موقع د. محمود صبيح

منتدى موقع د. محمود صبيح

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين



إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ مشاركة واحده ] 
الكاتب رسالة
 عنوان المشاركة: التصوف وكتاب التعرف
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأحد سبتمبر 02, 2012 7:22 pm 
غير متصل

اشترك في: الثلاثاء سبتمبر 27, 2011 3:10 pm
مشاركات: 2279
مكان: مصر المحروسة

يقول العلامة الصوفي أبو سليمان الداراني القلب الصوفي قد رأى الله وكل شيء يرى الله لا يموت فمن رأى الله فقد خلد
وكل كلمة خطها الصوفيه كانت خالده كالقلب الصوفي خالدة لا تموت لأنها ارتبطت بالله واستهدفت رضاه واقتست من هداه وأشرقت بحبه وأضاءت بنوره
ومادة التصوف سواء أكانت أخلاقا أو معرفه أو سلوكا أو تعبيرا عن مشاهدة او تصويرا لمناجاه أو تذوقا لتجليات أو تحليقا حول أشرافات فهي مادة موصله بالله قائمة به وله فانية فيه سبحانه
ولهذا آمن الصوفيه بأنهم أحباب الله وأصفياؤه وأولياؤه وصفوه عبادة وحراس ينابيعه وآياته
كما آمنوا بأن أعمالهم وحركاتهم ومعارفهم وأذواقهم ومقاماتهم كلها هبات الله وفيض عطاياه
إن مولاهم سبحانه هو مربيهم ومعلمهم وهاديهم ومرشدهم إنه الحبيب القريب المجيب الآخذ بنواصيهم إلى وجهه الكريم
قيل لمعروف الكرخي أخبرنا عن المحبة أى شئ هي قال يا أخي ليست المحبة من تعليم الناس المحبة من تعليم الحبيب
وبهذا الارتباط المشتعل بالوجد والحب وملهمات الأنس والقرب أصبح الصوفي أينما تولى فثم وجه الله لايرى سواه
وكل شئ في الوجود مرآه يرى فيها الصوفي وجه الله وآياته وقدرته ورحمته يقول ذو النون في مناجاته
إلهي ما أصغيت الى صوت حيوان ولا إلى حفيف شجر ولا خرير ماء و لا ترنم طائر ولا تنغم طل ولا دوى ريح ولا قعقعة رعد إلا وجدتها شاهدة بوحدانيتك داله على أنه ليس كمثله شئ
ومن هنا لم تتحدث طائفه من الناس عن الحب الإلهي وعن الفناء في الله كما تحدث الصوفيه
والفناء الصوفي فوق سموه الإيماني مذهب في التربية والأخلاق لا يماثله مذهب آخر من مذاهب التربية والأخلاق
وعلى ضوء علم النفس الحديث وعلى هدى المذاهب العلمية التربوية يجب أن ننظر إلى الفناء الصوفي على أنه منهج للكمال والتسامي لا يطاوله غيره ولا يغني عنه سواه
إنه إفناء المشاعر والرغبات الأرضية في شئ أكبر وأعظم من المثل الأعلى المصطلح عله خلقيا وتربويا
إنه إفناء هوى النفوص وشهواتها وعواطفها وكل ما تحب فيما يحبه الله ويريده ويأمر به ليعيش
كل حركاته في موافقه الحق دون مخالفاته فيكون فانيا عن المخالفات باقيا في الموافقات
إنه إذن استبدال خلق بشري بخلق رباني وذلك ارتفاع بالبشرية لا نعرفه ولا تعرفه الدنيا لغير الصوفية الإسلامية
فالفناء الصوفي ليس فناء جسد في جسد ولا فناء روح في روح إنه فناء إرادة في إرادة وفناء أخلاق في اخلاق وصفات في صفيات أو كما يقول الصوفية فانيا عن أوصافه باقيا بأوصاف الحق
إنه لتصعيد للكمال تصعيد تخفق أجنحته في أفق قدسي علوى ثم تخفق صاعدة صاعدة حتى تنال شرف التخلق بأخلاق الصفات الإلهية
وهذا الفناء هو الذي عبر عنه الحديث النبوى تخلقوا بأخلاق الله وصوره الحديث القدسي
كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به
وبهذا الفناء يحس الصوفي إحساس ذوق ووجدان وقلب وروح بإذن الله سبحانه معه وفي ضميره وحركاته وكلماته
يقول العلامة الكلاباذي ومن فناء الحظوظ حديث عبد الله بن مسعود قال ما علمت أن في أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم من يريد الدنيا حتى قال الله تعالى منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة فكان عبد الله في هذا المقام فانيا عن إرادة الدنيا
لقد فنى الصوفيه في حب مولاهم وتخلقوا باخلاقه وتأدبوا بآدابه وتربوا في محاربيه وعاشوا في ذكره ومناجاته فعلمهم وطهرهم وزكاهم واصطفاهم واجتباهم وأحبهم ورضى عنهم ففتح
آفاقه وجدا وشوقا بتسبيحه وذكره
يقول العلامة الإمام الكلاباذي واصفا لمقاماتهم وأحوالهم سبقت لهم من الله الحسنى وألزمهم كلمة التقوى وعزف بنفوسهم عن الدنيا صدقت مجاهداتهم فنالوا علوم الدراسة وخلصت علها معاملاتهم فمنحوا علوم الوراثه وصفت سرائرهم فأكرموا بصدق الفراسة ثبتت أقدامهم وزكت أفهامهم أنارت أعلامهم فهموا عن الله وساروا إلى الله وأعرضوا عما سوى الله خرقت الحجب أنوارهم وجالت حول العرش أسرارهم وجلت عند ذي العرش أخطارهم وعميت عما دون العرش ابصارهم فهم أجسام روحانيون وفي الارض سماويون ومع الخلق ربانيون سكوت نظار غيب حضار ملوك تحت أطمار أنزاع قبائل وأصحاب فضائل وأنوار دلائل آذانهم واعيه وأسرارهم صافية ونعوتهم خافيه صفوية صوفيه نورية صفيه ودائع الله بين خليقته وصفوته في بريته ووصاياه لنبيه وخباياه عند صفيه هم في حياته أهل صفته وبعد وفاته خيار أمته لم يزل يدعو الأول الثاني والسابق التالي بلسان فعله أغناه ذلك عن قوله
تلك لمحة عن التصوف والصوفيه الذين رأت قلوبهم الله فلم تمت قلوبهم بعد المشاهدة بل خلدت تنبض بالحب وتقتات بالذكر وتنعم بالهدى والرضا وترسل الشعاع الذي ينير طريق السالكين الى
وخلد مع القلب الحى الطاهر كل ما صدر عنه من كلم حى طاهر طيب مرتبط بالله موصول به
وإن من أخلد ما كتب عن التصوف والصوفية لكتاب التعرف لمذهب أهل التصوف للإمام العالم العارف تاج الإسلام أبي بكر محمد بن إسحاق البخارى الكلاباذي المتوفي سنة 380 ه 990 م
وهو من أقدم وأدق وأنقى وأصفى ما كتب عن هذا العلم ورجاله
كتبه العارف الكلاباذي في العصر الذهبي للتصوف في أوائل القرن الرابع للهجرة القرن الذي بلغ فيه التصوف كماله العلمي والفني واستكمل فيه التصوف علومه ومناهجه وآدابه وسلوكه ومقاماته
وجاء كتاب الكلاباذي صورة كاملة لعصره الذهبي بل صورة للتصوف في أعلى ذراه وأنقى موارده وأهدى معارجه
والكتاب بعد هذا صورة ورسالة يقوم على منهج وغايه في دقة وأمانة وبراعة علمية وكفاءة فنية يزينه ويجليه اسلوب عبقرى فيه إشراق ومرونة لا يعرف الحشو و التطرف ولا البهرج المتكلف بل يقصد إلى غايته بأرشق الكلمات وأحلاها وأعلاها في غير إسراف أو تطويل أو خروج عن الهدف والمنهج
ولهذا كان هذا الكتاب مع قله صفحاته موسوعة علمية صوفية كبرى يغني عن غيره من الموسوعات الكبرى ولا يغني غيره عنه حتى قال علماء التصوف القدامى لولا التعرف لما عرف التصوف
والكلاباذي ليس مؤرخا في هذا الكتاب فحسب بل هو عالم عارف ذائق يدلي برأيه وحجته ثم هو معاصر وصديق للثقات الأئمة الذين اضاءوا آفاق التصوف
في عصره الذهبي ولهذا يقول في كتابه وهو يعرض لأحاديث الصفوة الاعلام سمعنا أو قال لنا
ويحدثنا الكلاباذي عن منهجه في كتابه فيقول
فدعاني ذلك إلى أن رسمت في كتابي هذا وصف طريقتهم وبيان نحلتهم وسيرتهم من القول في التوحيد والصفات وسائر ما يتصل به مما وقعت فيه الشبهة عند من لم يعرف مذاهبهم ولم يخدم مشايخهم وكشفت بلسان العلم ما أمكن كشفه ووصفت بظاهر البيان ما صلح وصفه ليفهمه من يفهم إشاراتهم ويدركه من لم يدرك عباراتهم وينتفي عنهم خرص المتخرصين وسوء تأويل الجاهلين ويكون بيانا لمن أراد سلوك طريقه مفتقرا إلى الله تعالى في بلوغ تحقيقه بعد أن تصفحت كتب الجذاق فيه وتتبعت حكايات المتحققين له بعد العشرة لهم والسؤال عنهم
ثم لا يكتفي الكلاباذي في كتابه بهذا إن له لشخصيته وعلمه واستنباطه واجتهاده وإنه ليسخر كل ملكاته ليقدم لنا المعرفة الصوفية في صورة كاملة من تحصيله وتصويره
وهو منهج في التأليف قل نظيره في قدامى المؤرخين يقول الكلاباذي هذا ما تحققناه وصح عندنا من مذاهب القوم من أقاويلهم في كتبهم ممن ذكرنا اسماءهم ابتداء ما سمعناه من الثقات ممن عرف أصولهم وتحقق مذاهبهم والذي فهمناه من رموزهم وإشاراتهم في ضمن كلامهم قال وليس كل ذلك مسطورا لهم على حسب ما حكيناه وأكثر ما ذكرنا من العلل والاحتجاج فمن كلامنا
ومن تدبر كلامهم وتفحص كتبهم علم صحة ما حكيناه ولولا أنا كرهنا الإطالة لكنا نذكر مكان ماحكيناه من كلامهم في كتبهم نصا ودلالة إذ ليس كل ذلك مرسوما في الكتب على التصريح
وكتاب التعرف ليس كتابا من كتب الطبقات وليس موسوعة تحمع اشتاتا من المعارف لا ترابط بينها إنه مادة العلم الصوفي وجوهره مع الدليل والتحليل والبرهان الذي لا يرقى اله شك ولا يشوبه غموض
فإذا تحدث الكلاباذي عن المقامات مثلا راح في علم وذوق يحللها ويجليها ويكشف عن أسرارها ومعانيها ويقدم لها الدليل تلو الدليل من الكتاب والسنة والمنطق الإسلامي
يقول الكلاباذي في حديثه عن المقامات ثم لكل مقام بدء ونهاية وبينهما أحوال متفاوته ولكل مقام علم وإلى كل حال إشارة ومع كل مقام إثبات ونفي وليس كل ما نفي في مقام كان منفيا فيما قبله ولا كل ما أثبت فيه كان مثبتا فيما دونه
وهو كما روى عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال
لا إيمان لمن لا أمانة له
فنفي إيمان الأمانة لا إيمان العقد والمخاطبون أدركوا ذلك إذ كانوا قد حلوا مقام الأمانة أو جاوزوه إلى ما فوقه وكان عليه السلام مشرفا على أحوالهم فصرح لهم
فأما من لم يشرف على أحوال السامعين وعبر عن مقام فنفى فيه واثبت جاز ان يكون في
مقام السامع فيسبق إلى وهم السامع أنه نفى ما أثبته العلم فخطأ قائله أو بدعه وربما كفره
فلما كان الأمر كذلك اصطلحت هذه الطائفة على ألفاظ في علومها تعارفوها بينهم ورمزوا بها فادركه صاحبه وخفي على السامع الذي لم يحل مقامه فإما أن يحسن ظنه بالقائل فيقبله ويرجع إلى نفسه فيحكم عليها بقصور فهمه عنه أو يسوء طنه به فيهوس قائله وينسبه إلى الهذيان وهذا أسلم له من رد حق وإنكاره
ذلك هو منطق الكلاباذي في عرضه العلمي وتحليله الصوفي وهذا منهجه في سائر ما يتناول في كتابه من دقائق ولهذا كان كتابه صورة صادقة لاسمه التعرف لمذهب أهل التصوف
ولقد وقفنا طويلا عند هذه التسمية وأخذنا نتساءل أهذه التسمية دقيقة لقد أثارت في قوه انتباهنا إليها ككل وأثارت في عنف انتباهنا إلى كل كلمة من كلماتها
إن المؤلف قال التعرف ولم يقل دراسة أو بحث او شرح وقال مذهب بصيغة المفرد ولم يقل مذاهب وقال اهل التصوف ولم يقل الصوفية مثلا وكان من الممكن أن تكون التسمية هكذا دراسة مذاهب الصوفية
هل التزم المؤلف الدقة في هذا العنوان وتروى في كلماته
إن المؤلف من أعلام الصوفية فإذا عبر عن التصوف فإنما يعبر عن شعور وذوق إنه يعبر عن تجربة مر بها فلا يمكن إلا أن يكون دقيقا
والمؤلف إذن جمع بين الشعور الذوقي والإتقان المنطقي وكتابه إذن إنما صدر عن تجربة وعن منطق ويظهر ذلك بوضوح في كل صفحة من صفحات الكتاب
ولكن أيظهر ذلك في العنوان أيضا الواقع أننا بعد ان أطلنا التفكير في العنوان دهشنا لدقته الدقيقة وإحكامه المحكم
إن أمر التصوف في الواقع ليس أمر جدل أو بحث او أخذ ورد وإنما هو تعرف
والقياس فيه والمنطق والاستدلال والبحث والدراسة والأسلوب العلمي يصب ظاهرا منه وشكلا أو رسما وربما كانت حجابا أو ظلمة تبعد الدارس عن النور بدل أن تغمره بلألائه
ومن المؤكد أن الذين لا يعلمون إلا ظاهرا من الأمر هم عن الحقيقة محجوبون
والتصوف تجربة والتجربة شعور والشعور ليس منطقا ولا برهانا إنما هو تعرف
وحينما دخل المنطق والبرهان في التصوف وكان أوضح مثل لذلك دراسات المستشرقين ومن لف لفهم من الشرقيين أفسد ذلك التصوف لأنه حول النبع المتدفق إلى ركود آسن وحول السناء المتلألئ إلى طلمة حالكة وأرجع فضل الله ونعمته إلى مرض من الأمراض يعالج بالمادة ويشفي بالعقاقير
إن التصوف ليس علما وإذا تدخل العلم فيه أفسده كإفساد العلم المزيف للدين حينما تدخل في
الصحيح لا يتعدى حدوده وللعلم الصحيح دائراته وهي التجربة المادية التي لا يتعداها
والتصوف تجربة روحية وليس للمادة شأن بالروح فليس للعلم بالمعنى الحديث إذن شأن بالتصوف
إن العلم أرض ومادة وحس والتصوف سماء وروح وذوق وأمر التصوف في النهاية تعرف لا دراسة أو جدل أو علم
وإذا ما وصلنا إلى هذه النتيجة التي هي في رأينا صحيحة كل الصحة فإن معنى ذلك أن من لا يشعر بالشعور الصوفي فإنه لا يتعرف عليه كما أن من لم يسلك طريقا معينا بالذات ولو مرة واحدة فإنه لا يتعرف على ما فيه من ظل ظليل أو زهور ناضرات
وقديما قالوا من ذاق عرف وبالتالي فإن من لم يذق لا يعرف وكتاب المؤلف إذن ليس إلا محاولة للتعبير بالألفاظ عن الشعور المتدفق الفياض وهذا التعبير لا يفهمه حق فهمه إلا من شعر به ومعنى فهمه له أنه تعرف عله وفهمه إذن إنما هو تعرف فحسب
والمؤلف يقول مذهب وفي الناس من يرى أن التصوف مذاهب وفرق وطوائف ولكن هذا التفكير المنحرف تأتى إلى القائلين به من نظرتهم إلى علم الكلام وإلى الفلسفة ففي علم الكلام أشاعرة ومعتزلة ومشتبهة وفي الفلسفة أرسطيون وإفلاطونيون وديكارتيون
وأمر الطوائف والفرق يتجاوز علم الكلام والفلسفة إلى الاقتصاد وعلم النفس وعلم الاجتماع
ولقد خلط الكاتبون بين هذه الدراسات والتصوف فزعموا أن في التصوف مذاهب وفرقا وطوائف
ولو أنعموا النظر لعرفوا أن التصوف تجربة روحية وليس نظرا عقليا وذا كان النظر العقلي يفرق الناظرين إلى طوائف وفرق فإن التجربة لا يختلف فيها اثنان وإذا كانت الفلسفة لأنها نظر عقلي مذاهب متعددة فإن التصوف وهو تجربة مذهب واحد لا تعدد فيه ولا اختلاف
وكما أنه لا يستساغ الخلطة بين الوسائل والغايات في أي ميدان من الميادين فإنه لا يستساغ الخلط بين طرق التصوف وهي وسائل وبين الغاية وهي التصوف نفسه
فطرق التصوف متعددة مختلفة وبعضها أوفق من بعض وبعضها أسرع من غيرها ولكنها على اختلافها وتعددها تؤدي إلى هذف واحد وغاية واحدة
التصوف إذن مذهب بصيغة المفرد لا مذاهب بصيغة الجمع وتعبير المؤلف اذا مستقيم كل الاستقامة
ويقول المؤلف أهل التصوف وللتصوف حقيقة أهله وذووه أما أهله وذووه فهم هؤلاء الذين وهبهم الله حسا مرهفا وذكاء حادا وفطرة روحانية وصفاء يكاد يكون في صفاء الملائكة وطبيعة تكاد تكون مخلوقة من النور
و الناس معادن والطبائع مختلفة فمنها ما يرقى إلى الطبيعة الملائكية وكأنه في طبيعته قبس خالص من نور الله ومنها ما يسفل ويسفل إلى أن يصبح أو يكاد في مستوى السائمة
ولقد صور رسول الله صلى الله عليه و سلم طبائع الناس في تقبل النور الإلهي فقال
إن مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل غيث أصاب أرضا فكان منها طائفة طيبة قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير وكان منها أجادب امسكت الماء فنفع الله تعالى بها الناس فشربوا منها وسقوا وزرعوا وأصاب طائفة منها أخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ فذلك مثل من فقه في دين الله تعالى ونفعه ما بعثني الله تعالى به فعلم وعلم ومثل من لم يرفع بذلك ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به
وفي القرآن صور رائعة للطبائع المختلفة والآية الآتية تصور تلك الطبائع يقول الله تعالى لرسوله الكريم واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا ومن أروع الصور القرآنية للذين نزلت طبائعهم إلى مستوى السائمة قوله تعالى واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث ذلك مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا فاقصص القصص لعلهم يتفكرون
ولهذا حرصنا كل الحرص على أن نقدمه مصححا محققا إلى العالم الإسلامي بعد أن راجعناه على نسختين خطيتين ليكون قبسا من نور وقبضه من شعاع وفيضا من علم وأخلاق وطهر وصورة من منهج رسم الطريق الصاعد للعالم الإسلامي في ماضيه المشرق العظيم ويرسم الطريق الصاعد للعالم الإسلامي في حاضره أو فجره الذي تتراءى انواره في الآفاق مبشرة بغد يسامق ماضيه في الإشراق والعزة والقوة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كتاب التعرف لمذهب التصوف
المؤلف : محمد الكلاباذي أبو بكر


_________________
يارب بالمصطفى بلـــغ مقاصدنا واغفر لنا ما مضى ياواســع الكرم
واغفر إلهى لكل المسلمين بما يتلون فى المسجد الأقصى وفي الحرم
بجاه من بيته فى طيبة حرم واسمـــه قسم من أعظم القســم
اللهم استعملنا ولا تستبدلنا بجــــاه سيــــدنـا ومـولانــا رسول الله ﷺ


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
عرض مشاركات سابقة منذ:  مرتبة بواسطة  
إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ مشاركة واحده ] 

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين


الموجودون الآن

المستخدمون المتصفحون لهذا المنتدى: لا يوجد أعضاء مسجلين متصلين و 10 زائر/زوار


لا تستطيع كتابة مواضيع جديدة في هذا المنتدى
لا تستطيع كتابة ردود في هذا المنتدى
لا تستطيع تعديل مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع حذف مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع إرفاق ملف في هذا المنتدى

البحث عن:
الانتقال الى:  
© 2011 www.msobieh.com

جميع المواضيع والآراء والتعليقات والردود والصور المنشورة في المنتديات تعبر عن رأي أصحابها فقط