسان إلى يوم الدين.

وبعد:-

فإن من ثوابت إحترام سيدنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن يعتقد جميع المسلمين التابعين لمنهجه بطهارة فضلاته الشريفة صلى الله عليه وعلى آله وسلم فمهما كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بشراً
تجري عليه ظروف المعاش ,فإن له خصائص يمتاز بها عن غيره من البشر قد أختصه الله تعالى بها تشريفاً لذاته الشريفة صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

وفيما يلي نقول السادة العلماء من المذاهب الأربعة والتي فيها الإجماع على طهارة فضلاته الشريفة صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

أولاً:الأحناف:

قال العلامة ابن عابدين في تنقيح الفتاوى الحامدية:(فضلاته عليه الصلاة والسلام طاهرة كما جزم به البغوي وغيره وهوالمعتمد,لأن أم أيمن بركة الحبشية شربت بوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال"لن يلج النار بطنك". صححه الدار قطني.
وقال أبو جعفر الترمذي:دم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم طاهر,لأن أبا طيبة شربه ,وفعل مثل ذلك ابن الزبير,وهوغلام حين أعطاه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم دم حجامته ليدفنه فشربه,فقال له النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم "من خالط دمه دمي لن تمسه النار "وهذه الأحاديث مذكورة في كتب الأحاديث الصحيحة, وذكرها فقهاؤنا وتبعهم الشافعية كالشربيني في شرح الغاية,
وفقهاء المالكية والحنابلة فكانت كالمجمع عليها .
فحيث ثبت أن فضلاته عليه الصلاة والسلام تنجي من النار فكيف مَن رُبي من دمها ولحمها ورُبي في بطنها ومن كان أصل خلقته الشريفة منه يدخل النار, هذا ما جرى به لسان القلم).

وقال ابن عابدين في حاشيته الشهيرة:
(مطلب في طهارة بوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم{تنبيه}:صحح بعض أئمة الشافعية طهارة بوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وسائر فضلاته ,وبه قال الحنفية كما نقله في المواهب اللدنية عن شرح البخاري للعيني ,وصرح به البيري في شرح الأشباه .
قال الحافظ ابن حجر :تضافرت الأدلة على ذلك .
وعد الأئمة ذلك من خصائصه صلى الله عليه وعلى آله وسلم .
ونقل بعضهم عن شرح المشكاة لملا علي القاري أنه قال:أختاره كثيراً من أصحابنا.
وأطال في تحقيقه في شرحه على الشمائل في باب {ما جاء في تعطره صلى الله عليه وعلى آله وسلم}.

ثانياً المالكية:

قال الدسوقي في حاشية الدسوقي على الشرح الكبير:
(ولا يدخل الخلاف أجساد الأنبياء ,إذ أجسادهم بل جميع فضلاتهم طاهرة اتفاقاً حتى بالنسبة لهم.
لأن الطاهرة متى ثبتت لذات فهي مطلقة واستنجاؤهم تنزيه وتشريع,وإن كان قبل النبوة.
وإن كان لا حكم إذ ذاك لاصطفائهم من أصل الخلقة ,بل في شرح دلائل الخيرات للفاسي أن المني الذي خلق منه الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم طاهر من غير خلاف.

قال الشيخ عليش في منح الجليل شرح مختصر الخليل:
(لا يدخل هذا الخلاف أجساد الأنبياء عليهم الصلاة والسلام,ويجب الاتفاق على طهارة أجسادهم,وقد قيل بطهارة حدثه صلى الله عليه وعلى آله وسلم فكيف بجسده الشريف صلى الله عليه وعلى آله وسلم,وذكره في التوضيح
وقال ابن الفرات :الإجماع على طهارة أجساد الأنبياء عليهم الصلاة والسلام,ولا سيما جسد نبينا صلى الله عليه وعلى آله وسلم).

قال القاضي عياض في الشفا:(فقد قال قوم من أهل العلم بطهارة هذين الحدثين منه صلى الله عليه وعلى آله وسلم,
وهو قول بعض أصحاب الشافعي حكاه الإمام أبو نصر بن الصباغ في شامله.
وقد حكى القولين من العلماء في ذلك أبو بكر بن سابق المالكي في كتابه {البديع في فروع المالكية},وتخريج ما لم يقع لهم منها على مذهبهم من تفاريع الشافعية.
وشاهد هذا أنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يكن منه شيئ كريه ولا غير طيب .
ومنه حديث علي رضي الله عنه :"غسلت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فذهبت أنظر ما يكون من الميت فلم أجد شيئاً,فقلت :طبت حياً وميتا,قال:وسطعت منه ريح طيبة لم نجد مثلها قط".
ومثله قال أبو بكر رضي الله عنه حين قبل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بعد موته.
ومنه شرب مالك ابن سنان دمه يوم أحد ,ومصه إياه,وتسويغه صلى الله عليه وعلى آله وسلم ذلك له .
وقوله لن تمسه النار.
ومنه شرب عبدالله بن الزبير دم حجامته فقال عليه السلام
"ويل لك من الناس وويل لهم منك" ولم ينكر عليه.
وقد روى نحو من هذا عنه في امرأة شربت بوله فقال لها
"لن تشتكي وجع بطنك أبداً".
ولم يأمر واحداً منهم بغسل فمه ولا نهاه عن عوده .
وحديث هذه المرأة التي شربت بوله صحيح ألزم الدار قطني مسلماً والبخاري إخراجه في الصحيح).

ونقل عن الإمام أبي بكر بن العربي المالكي موافقته لذلك فقال:(بول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ونحوه طاهران ) .

ثالثاً: الشافعية :

وقد نقل عن المذهب الشافعي وجهان في القول بطهارة فضلات المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وسلم ,إلا أن المحققين أعتمدوا القول بالطهارة,وذكروا أنه مذهب سائر الأئمة من المتقدمين كذلك ,إلا أن نقل النووي والرافعي للوجهين جعل المسألة وكأنها محل خلاف ,والصحيح على التحقيق القول بطهارة فضلاته صلى الله عليه وعلى آله وسلم ,حتى إن العيني نبه في شرح البخاري إلى عدم دقة هذه الألفاظ التي توحي بخلاف المجمع عليه .
قال النووي في روضة الطالبين:(بوله ودمه وفضلاته طاهرة على أحد الوجهين).
قال الرملي في حاشيته على أسنى المطالب:(وقال شيخ الإسلام ابن حجر:- تكاثرت الأدلة على طهارة فضلاته,وعد الأئمة ذلك في خصائصه,فلا يلتفت إلى ما وقع في كتب كثير من الشافعية مما يخالف ذلك,فقد أستقر الأمر من أئمتهم على القول بالطهارة).
وجاء في فتاوى الرملي:(سُئل: هل المعتمد نجاسة فضلاته صلى الله عليه وعلى آله وسلم كغيره كما عليه الجمهور وصححه الشيخان أم لا ؟
فأجاب: بأن المعتمد طهارتها كما جزم به البغوي وغيره,وصححه القاضي حسين وغيره ,ونقله العمراني عن الخراسانيين وصححه البارزي والسبكي والشيخ نجم الدين الإسفراييني وغيرهم .
وقال البلقيني:وبه الفتوى.
وقال ابن الرفعة:إنه الذي أعتقده وألقى الله به.
وقال الزركشي:وكذا أقول وينبغي طرده في سائر الأنبياء).

قال الشبراملسي: "قوله:ويجب الاستنجاء" ينبغي أن محله في غير نبينا صلى الله عليه وعلى آله وسلم,لأن فضلاته طاهرة ,وإنما كان يفعله للتنزه وبيان المشروعية.
جاء في حاشيتي قليوبي وعميرة:(لأن الصحيح أن فضلاته صلى الله عليه وعلى آله وسلم كسائر الأنبياء طاهرة).
قال ابن حجر الهيتمي في الفتاوى الفقهية:(وسُئل:عما أعتيد من قول الإنسان لمن يفرغ من شربه:صحة أو نحو ذلك,هل له أصل أو هو بدعة؟
فأجاب بقوله:يمكن أن يقال له أصلاً,ويحتج له بقوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لأم أيمن لما شربت بوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم"صحة يا أم أيمن لن تلج النار بطنك"
ووجه القياس أن المختار صلى الله عليه وعلى آله وسلم عند كثير من أئمتنا طهارة فضلاته صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأن بوله شفاء).
وقال ابن حجر الهيتمي :(واختار جمع متقدمون ومتأخرون طهارة فضلاته صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأطالوا فيه).
وقال شيخ الإسلام زكريا الأنصاري:(وكان يتبرك ويستشفى ببوله ودمه ...إلى أن قال :قال شيخنا المذكور آنفاً:وكأن السر في ذلك ما صنعه الملكان من غسلهما جوفه صلى الله عليه وعلى آله وسلم).
قال البيجرمي:(هذه الفضلات من النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم طاهرة كما جزم به البغوي وغيره,وأفتى به شيخي خلافاً لما في الشرح الصغير والتحقيق من النجاسة لأن بركة الحبشية شربت بوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال"لن تلج النار بطنك".صححه الدار قطني.
وقال أبو جعفر الترمذي :(دم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم طاهر,لأن أبا طيبة شربه وفعل مثل ذلك ابن الزبير, وهو غلام حين أعطاه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم دم حجامته ليدفنه فشربه,فقال له النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم"من خالط دمه دمي لم تمسه النار").

ملحوظة:-ويقول الفقير بعد كل هذه النقول من كلام السادة الشافعية ما قاله شيخ الإسلام الحافظ ابن حجر( تكاثرت الأدلة على طهارة فضلاته,وعد الأئمة ذلك في خصائصه,فلا يلتفت إلى ما وقع في كتب كثير من الشافعية مما يخالف ذلك,فقد أستقر الأمر من أئمتهم على القول بالطهارة).

رابعاً: الحنابلة:

قال ابن مفلح في الفروع : (والنجس منا طاهر منه صلى الله عليه وعلى آله وسلم,ذكره فى الفنون-يعني ابن عقيل الحنبلي- وغيره).
قال المرداوي: (والنجس منا طاهر منه صلى الله عليه وعلى آله وسلم ,ذكره في الفنون وغيره,وقدمه في الفروع).
قال البهوتي: (والنجس منا طاهر منه صلى الله عليه وعلى آله وسلم ومن سائر الأنبياء,ويجوز أن يُستشفى ببوله ودمه...قال الحافظ ابن حجر:وكان السر في ذلك ما صنعه الملكان من غسلهما جوفه صلى الله عليه وعلى آله وسلم)
وقال البهوتي في أثناء كلامه عن أحكام غسل الميت: (وسن له تجريده...إلى أن قال إلا النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم,فغسلوه وعليه قميص يصبون الماء فوق القميص ويدلكون بالقميص دون أيديهم ,لمكلم كلمهم من ناحية البيت لا يدرون من هو ,بعد أن أوقع الله تعالى عليهم النوم-رواه أحمد وأبو داود-لطهارة فضلاته صلى الله عليه وعلى آله وسلم).
وقال في الموضوع نفسه : (ولأن فضلاته كلها طاهرة ,فلم يخش تنجيس قميصه صلى الله عليه وعلى آله وسلم).

وصلي اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد الطاهر الروح والجسد خير من صلى وصام وقام وركع وسجد وعلى آله الطيبين الطاهرين صلاةً وسلاماً لا ينقطعان ولا ينفذان إلى أبد الأبد.

المصدر:كتاب:النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم طاهر عند جميع المسلمين –تأليف نجاح صيام-بتصرف يسير.

ملحوظة: ما كتب باللون الأزرق من كلام الفقير.

الفاضل المصري

جزاك الله خيراً
ويسعدني دائماً مروركم الكريم.