موقع د. محمود صبيح

منتدى موقع د. محمود صبيح

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين



إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ 22 مشاركة ]  الانتقال إلى صفحة السابق  1, 2
الكاتب رسالة
 عنوان المشاركة: Re: حكم قتل الخوارج في المذاهب الأربعة
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأربعاء إبريل 02, 2014 5:35 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2005 12:40 am
مشاركات: 14348
مكان: مصـــــر المحروسة

الخوارج لغةً :

الخوارج في اللغة:جمع خارج، وخارجي اسم مشتق من الخروج .

[(الخَوَارِجُ) قَوْمٌ (مِن أَهْلِ الأَهْوَاءِ لَهُم مَقَالَةٌ على حِدَةٍ) ، انتهى ، وهم الحَرُورِيَّةُ ، والخَارِجِيَّةُ طائفةٌ منهم ، وهم سَبْعُ طَوَائِفَ ، (سُمُّوا بِه لِخُرُوجِهِمْ عَلَى) ، وفي نسخَة : عن ( النَّاسِ) ، أَو عن الدِّينِ ، أَو عن الحَقَّ ، أَو عن عَلِيَ كَرَّمَ الله وَجْهَه بعدَ صِفِّينَ]( تاج العروس) .

[الخوَارِجُ - خوَارِجُ : الخوَارِجُ : فِرْقةٌ من الفِرَق الإسلامِيَّةِ خرجُوا على الإمام عليٍّ وخالفُوا رأْيه.ويطلق على من خرج عَلى الخلفاءِ ونحوهم.] (المعجم الوسيط)

[خوارج :خوارج : فرقة إسلامية خرجت على الإمام« علي بن أبي طالب في«صفين.خوارج : قوم خارجون على الحاكم.]اهـ (المعجم الرائد).

[خوارج - خَوَارِجُ :[ خ ر ج ] : جَمَاعَةٌ إِسْلاَمِيَّةٌ خَرَجَتْ عَلَى عَلِيٍّ لِرَفْضِهَا التَّحْكِيمَ وَتَفَرَّعَتْ إِلَى فِرَقٍ ، مِنْهَا : فِرْقةُ الأزَارِقَةِ وَالصُّفْرِيَّةِ.]اهـ (المعجم الغني).

[خَوَارجُ :فرقة من الفِرق الإسلاميّة خرجوا على الإمام عليّ (رضي الله عنه)وخالفوا رأيه ، وكانت تعتقد أنّ الولاية ليست وقفًا على قريش ، بل هي حقٌ لخير المسلمين ولو كان عبدًا حبشيًّا،ويُطلق على من خرج على الخلفاء والسلاطين.]اهـ (معجم اللغة العربية المعاصر.)

[خوارج :ومفردها خارجي وهم الخارجون على إمام زمانهم . أيضا الخوارج هم طائفة خرجت على أمير المؤمنين علي عليه السلام بعد معركة صفين بعد التحكيم الذي حصل في قصة مشهورة ، وهم طوائف عدة ومحكوم بكفرهم.]اهـ
(معجم المصطلحات الفقهية.)

الخوارج اصطلاحاً :

اختلف العلماء في التعريف الاصطلاحي للخوارج.

قال الشهرستاني في (الملل والنحل1/114) :[كل من خرج على الإمام الحق الذي اتفقت الجماعة عليه يسمى خارجياً، سواء كان الخروج في أيام الصحابة على الأئمة الراشدين أو كان بعدهم على التابعين لهم بإحسان والأئمة في كل زمان.]اهـ

وقال الأشعري في (مقالات الإسلاميين 1/207):[والسبب الذي سُمّوا له خوارج؛ خروجهم على علي بن أبي طالب.]اهـ

قال ابن حزم في (الفصل 2/113):[الخارجي يلحق كل من أشبه الخارجين على الإمام عليّ أو شاركهم في آرائهم في أي زمن.]اهـ

يَقُول الْجُرْجَانِيُّ في (التعريفات صـ 91): [هُمُ الَّذِينَ يَأْخُذُونَ الْعُشْرَ مِنْ غَيْرِ إِذْنِ السُّلْطَانِ . وَهُمْ فِي الأَْصْل كَانُوا فِي صَفِّ الإِمَامِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْقِتَال ، وَخَرَجُوا عَلَيْهِ لَمَّا قَبِل التَّحْكِيمَ . قَالُوا : لِمَ تُحَكِّمْ وَأَنْتَ عَلَى حَقٍّ.] اهـ

وَيَقُول ابْنُ عَابِدِينَ في (حاشية رد المحتار على الدر المختار شرح تنوير الأبصار [1 / 561] :[قوله (حتى الخوارج) أراد بهم من خرج عن معتقد أهل الحق لا خصوص الفرقة الذين خرجوا على الإمام علي رضي الله تعالى عنه.] اهـ

وَيَقُول أيضاً ابْنُ عَابِدِينَ في (حاشية ابن عابدين3/310) و(البدائع 7 /140) :[إِنَّهُمْ يَرَوْنَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى بَاطِلٍ بِقَبُولِهِ التَّحْكِيمَ ، وَيُوجِبُونَ قِتَالَهُ ، وَيَسْتَحِلُّونَ دِمَاءَ أَهْل الْعَدْل ، وَيَسْبُونَ نِسَاءَهُمْ وَذَرَارِيَّهُمْ ؛ لأَنَّهُمْ فِي نَظَرِهِمْ كُفَّارٌ.]اهـ

قلت وبالله التوفيق :

يظهر لنا مما سبق أن التعريف الجامع المانع الشامل للخوارج هو ما أطلقه الإمام ابن عابدين عندما قال في (حاشية رد المحتار على الدر المختار شرح تنوير الأبصار [1 / 561] :

[قوله (حتى الخوارج) أراد بهم من خرج عن معتقد أهل الحق لا خصوص الفرقة الذين خرجوا على الإمام علي رضي الله تعالى عنه.] اهـ

وما قاله الإمام الشهرستاني في (الملل والنحل1/114) [كل من خرج على الإمام الحق الذي اتفقت الجماعة عليه يسمى خارجياً، سواء كان الخروج في أيام الصحابة على الأئمة الراشدين أو كان بعدهم على التابعين لهم بإحسان والأئمة في كل زمان.]اهـ


_________________
رضينا يا بني الزهرا رضينا
بحبٍ فيكمو يرضي نبينــــا



يا رب

إِن كَانَ لاَ يَرجُوكَ إِلاَّ مُحسِــــنٌ
فَمَن الَّذِى يَدعُو وَيرجو المُجرِمُ


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: حكم قتل الخوارج في المذاهب الأربعة
مشاركة غير مقروءةمرسل: الخميس إبريل 03, 2014 2:21 am 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2005 12:40 am
مشاركات: 14348
مكان: مصـــــر المحروسة

التعريف بمنظري الخوارج ومفكريهم - وكانوا يعرفون قديماً باسم الخوارج القعدة -

يعتقد البعض بأن الخروج يلزمه بروز الخوارج بأنفسهم وأسلحتهم .

بل على العكس تماماً .

فإن أخبث فرق الخوارج هم هؤلاء الذين لا يخرجون بأنفسهم .

أخبث فرق الخوارج هم الذين يحرضون الناس على الخروج ويدفعونهم دفعاً وهم قاعدون .

أخبث فرق الخوارج هم [القعدة] .

القَعَدة لغةً :

- قال المرتضى الزبيدي [1] :

[قعد : (القُعُودُ) ، بالضمّ ، (والمَقْعَدُ) ، بالفتح :(الجُلُوسُ) .
قَعَد يَقْعُد قُعُوداً ومَقْعَداً(وقَعَدَ به : أَقْعَده . والمَقْعَدُ والمَقْعَدَةُ : مَكَانُه) أَي القُعودِ . وكَوْنُ الجُلُوس والقُعود مُترادِفَيْنِ اقتصرَ عليه الجوهريُّ وغيرُه ، (أَو هُوَ) أَي القُعُود (مِنَ القِيَامِ ، والجُلُوسُ مِنَ الضَّجْعَةِ ومِنَ السُّجودِ)(والقِعْدَةُ ، بالكسر : نَوْعٌ منه) ، أَي القُعُودِ ، كالجِلْسَةِ ، يُقَال : قَعَدَ قِعْدَةَ الدُّبِّ ، وثَرِيدَةٌ كقِعْدَةِ الرَّجُلِ . (و) قِعْدَةُ الرَّجُل : (مِقْدَارُ ما أَخَذَه القَاعِدَ مِن المَكَانِ) قعوده . (ويُفْتَح) وفي اللسان : وبالفَتْحِ المَرَّةُ الواحِدَةُ.]اهـ

- [القَعَدةُ . بزيادة الهاءِ ومثله في الأَساس ، وعبارته .وهو من القَعَدَةِ قَوْمٍ من (الخَوَارِج) قَعَدُوا عن نُصْرَةِ عَلَيَ كَرَّمَ الله وَجْهَه و (عن) مُقَاتَلَتِه ، وهو مَجاز . (ومَنْ يَرَى رَأَيَهُمْ) أَي الخوارِجِ (قَعَدِيٌّ) ، مُحَرَّكَةً كَعَرَبِيَ وعَرَبٍ ، وعَجَمِيَ وعَجَمٍ ، وهم يَرَوْنَ التَّحْكِيمَ حَقًّا ، غيرَ أَنّهُمْ قَعَدُوا عَن الخُرُوجِ على الناسِ... القَعَدُ : (الذين لا يَمْضُونَ إِلى القِتَالِ)،وهو اسمٌ للجَمْع ، وبه سُمِّيَ قَعَدُ الحَرُورِيَّة ، ويقال : رَجُلٌ قاعِدٌ عن الغَزْوِ وقَوْمٌ قُعَّادٌ وقاعِدُون ، وعن ابنِ الأَعرابيّ : القَعَدُ : الشُّرَاةُ الذين يُحَكِّمُونَ ولا يُحَارِبُون ، وهو جمعُ قاعدٍ ، كما قالُوا حَرَسٌ وحارِسٌ .]اهـ

- وقال الأزهري [2] :

[قلت: القَعَد جمع قاعدٍ في المعنيين، كما يقال خادمٌ وخَدَم، وحارس وحَرَس. والقَعَدي من الخوارج:الذي يرى رأي القَعَد الذين يَرَون التحكيم حق غير أنهم قعدوا عن الخروج على الناس.]اهـ

القَعَدة اصطلاحاً :

- قال الحافظ ابن حجر [3] :
[القعدية (والقعد الخوارج، كانوا لا يرون الحرب، بل ينكرون على أمراء الجور حسب الطاقة ويدعون إلى رأيهم ويزينون مع ذلك الخروج ويحسنونه .] اهـ

- وقال الحافظ ابن حجر في ترجمة عمران بن حطان [4]:

[تابعي مشهور وكان من رءوس الخوارج من القعدية بفتحتين وهم الذين يحسنون لغيرهم الخروج على المسلمين ولا يباشرون القتال قاله المبرد قال وكان من الصفرية وقيل القعدية لا يرون الحرب وإن كانوا يزينونه.]اهـ

- وقال الإمام الحافظ جلال الدين السيوطي [5]:

[عِمْرَانُ بْنُ حِطَّانَ مِنَ القُعْدِيَّةِ الَّذِينَ يَرَوْنَ الخُرُوجَ عَلَى الأَئِمَّةِ، وَلَا يُبَاشِرُونَ ذَلِكَ.]اهـ

- صفة هذا الصنف من الخوارج :

قال الإمام أحمد [6] :

[قعد الخوارج هم أخبث الخوارج .] اهـ

هامش :

[1] تاج العروس من جواهر القاموس (9 / 44 :46) .
[2] تهذيب اللغة (1 / 53) .
[3] (تهذيب التهذيب8/114) .
[4] الإصابة في تمييز الصحابة (5 /302) .
[5] تدريب الراوي (1/390) .
[6] مسائل أحمد بن حنبل برواية أبي داود (صـ271) .


_________________
رضينا يا بني الزهرا رضينا
بحبٍ فيكمو يرضي نبينــــا



يا رب

إِن كَانَ لاَ يَرجُوكَ إِلاَّ مُحسِــــنٌ
فَمَن الَّذِى يَدعُو وَيرجو المُجرِمُ


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: حكم قتل الخوارج في المذاهب الأربعة
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأحد إبريل 06, 2014 3:29 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2005 12:40 am
مشاركات: 14348
مكان: مصـــــر المحروسة

* تقريرات السادة الأحناف في هذه المسألة - ما عليه العمل في المذهب الحنفي بمقتضى ذلك .

- قال الإمام علاء الدين الكاساني في بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع :[فَصْلٌ وَأَمَّا بَيَانُ أَحْكَامِ الْبُغَاةِ فَالْكَلَامُ فيه في مَوَاضِعَ في تَفْسِيرِ الْبُغَاةِ وفي بَيَانِ ما يَلْزَمُ إمَامَ أَهْلِ الْعَدْلِ عِنْدَ خُرُوجِهِمْ عليه وفي بَيَانِ ما يُصْنَعُ بِهِمْ وَبِأَمْوَالِهِمْ عِنْدَ الظَّفَرِ بِهِمْ وَالِاسْتِيلَاءِ على أَمْوَالِهِمْ وفي بَيَانِ من يَجُوزُ قَتْلُهُ منهم وَمَنْ لَا يَجُوزُ وفي بَيَانِ حُكْمِ إصَابَةِ الدِّمَاءِ وَالْأَمْوَالِ من الطَّائِفَتَيْنِ وفي بَيَانِ ما يُصْنَعُ بِقَتْلَى الطَّائِفَتَيْنِ وفي بَيَانِ حُكْمِ قَضَايَاهُمْ.
أَمَّا تَفْسِيرُ الْبُغَاةِ فَالْبُغَاةُ هُمْ الْخَوَارِجُ وَهُمْ قَوْمٌ من رَأْيِهِمْ أَنَّ كُلَّ ذَنْبٍ كُفْرٌ كَبِيرَةً كانت أو صَغِيرَةً يَخْرُجُونَ على إمَامِ أَهْلِ الْعَدْلِ وَيَسْتَحِلُّونَ الْقِتَالَ وَالدِّمَاءَ وَالْأَمْوَالَ بهذا التَّأْوِيلِ وَلَهُمْ مَنَعَةٌ وَقُوَّةٌ .
وَأَمَّا بَيَانُ ما يَلْزَمُ إمَامَ الْعَدْلِ عِنْدَ خُرُوجِهِمْ فَنَقُولُ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ إنْ عَلِمَ الْإِمَامُ أَنَّ الْخَوَارِجَ يُشْهِرُونَ السِّلَاحَ وَيَتَأَهَّبُونَ لِلْقِتَالِ فَيَنْبَغِي له أَنْ يَأْخُذَهُمْ وَيَحْبِسَهُمْ حتى يُقْلِعُوا عن ذلك وَيُحْدِثُوا تَوْبَةً لِأَنَّهُ لو تَرَكَهُمْ لَسَعَوْا في الْأَرْضِ بِالْفَسَادِ فَيَأْخُذُهُمْ على أَيْدِيهِمْ وَلَا يَبْدَؤُهُمْ الْإِمَامُ بِالْقِتَالِ حتى يبدؤوه ((يبدءوه))لِأَنَّ قِتَالَهُمْ لِدَفْعِ شَرِّهِمْ لَا لِشَرِّ شِرْكِهِمْ لِأَنَّهُمْ مُسْلِمُونَ فما لم يَتَوَجَّهُ الشَّرُّ منهم لَا يُقَاتِلُهُمْ وَإِنْ لم يَعْلَمْ الْإِمَامُ بِذَلِكَ حتى تَعَسْكَرُوا وَتَأَهَّبُوا لِلْقِتَالِ فَيَنْبَغِي له أَنْ يَدْعُوَهُمْ إلَى الْعَدْلِ وَالرُّجُوعِ إلَى رَأْيِ الْجَمَاعَةِ أَوَّلًا لِرَجَاءِ الْإِجَابَةِ وَقَبُولِ الدَّعْوَةِ كما في حَقِّ أَهْلِ الْحَرْبِ.
وَكَذَا رُوِيَ أَنْ سَيِّدَنَا عَلِيًّا رضي اللَّهُ عنه لَمَّا خَرَجَ عليه أَهْلُ حروراء نَدَبَ إلَيْهِمْ عَبْدَ اللَّهِ بن عَبَّاسٍ رضي اللَّهُ عنهما لِيَدْعُوَهُمْ إلَى الْعَدْلِ فَدَعَاهُمْ وناظرهم فَإِنْ أَجَابُوا كَفَّ عَنْهُمْ وَإِنْ أَبَوْا قَاتَلَهُمْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى{فَإِنْ بَغَتْ إحْدَاهُمَا على الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا التي تَبْغِي حتى تَفِيءَ إلَى أَمْرِ اللَّهِ}.
وَكَذَا قَاتَلَ سَيِّدُنَا عَلِيٌّ رضي اللَّهُ عنه أَهْلَ حَرُورَاءَ بِالنَّهْرَوَانِ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ رضي اللَّهُ عَنْهُمْ تَصْدِيقًا لِقَوْلِهِ عليه الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِسَيِّدِنَا عَلِيٍّ إنَّكَ تُقَاتِلُ على التَّأْوِيلِ كما تُقَاتِلُ على التَّنْزِيلِ وَالْقِتَالُ على التَّأْوِيلِ هو الْقِتَالُ مع الْخَوَارِجِ.
وَدَلَّ الْحَدِيثُ على إمَامَةِ سَيِّدِنَا عَلِيٍّ رضي اللَّهُ عنه لِأَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم شَبَّهَ قِتَالَ سَيِّدِنَا عَلِيٍّ رضي اللَّهُ عنه على التَّأْوِيلِ بِقِتَالِهِ على التَّنْزِيلِ وكان رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في قِتَالِهِ بِالتَّنْزِيلِ فَلَزِمَ أَنْ يَكُونَ سَيِّدُنَا عَلِيٌّ مُحِقًّا في قِتَالِهِ بِالتَّأْوِيلِ فَلَوْ لم يَكُنْ إمَامَ حَقٍّ لَمَا كان مُحِقًّا في قِتَالِهِ إيَّاهُمْ وَلِأَنَّهُمْ سَاعُونَ في الْأَرْضِ بِالْفَسَادِ فَيُقْتَلُونَ دَفْعًا لِلْفَسَادِ على وَجْهِ الْأَرْضِ.
وَإِنْ قَاتَلَهُمْ قبل الدَّعْوَةِ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ لِأَنَّ الدَّعْوَةَ قد بَلَغَتْهُمْ لِكَوْنِهِمْ في دَارِ الْإِسْلَامِ وَمِنْ الْمُسْلِمِينَ أَيْضًا.
وَيَجِبُ على كل من دَعَاهُ الْإِمَامُ إلَى قِتَالِهِمْ أَنْ يُجِيبَهُ إلَى ذلك وَلَا يَسَعُهُ التَّخَلُّفُ إذَا كان عِنْدَهُ غنا ((غنى))وَقُدْرَةٌ لِأَنَّ طَاعَةَ الْإِمَامِ فِيمَا ليس بِمَعْصِيَةٍ فَرْضٌ فَكَيْفَ فِيمَا هو طَاعَةٌ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الْمُوَفِّقُ.

وما رُوِيَ عن أبي حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ عنه أَنَّهُ إذَا وَقَعَتْ الْفِتْنَةُ بين الْمُسْلِمِينَ فَيَنْبَغِي لِلرَّجُلِ أَنْ يَعْتَزِلَ الْفِتْنَةَ وَيَلْزَمَ بَيْتَهُ مَحْمُولٌ على وَقْتٍ خَاصٍّ وهو أَنْ لَا يَكُونَ إمَامٌ يدعو ((يدعوه)) إلَى الْقِتَالِ.
وَأَمَّا إذَا كان فَدَعَاهُ يُفْتَرَضُ عليه الْإِجَابَةُ لِمَا ذَكَرْنَا.
وَأَمَّا بَيَانُ ما يُصْنَعُ بِهِمْ وَبِأَمْوَالِهِمْ عِنْدَ الظَّفَرِ بِهِمْ وَالِاسْتِيلَاءِ على أَمْوَالِهِمْ فَنَقُولُ الْإِمَامُ إذَا قَاتَلَ أَهْلَ الْبَغْيِ فَهَزَمَهُمْ وَوَلَّوْا مُدْبِرِينَ فَإِنْ كانت لهم فِئَةٌ يَنْحَازُونَ إلَيْهَا فَيَنْبَغِي لِأَهْلِ الْعَدْلِ أَنْ يَقْتُلُوا مُدْبِرَهُمْ وَيُجْهِزُوا على جَرِيحِهِمْ لِئَلَّا يَتَحَيَّزُوا إلَى الْفِئَةِ فَيَمْتَنِعُوا فيها((بها)) فَيَكُرُّوا على أَهْلِ الْعَدْلِ.
وَأَمَّا أَسِيرُهُمْ فَإِنْ شَاءَ الْإِمَامُ قَتَلَهُ اسْتِئْصَالًا لِشَأْفَتِهِمْ وَإِنْ شَاءَ حَبَسَهُ لِانْدِفَاعِ شَرِّهِ بِالْأَسْرِ وَالْحَبْسِ وَإِنْ لم يَكُنْ لهم فِئَةٌ يَتَحَيَّزُونَ إلَيْهَا لم يَتْبَعْ مُدْبِرَهُمْ ولم يُجْهِزْ على جَرِيحِهِمْ ولم يَقْتُلْ أَسِيرَهُمْ لِوُقُوعِ الْأَمْنِ عن شَرِّهِمْ عِنْدَ انْعِدَامِ الْفِئَةِ.
وَأَمَّا أَمْوَالُهُمْ التي ظَهَرَ أَهْلُ الْعَدْلِ عليها فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَسْتَعِينُوا بِكُرَاعِهِمْ وَسِلَاحِهِمْ على قِتَالِهِمْ كَسْرًا لِشَوْكَتِهِمْ فإذا اسْتَغْنَوْا عنها أَمْسَكَهَا الْإِمَامُ لهم لِأَنَّ أَمْوَالَهُمْ لَا تَحْتَمِلُ التَّمَلُّكَ بِالِاسْتِيلَاءِ لِكَوْنِهِمْ مُسْلِمِينَ وَلَكِنْ يَحْبِسُهَا عَنْهُمْ إلَى أَنْ يَزُولَ بَغْيُهُمْ فإذا زَالَ رَدَّهَا عليهم.
وَكَذَا ما سِوَى الْكُرَاعِ وَالسِّلَاحِ من الْأَمْتِعَةِ لَا يَنْتَفِعُ بِهِ وَلَكِنْ يُمْسَكُ وَيُحْبَسُ عَنْهُمْ إلَى أَنْ يَزُولَ بَغْيُهُمْ فَيُدْفَعَ إلَيْهِمْ لِمَا قُلْنَا.
وَيُقَاتَلُ أَهْلُ الْبَغْيِ بِالْمَنْجَنِيقِ وَالْحَرْقِ وَالْغَرَقِ وَغَيْرِ ذلك مِمَّا يُقَاتَلُ بِهِ أَهْلُ الْحَرْبِ لِأَنَّ قِتَالَهُمْ لَدَفْعِ شَرِّهِمْ وَكَسْرِ شَوْكَتِهِمْ فَيُقَاتَلُونَ بِكُلِّ ما يَحْصُلُ بِهِ ذلك وَلِلْإِمَامِ أَنْ يُوَادِعَهُمْ لِيَنْظُرُوا في أُمُورِهِمْ وَلَكِنْ لَا يَجُوزُ أَنْ يَأْخُذُوا على ذلك مَالًا لِمَا ذَكَرْنَا من قَبْلُ.
وَأَمَّا بَيَانُ من يَجُوزُ قَتْلُهُ منهم وَمَنْ لَا يَجُوزُ فَكُلُّ من لَا يَجُوزُ قَتْلُهُ من أَهْلِ الْحَرْبِ من الصِّبْيَانِ وَالنِّسْوَانِ وَالْأَشْيَاخِ وَالْعُمْيَانِ لَا يَجُوزُ قَتْلُهُ من أَهْلِ الْبَغْيِ لِأَنَّ قَتْلَهُمْ لِدَفْعِ شَرِّ قِتَالِهِمْ فَيَخْتَصُّ بِأَهْلِ الْقِتَالِ وَهَؤُلَاءِ لَيْسُوا من أَهْلِ الْقِتَالِ فَلَا يُقْتَلُونَ إلَّا إذَا قَاتَلُوا فَيُبَاحُ قَتْلُهُمْ في حَالِ الْقِتَالِ وَبَعْدَ الْفَرَاغِ من الْقِتَالِ إلَّا الصِّبْيَانَ وَالْمَجَانِينَ على ما ذَكَرْنَا في حُكْمِ أَهْلِ الْحَرْبِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.
وَأَمَّا الْعَبْدُ الْمَأْسُورُ من أَهْلِ الْبَغْيِ فَإِنْ كان قَاتَلَ مع مَوْلَاهُ يَجُوزُ قَتْلُهُ وَإِنْ كان يَخْدُمُ مَوْلَاهُ لَا يَجُوزُ قَتْلُهُ وَلَكِنْ يُحْبَسُ حتى يَزُولَ بَغْيُهُمْ فَيُرَدُّ عليهم.

وَأَمَّا الْكُرَاعُ فَلَا يُمْسَكُ وَلَكِنَّهُ يُبَاعُ وَيُحْبَسُ ثَمَنُهُ لِمَالِكِهِ لِأَنَّ ذلك أَنْفَعُ له وَلَا يَجُوزُ لِلْعَادِلِ أَنْ يبتدىء بِقَتْلِ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ منه من أَهْلِ الْبَغْيِ مُبَاشَرَةً وإذا أَرَادَ هو قَتْلَهُ له أَنْ يَدْفَعَهُ وَإِنْ كان لَا يَنْدَفِعُ إلَّا بِالْقَتْلِ فَيَجُوزُ له أَنْ يَتَسَبَّبَ لِيَقْتُلَهُ غَيْرُهُ بِأَنْ يَعْقِرَ دَابَّتَهُ لِيَتَرَجَّلَ فَيَقْتُلَهُ غَيْرُهُ بِخِلَافِ أَهْلِ الْحَرْبِ فإنه يَجُوزُ قَتْلُ سَائِرِ ذَوِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ منه مُبَاشَرَةً وَتَسَبُّبًا ابْتِدَاءً إلَّا الْوَالِدَيْنِ.
وَوَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّ الشِّرْكَ في الْأَصْلِ مُبِيحٌ لِعُمُومِ قَوْلِهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} إلَّا أَنَّهُ خُصَّ منه الْأَبَوَانِ بِنَصٍّ خَاصٍّ حَيْثُ قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى{ وَصَاحِبْهُمَا في الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} فَبَقِيَ غَيْرُهُمَا على عُمُومِ النَّصِّ بِخِلَافِ أَهْلِ الْبَغْيِ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ في الْأَصْلِ عَاصِمٌ لِقَوْلِهِ عليه السلام ((وسلم)) فإذا قَالُوهَا عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَالْبَاغِي مُسْلِمٌ إلَّا أَنَّهُ أُبِيحَ قَتْلُ غَيْرِ ذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ من أَهْلِ الْبَغْيِ دَفْعًا لِشَرِّهِمْ لَا لِشَوْكَتِهِمْ وَدَفْعُ الشَّرِّ يَحْصُلُ بِالدَّفْعِ وَالتَّسْبِيبِ لِيَقْتُلَهُ غَيْرُهُ فَبَقِيَتْ الْعِصْمَةُ عَمَّا وَرَاءَ ذلك بِالدَّلِيلِ الْعَاصِمِ...وَأَمَّا بَيَانُ ما يُصْنَعُ بِقَتْلَى الطَّائِفَتَيْنِ فَنَقُولُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ أَمَّا قَتْلَى أَهْلِ الْعَدْلِ فَيُصْنَعُ بِهِمْ ما يُصْنَعُ بِسَائِرِ الشُّهَدَاءِ لَا يُغَسَّلُونَ وَيُدْفَنُونَ في ثِيَابِهِمْ وَلَا يُنْزَعُ عَنْهُمْ إلَّا ما لَا يَصْلُحُ كَفَنًا وَيُصَلَّى عليهم لِأَنَّهُمْ شُهَدَاءُ لِكَوْنِهِمْ مَقْتُولِينَ ظُلْمًا.
وقد رُوِيَ أَنَّ زَيْدَ بن صرحان (( صوحان)) الْيَمَنِيَّ كان يوم الْجَمَلِ تَحْتَ رَايَةِ سَيِّدِنَا عَلِيٍّ رضي اللَّهُ عنهما فَأَوْصَى في رَمَقِهِ لَا تنزعوا عني ثَوْبًا وَلَا تَغْسِلُوا عَنِّي دَمًا وَارْمُسُونِي في التراث ((التراب)) رَمْسًا فَإِنِّي رَجُلٌ مُحَاجٌّ أُحَاجُّ يوم الْقِيَامَةِ.
وَأَمَّا قَتْلَى أَهْلِ البغى فَلَا يصلي عليهم لِأَنَّهُ رُوِيَ أَنَّ سَيِّدَنَا عَلِيًّا رضي اللَّهُ عنه ما صلى على أَهْلِ حَرُورَاءَ وَلَكِنَّهُمْ يُغَسَّلُونَ وَيُكَفَّنُونَ وَيُدْفَنُونَ لِأَنَّ ذلك من سُنَّةِ مَوْتَى بَنِي سَيِّدِنَا آدَمَ عليه السلام. وَيُكْرَهُ أَنْ تُؤْخَذَ رؤوسهم وَتُبْعَثَ إلَى الْآفَاقِ.
وَكَذَلِكَ رؤوس أَهْلِ الْحَرْبِ لِأَنَّ ذلك من بَابِ الْمُثْلَةِ وأنه مَنْهِيٌّ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم لَا تُمَثِّلُوا فَيُكْرَهُ إلَّا إذَا كان في ذلك وَهَنٌ لهم فَلَا بَأْسَ بِهِ لِمَا رُوِيَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بن مَسْعُودٍ رضي اللَّهُ عنه جَزَّ رَأْسَ أبي جَهْلٍ عليه اللَّعْنَةُ يوم بَدْرٍ وَجَاءَ بِهِ إلَى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فقال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم إنَّ أَبَا جَهْلٍ كان فِرْعَوْنَ هذه الْأُمَّةِ ولم يُنْكِرْ عليه
.]اهـ مختصراً

- قال الإمام فخر الدين عثمان بن علي الزيلعي في تبين الحقائق شرح كنز الدقائق :[(بَابُ الْبُغَاةِ) قال رَحِمَهُ اللَّهُ (خَرَجَ قَوْمٌ مُسْلِمُونَ عن طَاعَةِ الْإِمَامِ وَغَلَبُوا على بَلَدٍ دَعَاهُمْ إلَيْهِ) أَيْ إلَى الْعَوْدِ إلَى الْجَمَاعَةِ (وَكَشَفَ شُبْهَتَهُمْ) لِأَنَّ عَلِيًّا رضي اللَّهُ عنه بَعَثَ عَبْدَ اللَّهِ بن عَبَّاسٍ رضي اللَّهُ عنهما إلَى أَهْلِ حَرُورَاءَ فَدَعَاهُمْ إلَى التَّوْبَةِ وَنَاظَرَهُمْ قبل قِتَالِهِمْ وَلِأَنَّهُ تُرْجَى تَوْبَتُهُمْ وَلَعَلَّ الشَّرَّ يَنْدَفِعُ بِالتَّذْكِرَةِ كما قال اللَّهُ تَعَالَى {وَذَكِّرْ فإن الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ}وهو أَهْوَنُ فَيَبْدَأُ بِهِ وَهَذِهِ الدَّعْوَةُ لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ لِأَنَّهُمْ قد عَلِمُوا لِمَاذَا يُقَاتِلُونَ فَصَارُوا كَالْمُرْتَدِّينَ وَأَهْلِ الْحَرْبِ الَّذِينَ بَلَغَتْهُمْ الدَّعْوَةُ وَلِهَذَا يَجُوزُ قِتَالُهُمْ بِكُلِّ ما يُقَاتَلُ بِهِ أَهْلُ الْحَرْبِ كَالرَّمْيِ بِالنَّبْلِ وَالْمَنْجَنِيقِ وَإِرْسَالِ الْمَاءِ وَالنَّارِ عليهم لِأَنَّ قِتَالَهُمْ فَرْضٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى{فَقَاتِلُوا التي تَبْغِي حتى تَفِيءَ إلَى أَمْرِ اللَّهِ}فَصَارَ قِتَالُهُمْ كَقِتَالِ أَهْلِ الْحَرْبِ .
قال رَحِمَهُ اللَّهُ(وَبَدَأَ بِقِتَالِهِمْ) يَعْنِي إذَا تَحَيَّزُوا وَتَهَيَّئُوا لِلْقِتَالِ وَاجْتَمَعُوا له هَكَذَا ذَكَرَ الشَّيْخُ الْمَعْرُوفُ بِخُوَاهَرْ زَادَهْ وهو الْمَذْهَبُ عِنْدَنَا وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ في مُخْتَصَرِهِ لَا نَبْدَؤُهُمْ بِقِتَالٍ حتى يَبْدَؤُهُ وهو قَوْلُ الشَّافِعِيِّ رضي اللَّهُ عنه لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ قَتْلُ الْمُسْلِمِ إلَّا دَفْعًا هُمْ مُسْلِمُونَ بِخِلَافِ الْكُفَّارِ فإن نَفْسَ الْكُفْرِ مُبِيحٌ عِنْدَهُ وَلَنَا ما تَلَوْنَا من غَيْرِ قَيْدٍ بِالْبِدَايَةِ منهم وَقَوْلُ عَلِيٍّ رضي اللَّهُ عنه سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم يقول {سَيَخْرُجُ قَوْمٌ في آخِرِ الزَّمَانِ حِدَاثُ الْأَسْنَانِ سُفَهَاءُ الْأَحْلَامِ يَقُولُونَ من قَوْلِ خَيْرِ الْبَرِّيَّةِ لَا يُجَاوِزُ إيمَانُهُمْ حَنَاجِرَهُمْ يَمْرُقُونَ من الدِّينِ كما يَمْرُقُ السَّهْمُ من الرَّمِيَّةِ فَأَيْنَمَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ فإن في قَتْلِهِمْ أَجْرًا لِمَنْ قَتَلَهُمْ يوم الْقِيَامَةِ} رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالْبُخَارِيُّ وَلِأَنَّ الْحُكْمَ يُدَارُ على دَلِيلِهِ وهو ما ذَكَرْنَا من التَّحَيُّزِ وَالتَّهَيُّؤِ فَلَوْ انْتَظَرَ حَقِيقَةَ قِتَالِهِمْ لَصَارَ ذَرِيعَةً لِتَقْوِيَتِهِمْ فَلَعَلَّهُ لَا يُمْكِنُ دَفْعُهُمْ فَيُدَارُ الْحُكْمُ على الدَّلِيلَ ضَرُورَةَ دَفْعِ شَرِّهِمْ وَلِأَنَّهُمْ بِالْخُرُوجِ على الْإِمَامِ صَارُوا عُصَاةً فَجَازَ قِتَالُهُمْ إلَى أَنْ يُقْلِعُوا عن ذلك بَلْ وَجَبَ لِمَا تَلَوْنَا, وما رُوِيَ عن عَلِيٍّ رضي اللَّهُ عنه من قَوْلِهِ في الْخَوَارِجِ لَنْ نُقَاتِلَكُمْ حتى تُقَاتِلُونَا مَعْنَاهُ حتى تَعْزِمُوا على قِتَالِنَا بِدَلِيلِ ما رَوَيْنَا عنه عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَلَوْ أَمْكَنَ دَفْعُ شَرِّهِمْ بِالْحَبْسِ بَعْدَ ما تَأَهَّبُوا فَعَلَ ذلك وَلَا نُقَاتِلُهُمْ لِأَنَّهُ أَمْكَنَ دَفْعُ شَرِّهِمْ بِأَهْوَنَ منه وَالْجِهَادُ مَعَهُمْ وَاجِبٌ بِقَدْرِ ما يَنْدَفِعُ بِهِ شَرُّهُمْ وَالْمَرْوِيُّ عن أبي حَنِيفَةَ من لُزُومِ الْبَيْتِ مَحْمُولٌ على عَدَمِ الْإِمَامِ وَأَمَّا إعَانَةُ الْإِمَامِ من الْوَاجِبَاتِ عِنْدَ الْقُدْرَةِ وما رُوِيَ عن ابْنِ عُمَرَ مع جَمَاعَةٍ من الصَّحَابَةِ رضي اللَّهُ عَنْهُمْ من الْقُعُودِ عن الْفِتْنَةِ مَحْمُولٌ على أَنَّهُمْ كَانُوا عَاجِزِينَ.
قال رَحِمَهُ اللَّهُ (وَلَوْ لهم فِئَةٌ أُجْهِزَ على جَرِيحِهِمْ وَاتَّبَعَ مُوَلِّيهِمْ) لِأَنَّ الْمَقْصُودَ من قِتَالِهِمْ دَفْعُ شَرِّهِمْ وَذَلِكَ بِمَا ذَكَرْنَا لِأَنَّهُمْ يَرْجِعُونَ إلَى جَمَاعَتِهِمْ فَيَعُودُونَ حَرْبًا عَلَيْنَا ولم يَحْصُلْ بِذَلِكَ رُجُوعُهُمْ إلَى الْجَمَاعَةِ وهو الْمَقْصُودُ قال اللَّهُ تَعَالَى{فَقَاتِلُوا التي تَبْغِي حتى تَفِيءَ إلَى أَمْرِ اللَّهِ}.
قال رَحِمَهُ اللَّهُ (وَإِلَّا لَا) أَيْ إنْ لم تَكُنْ لهم فِئَةٌ لَا يُجْهِزُ على جَرِيحِهِمْ وَلَا يَتَّبِعُ مُوَلِّيهِمْ لِمَا رُوِيَ عن مَرْوَانَ بن الْحَكَمِ أَنَّهُ قال صَرَخَ صَارِخٌ لِعَلِيٍّ يوم الْجَمَلِ لَا يُقْتَلَنَّ مُدْبِرٌ وَلَا يُذَفَّفُ على جَرِيحٍ وَمَنْ أَغْلَقَ بَابَهُ فَهُوَ آمِنٌ وَمَنْ أَلْقَى السِّلَاحَ فَهُوَ آمِنٌ رَوَاهُ سَعِيدٌ وَيَوْمَ الْجَمَلِ لم تَكُنْ لهم فِئَةٌ وَلِأَنَّ قَتْلَهُمْ كان لِدَفْعِ شَرِّهِمْ وقد انْدَفَعَ بِدُونِهِ فَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يُقْتَلُ في الْوَجْهَيْنِ بِنَاءً على ما بَيَّنَّا من أَصْلِهِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ قَتْلُهُمْ إلَّا دَفْعًا وَلَا دَفْعَ في قَتْلِهِ بَعْدَ ما تَرَكَ الْقِتَالَ وَنَحْنُ نَقُولُ الْحُكْمُ يُدَارُ على الدَّلِيلِ لَا على حَقِيقَةِ الْقِتَالِ على ما بَيَّنَّا.

قال رَحِمَهُ اللَّهُ(ولم تُسْبَ ذُرِّيَّتُهُمْ وَحُبِسَ أَمْوَالُهُمْ حتى يَتُوبُوا) لِقَوْلِ عَلِيٍّ رضي اللَّهُ عنه يوم الْجَمَلِ لَا يُقْتَلُ أَسِيرٌ وَلَا يُكْشَفُ سِتْرٌ وَلَا يُؤْخَذُ مَالٌ وهو الْقُدْوَةُ في هذا الْبَابِ وَقَوْلُهُ لَا يُقْتَلُ أَسِيرٌ يَعْنِي إذَا لم تَكُنْ لهم فِئَةٌ وَإِنْ كان لهم فِئَةٌ فَالْإِمَامُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ قَتَلَهُ لِئَلَّا يَنْفَلِتَ وَيَلْحَقَ بِهِمْ وَإِنْ شَاءَ حَبَسَهُ لِأَنَّ شَرَّهُ يَنْدَفِعُ بِهِ.]اهـ

- قال الإمام محمد بن أبي بكر بن عبد القادر الرازي في تحفة الملوك :[(فصل الخوارج وأحكامهم) والخوارج يدعون إلى الإمام وتكشف شبهتهم لا يبدؤهم الإمام بقتال حتى يبدأوا به أو يجتمعوا له وعند ذلك يقاتلهم حتى يفرقهم فإن كانت لهم فئة أجهز على جريحهم وأتبع موليهم وإلا فلا ولا تسبى ذراريهم ولا تغنم أموالهم.
(أسلحة الخوارج ومعاملتهم) ويجوز القتال بأسلحتهم وركوب خيلهم عند الحاجة ويحبس الإمام أموالهم حتى يتوبوا فيردها عليهم.]اهـ

- قال الإمام إبن نجيم في البحر الرائق شرح كنز الدقائق:[الْبَاغِي في عُرْفِ الْفُقَهَاءِ الْخَارِجُ عن الْإِمَامِ الْحَقِّ تَسَاهُلٌ لِمَا عَلِمْت أَنَّهُ في اللُّغَةِ أَيْضًا وَالْخَارِجُونَ عن طَاعَتِهِ ثَلَاثَةٌ قُطَّاعُ الطَّرِيقِ وقد عُلِمَ حُكْمُهُمْ وَخَوَارِجُ وَبُغَاةٌ وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا في فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّ الْخَوَارِجَ قَوْمٌ لهم مَنَعَةٌ وَحَمِيَّةٌ خَرَجُوا عليه بِتَأْوِيلٍ يَرَوْنَ أَنَّهُ على بَاطِلٍ كُفْرٍ أو مَعْصِيَةٍ تُوجِبُ قِتَالَهُ بِتَأْوِيلِهِمْ يَسْتَحِلُّونَ دِمَاءَ الْمُسْلِمِينَ وَأَمْوَالَهُمْ وَيَسْبُونَ نِسَاءَهُمْ وَيُكَفِّرُونَ أَصْحَابَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَحُكْمُهُمْ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ وَالْمُحَدِّثِينَ حُكْمُ الْبُغَاةِ وَذَهَبَ بَعْضُ الْمُحَدِّثِينَ إلَى كُفْرِهِمْ.
قال ابن الْمُنْذِرِ لَا أَعْلَمُ أَحَدًا وَافَقَ أَهْلَ الحديث على تَكْفِيرِهِمْ وَهَذَا يَقْتَضِي نَقْلَ إجْمَاعِ الْفُقَهَاءِ .
وَذُكِرَ في الْمُحِيطِ أَنَّ بَعْضَ الْفُقَهَاءِ لَا يُكَفِّرُ أَحَدًا من أَهْلِ الْبِدَعِ وَبَعْضُهُمْ يُكَفِّرُونَ بَعْضَ أَهْلِ الْبِدَعِ وهو من خَالَفَ بِبِدْعَتِهِ دَلِيلًا قَطْعِيًّا وَنَسَبَهُ إلَى أَكْثَرِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالنَّقْلُ الْأَوَّلُ أَثْبَتُ .
نعم يَقَعُ في كَلَامِ أَهْلِ الْمَذَاهِبِ تَكْفِيرُ كَثِيرٍ لَكِنْ ليس من كَلَامِ الْفُقَهَاءِ الَّذِينَ هُمْ الْمُجْتَهِدُونَ بَلْ من غَيْرِهِمْ وَلَا عِبْرَةَ بِغَيْرِ الْفُقَهَاءِ وَالْمَنْقُولُ عن الْمُجْتَهِدِينَ ما ذَكَرْنَا وابن الْمُنْذِرِ أَعْرَفُ بِنَقْلِ مَذَاهِبِ الْمُجْتَهِدِينَ وما ذَكَرَهُ محمد بن الْحَسَنِ من حديث الْحَضْرَمِيِّ يَدُلُّ على عَدَمِ تَكْفِيرِ الْخَوَارِجِ .
وَأَمَّا الْبُغَاةُ فَقَوْمٌ مُسْلِمُونَ خَرَجُوا على الْإِمَامِ الْعَدْلِ ولم يَسْتَبِيحُوا ما اسْتَبَاحَهُ الْخَوَارِجِ من دِمَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَسَبْيِ ذَرَارِيِّهِمْ اهـ
فما في الْبَدَائِعِ من تَفْسِيرِ الْبُغَاةِ بِالْخَوَارِجِ فيه قُصُورٌ وَإِنَّمَا لَا نُكَفِّرُ الْخَوَارِجَ بِاسْتِحْلَالِ الدِّمَاءِ وَالْأَمْوَالِ لِتَأْوِيلِهِمْ وَإِنْ كان بَاطِلًا بِخِلَافِ الْمُسْتَحِلِّ بِلَا تَأْوِيلٍ.
قَوْلُهُ (خَرَجَ قَوْمٌ مُسْلِمُونَ عن طَاعَةِ الْإِمَامِ وَغَلَبُوا على بَلَدٍ دَعَاهُمْ إلَيْهِ وَكَشَفَ شُبْهَتَهُمْ) بِأَنْ يَسْأَلَهُمْ عن سَبَبِ خُرُوجِهِمْ فَإِنْ كان لِظُلْمٍ منه أَزَالَهُ وَإِنْ قالوا الْحَقُّ مَعَنَا وَالْوِلَايَةُ لنا فَهُمْ بُغَاةٌ لِأَنَّ عَلِيًّا رضي اللَّهُ عنه فَعَلَ ذلك بِأَهْلِ حَرُورَاءَ قبل قِتَالِهِمْ وَلِأَنَّهُ أَهْوَنُ الْأَمْرَيْنِ وَلَعَلَّ الشَّرَّ يَنْدَفِعُ بِهِ فَيَبْدَأُ بِهِ اسْتِحْبَابًا لَا وُجُوبًا فإن أَهْلَ الْعَدْلِ لو قَاتَلُوهُمْ من غَيْرِ دَعْوَةٍ إلَى الْعَوْدِ إلَى الْجَمَاعَةِ لم يَكُنْ عليهم شَيْءٌ لِأَنَّهُمْ عَلِمُوا ما يُقَاتِلُونَ عليه فَحَالُهُمْ كَالْمُرْتَدِّينَ وَأَهْلِ الْحَرْبِ بَعْدَ بُلُوغِ الدَّعْوَةِ كَذَا في الْعِنَايَةِ .
فَلَوْ أَبْدَوْا ما يُجَوِّزُ لهم الْقِتَالَ كَأَنْ ظَلَمَهُمْ أو ظَلَمَ غَيْرَهُمْ ظُلْمًا لَا شُبْهَةَ فيه لَا يَكُونُونَ بُغَاةً وَلَا يَجُوزُ مُعَاوَنَةُ الْإِمَامِ عليهم حتى يَجِبَ على الْمُسْلِمِينَ أَنْ يُعِينُوهُمْ حتى يُنْصِفَهُمْ وَيَرْجِعَ عن جَوْرِهِمْ بِخِلَافِ ما إذَا كان الْحَالُ مُشْتَبِهًا أَنَّهُ ظُلْمٌ مِثْلَ تَحْمِيلِ بَعْضِ الْجِبَايَاتِ التي لِلْإِمَامِ أَخْذُهَا وَإِلْحَاقِ الضَّرَرِ بها لِدَفْعِ ضَرَرٍ أَعَمَّ منه كَذَا في فَتْحِ الْقَدِيرِ.
قَيَّدَ بِإِسْلَامِهِمْ لِأَنَّ أَهْلَ الذِّمَّةِ إذَا غَلَبُوا على مَوْضِعٍ لِلْحِرَابِ صَارُوا أَهْلَ حَرْبٍ كما قَدَّمْنَاهُ لَكِنْ لو اسْتَعَانَ أَهْلُ الْبَغْيِ بِأَهْلِ الذِّمَّةِ فَقَاتَلُوا مَعَهُمْ لم يَكُنْ ذلك منهم نَقْضًا لِلْعَهْدِ كما أَنَّ هذا الْفِعْلَ من أَهْلِ الْبَغْيِ ليس نَقْضًا لِلْإِيمَانِ فَحُكْمُهُمْ حُكْمُ الْبُغَاةِ كَذَا في فَتْحِ الْقَدِيرِ يَعْنِي بِالتَّبَعِيَّةِ لِلْمُسْلِمِينَ فَلَا يَرُدُّ على التَّقْيِيدِ بِالْإِسْلَامِ .
وَالْمُرَادُ بِالْإِمَامِ السُّلْطَانُ أو نَائِبُهُ.
قال في الْخَانِيَّةِ من السِّيَرِ قال عُلَمَاؤُنَا السُّلْطَانُ من يَصِيرُ سُلْطَانًا بِأَمْرَيْنِ بِالْمُبَايَعَةِ معه وَيُعْتَبَرُ في الْمُبَايَعَةِ أَشْرَافُهُمْ وَأَعْيَانُهُمْ وَالثَّانِي أَنْ يَنْفُذَ حُكْمُهُ في رَعِيَّتِهِ خَوْفًا من قَهْرِهِ وَجَبَرُوتِهِ فَإِنْ بَايَعَ الناس ولم يَنْفُذْ حُكْمُهُ فِيهِمْ لِعَجْزِهِ عن قَهْرِهِمْ لَا يَصِيرُ سُلْطَانًا فإذا صَارَ سُلْطَانًا بِالْمُبَايَعَةِ فجار ((فجاز)) إنْ كان له قَهْرٌ وَغَلَبَةٌ لَا يَنْعَزِلُ لِأَنَّهُ لو انْعَزَلَ يَصِيرُ سُلْطَانًا بِالْقَهْرِ وَالْغَلَبَةِ فَلَا يُفِيدُ وَإِنْ لم يَكُنْ له قَهْرٌ وَغَلَبَةٌ يَنْعَزِلُ
اهـ
وَقَيَّدَ بِغَلَبَتِهِمْ على بَلَدٍ لِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ حُكْمُ الْبَغْيِ ما لم ينغلبوا ((يتغلبوا)) وَيَجْتَمِعُوا وَيَصِيرُ لهم مَنَعَةٌ كَذَا في الْمُحِيطِ.
ولم يُقَيِّدْ الْمُصَنِّفُ الْإِمَامَ بِالْعَادِلِ وَقَيَّدَهُ في فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنْ يَكُونَ الناس بِهِ في أَمَانٍ وَالطُّرُقَاتُ آمِنَةٌ.
قَوْلُهُ (وَبَدَأَ بِقِتَالِهِمْ) يَعْنِي إذَا تَعَسْكَرُوا وَاجْتَمَعُوا وهو اخْتِيَارٌ لِمَا نَقَلَهُ خواهر زاده عن أَصْحَابِنَا أَنَّا نَبْدَؤُهُمْ قبل أَنْ يَبْدَؤُنَا لِأَنَّ الْحُكْمَ يُدَارُ على الدَّلِيلِ وهو الِاجْتِمَاعُ وَالِامْتِنَاعُ.
وَهَذَا لِأَنَّهُ لو انْتَظَرَ الْإِمَامُ حَقِيقَةَ قِتَالِهِمْ رُبَّمَا لَا يُمْكِنُهُ الدَّفْعُ فَيُدَارُ على الدَّلِيلِ ضَرُورَةَ دَفْعِ شَرِّهِمْ .
وَنَقَلَ الْقُدُورِيُّ أَنَّهُ لَا يَبْدَؤُهُمْ حتى يَبْدَؤُهُ فَإِنْ بَدْؤُهُ قَاتَلَهُمْ حتى يُفَرِّقَ جَمْعَهُمْ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ الْمَذْهَبَ الْأَوَّلَ.
وفي الْبَدَائِعِ يَجِبُ على كل من دَعَاهُمْ الْإِمَامُ إلَى قِتَالِهِمْ أَنْ يُجِيبَ وَلَا يَسَعُهُمْ التَّخَلُّفُ إذَا كان له غِنًى وَقُدْرَةٌ لِأَنَّ طَاعَةَ الْإِمَامِ فِيمَا ليس بِمَعْصِيَةٍ فَرْضٌ فَكَيْفَ فِيمَا هو طَاعَةٌ وما عن أبي حَنِيفَةَ من الِاعْتِزَالِ في الْفِتْنَةِ وَلُزُومِ الْبَيْتِ مَحْمُولٌ على ما إذَا لم يَدْعُهُ أَمَّا إذَا أدعاه ((دعاه)) الْإِمَامُ فَالْإِجَابَةُ فَرْضٌ
اهـ
وَأَمَّا تَخَلُّفُ بَعْضِ الصَّحَابَةِ رضي اللَّهُ عَنْهُمْ عنها فَمَحْمُولٌ على أَنَّهُ لم يَكُنْ لهم قُدْرَةٌ وَرُبَّمَا كان بَعْضُهُمْ في تَرَدُّدٍ من حِلِّ الْقِتَالِ وما رُوِيَ إذَا الْتَقَى الْمُؤْمِنَانِ بِسُيُوفِهِمَا فَالْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ في النَّارِ مَحْمُولٌ على اقْتِتَالِهِمَا حَمِيَّةً وَعَصَبَةً كما يُتَّفَقُ بين أَهْلِ قَرْيَتَيْنِ أو مَحَلَّتَيْنِ أو لِأَجْلِ الدُّنْيَا وَالْمَمْلَكَةِ كَذَا في فَتْحِ الْقَدِيرِ.
وفي الْمُحِيطِ طَلَبَ أَهْلُ الْبَغْيِ الْمُوَادَعَةَ أَجِيبُوا إنْ كان خَيْرًا لِلْمُسْلِمِينَ كما في أَهْلِ الْحَرْبِ وَلَا يُؤْخَذُ منهم شَيْءٌ فَلَوْ أَخَذْنَا منهم رُهُونًا وَأَخَذُوا مِنَّا رُهُونًا ثُمَّ غَدَرُوا بِنَا وَقَتَلُوا رُهُونَنَا لَا يَنْبَغِي لنا أَنْ نَقْتُلَ رُهُونَهُمْ لِأَنَّ الرُّهُونَ صَارُوا آمِنِينَ في أَيْدِينَا وَشَرْطُ إبَاحَةِ دَمِهِمْ بَاطِلٌ وَلَكِنَّهُمْ يُحْبَسُونَ إلَى أَنْ يَهْلَكَ أَهْلُ الْبَغْيِ أو يَتُوبُوا وَكَذَلِكَ أَهْلُ الشِّرْكِ إذَا فَعَلُوا بِرُهُونِنَا ذلك لَا نَفْعَلُ بِرُهُونِهِمْ فَيُجْبَرُونَ على الْإِسْلَامِ أو يَصِيرُوا ذِمَّةً.
وفي الْهِدَايَةِ وإذا بَلَغَهُ أَنَّهُمْ يَشْتَرُونَ السِّلَاحَ وَيَتَأَهَّبُونَ لِلْقِتَالِ يَنْبَغِي أَنْ يَأْخُذَهُمْ وَيَحْبِسَهُمْ حتى يُقْلِعُوا عن ذلك وَيُحْدِثُوا تَوْبَةً دَفْعًا لِلشَّرِّ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ.
قَوْلُهُ (وَلَوْ لهم فِئَةٌ أَجْهَزَ على جَرِيحِهِمْ واتبع مُوَلِّيَهُمْ وَإِلَّا لَا) أَيْ وَإِنْ لم يَكُنْ لهم فِئَةٌ لَا يُجْهَزُ على الْجَرِيحِ وَلَا يُتْبَعُ الْمُوَلَّى لِدَفْعِ شَرِّهِمْ بِالْأَوَّلِ كيلا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَلِانْدِفَاعِ الشَّرِّ دُونَهُ في الثَّانِي وَالْفِئَةُ الطَّائِفَةُ وَالْجَمْعُ فُئُونٌ وَفِئَاتٌ.
وَجَهَزَ على الْجَرِيحِ كَمَنَعَ وَأَجْهَزَ ثَبَّتَ قَتْلَهُ وَأَسْرَعَهُ وَتَمَّمَ عليه وَمَوْتٌ مُجْهَزٌ وَجَهِيزٌ سَرِيعٌ كَذَا في الْقَامُوسِ.
واتبع على الْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ لِلْقَتْلِ وَالْأَسْرِ وَمُوَلِّيَهُمْ بِالنَّصْبِ مَفْعُولٌ ثَانٍ وهو اسْمُ فَاعِلٍ من ولي تَوْلِيَةً أَدْبَرَ كَتَوَلَّى ولم يذكر حُكْمَ أسيرهم ((أسرهم )).
وفي الْبَدَائِعِ إنْ شَاءَ الْإِمَامُ قَتَلَهُ وَإِنْ شَاءَ حَبَسَهُ لِانْدِفَاعِ شَرِّهِ بِهِ.
وَيُقَاتَلُ أَهْلُ الْبَغْيِ بِالْمَنْجَنِيقِ وَالْغَرَقِ وَغَيْرِ ذلك كَأَهْلِ الْحَرْبِ وَكُلُّ من لَا يَجُوزُ قَتْلُهُ من أَهْلِ الْحَرْبِ من النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ وَالشُّيُوخِ وَالْعُمْيَانِ لَا يَجُوزُ قَتْلُهُ من أَهْلِ الْبَغْيِ إلَّا إذَا قَاتَلُوا فَيُقْتَلُونَ حَالَ الْقِتَالِ وَبَعْدَ الْفَرَاغِ إلَّا الصِّبْيَانَ وَالْمَجَانِينِ
.]اهـ

- قال الإمام محمد جمال الدين الرومي البابرتي في العناية شرح الهداية :[وَإِذَا تَغَلَّبَ قَوْمٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ عَلَى بَلَدٍ وَخَرَجُوا مِنْ طَاعَةِ الْإِمَامِ دَعَاهُمْ إلَى الْعَوْدِ إلَى الْجَمَاعَةِ وَكَشَفَ عَنْ شُبْهَتِهِمْ ) وَذَلِكَ بِطَرِيقِ الِاسْتِحْبَابِ ، فَإِنَّ أَهْلَ الْعَدْلِ لَوْ قَاتَلُوا مِنْ غَيْرِ دَعْوَةٍ إلَى الْعَوْدِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِمْ شَيْءٌ لِأَنَّهُمْ عَلِمُوا مَا يُقَاتِلُونَ عَلَيْهِ .
فَحَالُهُمْ فِي ذَلِكَ كَحَالِ الْمُرْتَدِّينَ وَأَهْلِ الْحَرْبِ الَّذِينَ بَلَغَتْهُمْ الدَّعْوَةُ
( لِأَنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَعَلَ ذَلِكَ بِأَهْلِ حَرُورَاءَ ) بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ مَمْدُودًا وَمَقْصُورًا : قَرْيَةٌ بِالْكُوفَةِ كَانَ بِهَا أَوَّلُ تَحْكِيمِ الْخَوَارِجِ وَاجْتِمَاعُهُمْ بِسَبَبِ تَحْكِيمِ عَلِيٍّ أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ مُعَاوِيَةَ قَائِلِينَ إنَّ الْقِتَالَ وَاجِبٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي} الْآيَةَ .
وَعَلَى تَرْكِ الْقِتَالِ بِالتَّحْكِيمِ وَهُوَ كُفْرٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى{وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ} وَذَلِكَ أَنَّهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنْفَذَ ابْنَ عَبَّاسٍ لِيَكْشِفَ شُبْهَتَهُمْ وَيَدْعُوَهُمْ إلَى الْعَوْدِ ، فَلَمَّا ذَكَرُوا شُبْهَتَهُمْ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا هَذِهِ الْحَادِثَةُ لَيْسَتْ بِأَدْنَى مِنْ بَيْضِ حَمَامٍ ، وَفِيهِ التَّحْكِيمُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى{يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} فَكَانَ تَحْكِيمُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مُوَافِقًا لِلنَّصِّ فَأَلْزَمَهُمْ الْحُجَّةَ ، فَتَابَ الْبَعْضُ وَأَصَرَّ الْبَعْضُ ، وَكَلَامُهُ وَاضِحٌ .
(وَلَا يَبْدَأُ بِقِتَالٍ حَتَّى يَبْدَءُوهُ ، فَإِنْ بَدَءُوهُ قَاتَلَهُمْ حَتَّى يُفَرِّقَ جَمْعَهُمْ) قَالَ الْعَبْدُ الضَّعِيفُ: هَكَذَا ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ .
وَذَكَرَ الْإِمَامُ الْمَعْرُوفُ بِخُوَاهَرْ زَادَهْ أَنَّ عِنْدَنَا يَجُوزُ أَنْ يَبْدَأَ بِقِتَالِهِمْ إذَا تَعَسْكَرُوا وَاجْتَمَعُوا
.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : لَا يَجُوزُ حَتَّى يَبْدَءُوا بِالْقِتَالِ حَقِيقَةً ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ قَتْلُ الْمُسْلِمِ إلَّا دَفْعًا وَهُمْ مُسْلِمُونَ ، بِخِلَافِ الْكَافِرِ ؛ لِأَنَّ نَفْسَ الْكُفْرِ مُبِيحٌ عِنْدَهُ .
وَلَنَا أَنَّ الْحُكْمَ يُدَارُ عَلَى الدَّلِيلِ وَهُوَ الِاجْتِمَاعُ وَالِامْتِنَاعُ ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّهُ لَوْ انْتَظَرَ الْإِمَامُ حَقِيقَةَ قِتَالِهِمْ رُبَّمَا لَا يُمْكِنُهُ الدَّفْعُ فَيُدَارُ عَلَى الدَّلِيلِ ضَرُورَةَ دَفْعِ شَرِّهِمْ ، وَإِذَا بَلَغَهُ أَنَّهُمْ يَشْتَرُونَ السِّلَاحَ وَيَتَأَهَّبُونَ لِلْقِتَالِ يَنْبَغِي أَنْ يَأْخُذَهُمْ وَيَحْبِسَهُمْ حَتَّى يُقْلِعُوا عَنْ ذَلِكَ وَيُحْدِثُوا تَوْبَةً دَفْعًا لِلشَّرِّ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ .
وَالْمَرْوِيُّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ مِنْ لُزُومِ الْبَيْتِ مَحْمُولٌ عَلَى حَالِ عَدَمِ الْإِمَامِ ، أَمَّا إعَانَةُ الْإِمَامِ الْحَقِّ فَمِنْ الْوَاجِبِ عِنْدَ الْغَنَاءِ وَالْقُدْرَةِ .
وَقَوْلُهُ (وَالْمَرْوِيُّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ مِنْ لُزُومِ الْبَيْتِ) يُرِيدُ بِهِ مَا رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْفِتْنَةَ إذَا وَقَعَتْ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فَالْوَاجِبُ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يَعْتَزِلَ الْفِتْنَةَ وَيَقْعُدَ فِي بَيْتِهِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ {مَنْ فَرَّ مِنْ الْفِتْنَةِ أَعْتَقَ اللَّهُ رَقَبَتَهُ مِنْ النَّارِ} (مَحْمُولٌ عَلَى حَالِ عَدَمِ الْإِمَامِ) أَمَّا إذَا كَانَ الْمُسْلِمُونَ مُجْتَمِعِينَ عَلَى إمَامٍ وَكَانُوا آمِنِينَ بِهِ وَالسُّبُلُ آمِنَةٌ فَخَرَجَ عَلَيْهِ طَائِفَةٌ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ فَحِينَئِذٍ يَجِبُ عَلَى كُلِّ مَنْ يَقْوَى عَلَى الْقِتَالِ أَنْ يُقَاتِلَهُمْ نَصْرًا لِإِمَامِ الْمُسْلِمِينَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى{فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي} فَإِنَّ الْأَمْرَ لِلْوُجُوبِ .
(فَإِنْ كَانَتْ لَهُمْ فِئَةٌ أُجْهِزَ عَلَى جَرِيحِهِمْ وَأُتْبِعَ مُوَلِّيهِمْ) دَفْعًا لِشَرِّهِمْ كَيْ لَا يَلْحَقُوا بِهِمْ (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ فِئَةٌ لَمْ يُجْهَزْ عَلَى جَرِيحِهِمْ وَلَمْ يُتْبَعْ مُوَلِّيهِمْ) لِانْدِفَاعِ الشَّرِّ دُونَهُ
.]اهـ

- قال الإمام الكمال بن الهمام في فتح القدير:[( بَابُ الْبُغَاةِ ) قَدَّمَ أَحْكَامَ قِتَالِ الْكُفَّارِ ثُمَّ أَعْقَبَهُ بِقِتَالِ الْمُسْلِمِينَ ، وَالْوَجْهُ ظَاهِرٌ .
وَالْبُغَاةُ جَمْعُ بَاغٍ ، وَهَذَا الْوَزْنُ مُطَّرِدٌ فِي كُلِّ اسْمِ فَاعِلٍ مُعْتَلِّ اللَّامِ كَغُزَاةٍ وَرُمَاةٍ وَقُضَاةٍ .
وَالْبَغْيُ فِي اللُّغَةِ : الطَّلَبُ ، بَغَيْتُ كَذَا : أَيْ طَلَبْتُهُ ، قَالَ تَعَالَى حِكَايَةَ ذَلِكَ { مَا كُنَّا نَبْغِ } ثُمَّ اُشْتُهِرَ فِي الْعُرْفِ فِي طَلَبِ مَا لَا يَحِلُّ مِنْ الْجَوْرِ وَالظُّلْمِ .
وَالْبَاغِي فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ : الْخَارِجُ عَنْ طَاعَةِ إمَامِ الْحَقِّ .
وَالْخَارِجُونَ عَنْ طَاعَتِهِ أَرْبَعَةُ أَصْنَافٍ : أَحَدُهَا الْخَارِجُونَ بِلَا تَأْوِيلٍ بِمَنَعَةٍ وَبِلَا مَنَعَةٍ يَأْخُذُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ وَيَقْتُلُونَهُمْ وَيُخِيفُونَ الطَّرِيقَ وَهُمْ قُطَّاعُ الطَّرِيقِ .
وَالثَّانِي قَوْمٌ كَذَلِكَ إلَّا أَنَّهُمْ لَا مَنَعَةَ لَهُمْ لَكِنْ لَهُمْ تَأْوِيلٌ ، فَحُكْمُهُمْ حُكْمُ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ ، إنْ قَتَلُوا قُتِلُوا وَصُلِبُوا ، وَإِنْ أَخَذُوا مَالَ الْمُسْلِمِينَ قُطِعَتْ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ عَلَى مَا عُرِفَ .
وَالثَّالِثُ قَوْمٌ لَهُمْ مَنَعَةٌ وَحَمِيَّةٌ خَرَجُوا عَلَيْهِ بِتَأْوِيلٍ يَرَوْنَ أَنَّهُ عَلَى بَاطِلِ كُفْرٍ أَوْ مَعْصِيَةٍ يُوجِبُ قِتَالَهُ بِتَأْوِيلِهِمْ ، وَهَؤُلَاءِ يُسَمُّونَ بِالْخَوَارِجِ يَسْتَحِلُّونَ دِمَاءَ الْمُسْلِمِينَ وَأَمْوَالَهُمْ وَيَسْبُونِ نِسَاءَهُمْ وَيُكَفِّرُونَ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .وَحُكْمُهُمْ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ وَجُمْهُورِ أَهْلِ الْحَدِيثِ حُكْمُ الْبُغَاةِ .
وَعِنْدَ مَالِكٍ يُسْتَتَابُونَ ، فَإِنْ تَابُوا وَإِلَّا قُتِلُوا دَفْعًا لِفَسَادِهِمْ لَا لِكُفْرِهِمْ .
وَذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ الْحَدِيثِ إلَى أَنَّهُمْ مُرْتَدُّونَ لَهُمْ حُكْمُ الْمُرْتَدِّينَ
لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { يَخْرُجُ قَوْمٌ فِي آخِرِ الزَّمَانِ أَحْدَاثُ الْأَسْنَانِ سُفَهَاءُ الْأَحْلَامِ يَقُولُونَ مِنْ خَيْرِ قَوْلِ الْبَرِيَّةِ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ يَمْرُقُونَ مِنْ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنْ الرَّمِيَّةِ ، فَأَيْنَمَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ ، فَإِنَّ فِي قَتْلِهِمْ أَجْرًا لِمَنْ قَتَلَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ } رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ .
وَعَنْ { أَبِي أُمَامَةَ أَنَّهُ رَأَى رُءُوسًا مَنْصُوبَةً عَلَى دَرَجِ مَسْجِدِ دِمَشْقَ فَقَالَ : كِلَابُ أَهْلِ النَّارِ كِلَابُ أَهْلِ النَّارِ كِلَابُ أَهْلِ النَّارِ ، وَقَدْ كَانَ هَؤُلَاءِ مُسْلِمِينَ فَصَارُوا كُفَّارًا .
قِيلَ يَا أَبَا أُمَامَةَ هَذَا شَيْءٌ تَقُولُهُ ؟ قَالَ : سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ }
.
قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ : وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا وَافَقَ أَهْلَ الْحَدِيثِ عَلَى تَكْفِيرِهِمْ ، وَهَذَا يَقْتَضِي نَقْلَ إجْمَاعِ الْفُقَهَاءِ .
وَذَكَرَ فِي الْمُحِيطِ أَنَّ بَعْضَ الْفُقَهَاءِ لَا يُكَفِّرُ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ ، وَبَعْضُهُمْ يُكَفِّرُونَ بَعْضَ أَهْلِ الْبِدَعِ وَهُوَ مَنْ خَالَفَ بِبِدْعَتِهِ دَلِيلًا قَطْعِيًّا وَنَسَبَهُ إلَى أَكْثَرِ أَهْلِ السُّنَّةِ ، وَالنَّقْلُ الْأَوَّلُ أَثْبَتُ ، نَعَمْ يَقَعُ فِي كَلَامِ أَهْلِ الْمَذَاهِبِ تَكْفِيرٌ كَثِيرٌ وَلَكِنْ لَيْسَ مِنْ كَلَامِ الْفُقَهَاءِ الَّذِينَ هُمْ الْمُجْتَهِدُونَ بَلْ مِنْ غَيْرِهِمْ ، وَلَا عِبْرَةَ بِغَيْرِ الْفُقَهَاءِ ، وَالْمَنْقُولُ عَنْ الْمُجْتَهِدِينَ مَا ذَكَرْنَا ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ أَعْرَفُ بِنَقْلِ مَذَاهِبِ الْمُجْتَهِدِينَ ، وَمَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي أَوَّلِ الْبَابِ مِنْ حَدِيثِ كَثِيرٍ الْحَضْرَمِيِّ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ تَكْفِيرِ الْخَوَارِجِ .
وَهُوَ قَوْلُ الْحَضْرَمِيِّ : دَخَلْت مَسْجِدَ الْكُوفَةِ مِنْ قِبَلِ أَبْوَابِ كِنْدَةَ ، فَإِذَا نَفَرٌ خَمْسَةٌ يَشْتِمُونَ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَفِيهِمْ رَجُلٌ عَلَيْهِ بُرْنُسٌ يَقُولُ : أُعَاهِدُ اللَّهَ لَأَقْتُلَنَّهُ ، فَتَعَلَّقْت بِهِ وَتَفَرَّقَتْ أَصْحَابُهُ عَنْهُ ، فَأَتَيْت بِهِ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقُلْت : إنِّي سَمِعْت هَذَا يُعَاهِدُ اللَّهَ لَيَقْتُلَنَّكَ ، فَقَالَ : اُدْنُ وَيْحَك مَنْ أَنْتَ ؟ فَقَالَ : أَنَا سَوَّارُ الْمُنْقِرِيُّ ، فَقَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : خَلِّ عَنْهُ ، فَقُلْت أُخَلِّي عَنْهُ وَقَدْ عَاهَدَ اللَّهَ لَيَقْتُلَنَّكَ ؟ قَالَ : أَفَأَقْتُلُهُ وَلَمْ يَقْتُلْنِي ؟ قُلْت : فَإِنَّهُ قَدْ شَتَمَك ، قَالَ : فَاشْتُمْهُ إنْ شِئْت أَوْ دَعْهُ .
فَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَا لَمْ يَكُنْ لِلْخَارِجِينَ مَنَعَةٌ لَا نَقْتُلُهُمْ ، وَأَنَّهُمْ لَيْسُوا كُفَّارًا لَا بِشَتْمِ عَلِيٍّ وَلَا بِقَتْلِهِ .
قِيلَ إلَّا إذَا اسْتَحَلَّهُ ، فَإِنَّ مَنْ اسْتَحَلَّ قَتْلَ مُسْلِمٍ فَهُوَ كَافِرٌ ، وَلَا بُدَّ مِنْ تَقْيِيدِهِ بِأَنْ لَا يَكُونَ الْقَتْلُ بِغَيْرِ حَقٍّ أَوْ عَنْ تَأْوِيلٍ وَاجْتِهَادٍ يُؤَدِّيهِ إلَى الْحُكْمِ بِحِلِّهِ ، بِخِلَافِ الْمُسْتَحِلِّ بِلَا تَأْوِيلٍ ، وَإِلَّا لَزِمَ تَكْفِيرُهُمْ ؛ لِأَنَّ الْخَوَارِجَ يَسْتَحِلُّونَ الْقَتْلَ بِتَأْوِيلِهِمْ الْبَاطِلِ ، وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ تَكْفِيرِهِمْ مَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ أَيْضًا حَيْثُ قَالَ : وَبَلَغَنَا عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ بَيْنَمَا هُوَ يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إذْ حَكَّمَتْ الْخَوَارِجُ مِنْ نَاحِيَةِ الْمَسْجِدِ ، فَقَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : كَلِمَةُ حَقٍّ أُرِيدَ بِهَا بَاطِلٌ ، لَنْ نَمْنَعَكُمْ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ تَذْكُرُوا فِيهَا اسْمَ اللَّهِ ، وَلَنْ نَمْنَعَكُمْ الْفَيْءَ مَا دَامَتْ أَيْدِيكُمْ مَعَ أَيْدِينَا ، وَلَنْ نُقَاتِلَكُمْ حَتَّى تُقَاتِلُونَا ، ثُمَّ أَخَذَ فِي خُطْبَتِهِ .
وَمَعْنَى قَوْلِهِ حَكَّمَتْ الْخَوَارِجُ نِدَاؤُهُمْ بِقَوْلِهِمْ الْحُكْمُ لِلَّهِ ، وَكَانُوا يَتَكَلَّمُونَ بِذَلِكَ إذَا أَخَذَ عَلِيٌّ فِي الْخُطْبَةِ لِيُشَوِّشُوا خَاطِرَهُ ، فَإِنَّهُمْ كَانُوا يَقْصِدُونَ بِذَلِكَ نِسْبَتَهُ إلَى الْكُفْرِ لِرِضَاهُ بِالتَّحْكِيمِ فِي صِفِّينَ ، وَلِهَذَا قَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : كَلِمَةُ حَقٍّ أُرِيدَ بِهَا بَاطِلٌ : يَعْنِي تَكْفِيرَهُ .
وَفِيهِ دَلِيلُ أَنَّ الْخَوَارِجَ إذَا قَاتَلُوا الْكُفَّارَ مَعَ أَهْلِ الْعَدْلِ يَسْتَحِقُّونَ مِنْ الْغَنِيمَةِ مِثْلَ مَا يَسْتَحِقُّهُ غَيْرُهُمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ ، وَأَنَّهُ لَا يُعَزَّرُ بِالتَّعْرِيضِ بِالشَّتْمِ ؛ لِأَنَّ نِسْبَتَهُ إلَى الْكُفْرِ شَتْمٌ عَرَّضُوا بِهِ وَلَمْ يُصَرِّحُوا .
وَالرَّابِعُ قَوْمٌ مُسْلِمُونَ خَرَجُوا عَلَى إمَامِ الْعَدْلِ وَلَمْ يَسْتَبِيحُوا مَا اسْتَبَاحَهُ الْخَوَارِجُ مِنْ دِمَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَسَبْيِ ذَرَارِيِّهِمْ وَهُمْ الْبُغَاةُ .
( وَإِذَا تَغَلَّبَ قَوْمٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ عَلَى بَلَدٍ وَخَرَجُوا مِنْ طَاعَةِ الْإِمَامِ دَعَاهُمْ إلَى الْعَوْدِ إلَى الْجَمَاعَةِ وَكَشَفَ عَنْ شُبْهَتِهِمْ ) ؛ لِأَنَّ عَلِيًّا فَعَلَ كَذَلِكَ بِأَهْلِ حَرُورَاءَ قَبْلَ قِتَالِهِمْ ، وَلِأَنَّهُ أَهْوَنُ الْأَمْرَيْنِ .
وَلَعَلَّ الشَّرَّ يَنْدَفِعُ بِهِ فَيُبْدَأُ بِهِ.]اهـ

قال الإمام شمس الدين أبو بكر محمد بن أبي سهل السرخسي في المبسوط :[باب الخوارج قال رضي الله عنه اعلم أن الفتنة إذا وقعت بين المسلمين فالواجب على كل مسلم أن يعتزل الفتنة ويقعد في بيته هكذا رواه الحسن عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى لقوله صلى الله عليه وسلم "من فر من الفتنة أعتق الله رقبته من النار" وقال لواحد من أصحابه في الفتنة كن حلسا من أحلاس بيتك فإن دخل عليك فكن عبد الله المقتول أو قال عند الله معناه كن ساكنا في بيتك لا قاصدا فإن كان المسلمون مجتمعين على واحد وكانوا آمنين به والسبيل آمنة فخرج عليه طائفة من المسلمين فحينئذ يجب على من يقوى على القتال أن يقاتل مع إمام المسلمين الخارجين لقوله تعالى {فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي} [الحجرات: 9] والأمر حقيقة للوجوب ولأن الخارجين قصدوا أذى المسلمين وإماطة الأذى من أبواب الدين وخروجهم معصية ففي القيام بقتالهم نهي عن المنكر وهو فرض ولأنهم يهيجون الفتنة قال صلى الله عليه وسلم "الفتنة نائمة لعن الله من أيقظها" فمن كان ملعونا على لسان صاحب الشرع صلوات الله عليه يقاتل معه والذي روى أن ابن عمر رضي الله عنهما وغيره لزم بيته تأويله أنه لم يكن له طاقة على القتال وهو فرض على من يطيقه والإمام فيه علي رضي الله عنه فقد قام بالقتال وأخبر أنه مأمور بذلك بقوله رضي الله عنه أمرت بقتال المارقين والناكثين والقاسطين ولهذا بدأ الباب بحديث كثير الحضرمي حيث قال دخلت مسجد الكوفة من قبل أبواب كندة فإذا نفر خمسة يشتمون عليا رضي الله عنه وفيهم رجل عليه برنس يقول أعاهد الله لأقتلنه فتعلقت به وتفرق أصحابه فأتيت به عليا رضي الله عنه فقلت إني سمعت هذا يعاهد الله ليقتلنك قال ادن ويحك من أنت قال أنا سوار المنقري فقال علي رضي الله عنه خل عنه فقلت أخلي عنه وقد عاهد الله ليقتلنك فقال أفأقتله ولم يقتلني قلت وأنه قد شتمك قال فاشتمه إن شئت أو دعه وفي هذا دليل على أن من لم يظهر منه خروج فليس للإمام أن يقتله وهو رواية الحسن عن أبي حنيفة رحمهما الله تعالى قال ما لم يعزموا على الخروج فالإمام لا يتعرض لهم فإذا بلغه عزمهم على الخروج فحينئذ ينبغي له أن يأخذهم فيحبسهم قبل أن يتفاقم الأمر لعزمهم على المعصية وتهييج الفتنة وكان هؤلاء لم يكونوا مغلبين الخروج عليه ولم يعزموا على ذلك أو لم يصدقه علي رضي الله تعالى عنه فيما أخبره به من عزمه على قتله فلهذا أمره بأن يخلي عنه وليس مراده من قوله فاشتمه إن شئت أن ينسبه إلى ما ليس فيه فذلك كذب وبهتان لا رخصة فيه وإنما مراده أن ينسبه إلى ما علمه منه فيقول يا فتان يا شرير لقصده إلى الشر والفتنة وما أشبه ذلك من الكلام وهو معنى قوله تعالى {لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ} [النساء: 148].
قال وبلغنا عن علي رضي الله تعالى عنه أنه بينما هو يخطب يوم الجمعة إذ حكمت الخوارج من ناحية المسجد فقال علي رضي الله عنه كلمة حق أريد بها باطل لن نمنعكم مساجد الله أن تذكروا فيها اسم الله ولن نمنعكم الفيء ما دامت أيديكم مع أيدينا ولن نقاتلكم حتى تقاتلونا ثم أخذ في خطبته ومعنى قوله إذ حكمت الخوارج أي نادوا الحكم لله وكانوا يتكلمون بذلك إذا أخذ علي رضي الله عنه في خطبته ليشوشوا خاطره فإنهم كانوا يقصدون بذلك نسبته إلى الكفر لرضاه بالحكمين وتفويضه الحكم إلى أبي موسى رضي الله عنه ولهذا قال علي رضي الله عنه كلمة حق أريد بها باطل يعني أن ظاهر قول المرء الحكم لله حق ولكنهم يقصدون به الباطل وهو نسبته إلى الكفر ثم فيه دليل على أنهم ما لم يعزموا على الخروج فالإمام لا يتعرض لهم بالحبس والقتل فإن المتكلمين بذلك ما كانوا عازمين على الخروج عند ذلك فلهذا قال لن نمنعكم مساجد الله ولن نمنعكم الفيء وفيه دليل على أن التعريض بالشتم لا يوجب التعزير فإنه لم يعزرهم وقد عرضوا بنسبته إلى الكفر والشتم بالكفر موجب للتعزير وفيه دليل على أن الخوارج إذا كانوا يقاتلون الكفار تحت راية أهل العدل فإنهم يستحقون من الغنيمة ما يستحقه غيرهم لأنهم مسلمون وفيه دليل على أنهم يقاتلون دفعا لقتالهم فإنه قال ولن نقاتلكم حتى تقاتلونا معناه حتى تعزموا على القتال بالتجمع والتحيز عن أهل العدل.
قال وبلغنا عن علي رضي الله عنه أنه قال يوم الجمل لا تتبعوا مدبرا ولا تقتلوا أسيرا ولا تدففوا على جريح ولا يكشف ستر ولا يؤخذ مال وبهذا كله نأخذ فنقول إذا قاتل أهل العدل أهل البغي فهزموهم فلا ينبغي لأهل العدل أن يتبعوا مدبرا لأنا قاتلناهم لقطع بغيهم وقد اندفع حين ولوا مدبرين ولكن هذا إذا لم يبق لهم فئة يرجعون إليها فإن بقى لهم فئة فإنه يتبع مدبرهم لأنهم ما تركوا قصدهم لهذا حين ولوا منهم منهزمين بل تحيزوا إلى فئتهم ليعودوا فيتبعون لذلك ولهذا يتبع المدبر من المشركين لبقاء الفئة لأهل الحرب وكذلك لا يقتلون الأسير إذا لم يبق لهم فئة وقد كان علي رضي الله عنه يحلف من يؤسر منهم أن لا يخرج عليه قط ثم يخلي سبيله وإن كانت له فئة فلا بأس بأن يقتل أسيرهم لأنه ما اندفع شره ولكنه مقهور ولو تخلص إنحاز إلى فئته فإذا رأى الإمام المصلحة في قتله فلا بأس بأن يقتله وكذلك لا يجهزوا على جريحهم إذا لم يبق لهم فئة فإن كانت باقية فلا بأس بأن يجهز على جريحهم لأنه إذا بريء عاد إلى تلك الفتنة والشر بقوة تلك الفئة ولأن في قتل الأسير والتجهيز على الجريح كسر شوكة أصحابه فإذا بقيت لهم فئة فهذا المقصود يحصل بذلك بخلاف ما إذا لم يبق لهم فئة.]اهـ

- ورد في الميحط البرهاني للإمام محمود بن أحمد بن الصدر الشهيد النجاري برهان الدين مازه :[وكذلك الباغي إذا قتل لا يصلى عليه وهذا مذهبنا ،وقال الشافعي رحمه الله: يصلى عليه؛ لأنه مؤمن قال الله تعالى: {وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُواْ} (الحجرات: 9) إلا أنه مقتول بحق، فهو كالمقتول في رجم أو قصاص.ولنا حديث علي رضي الله عنه: أنه لم يغسل أهل الخوارج يوم النهروان، ولم يصلِ عليهم.]اهـ

- قال الإمام إبن عابدين في حاشية رد المختار على الدر المختار شرح تنوير الأبصار :[باب البغاة أخره لقلة وجوده ولبيان حكم من يقتل من المسلمين بعد من يقتل من الكفار قلت ولم يترجم له بكتاب إشارة إلى دخوله تحت كتاب الجهاد لأن القتال معهم في سبيل الله تعالى ولذا كان المقتول منا شهيدا كما سيأتي إذا لا يختص الجهاد بقتال الكفار وبه اندفع ما في النهر.
قال في الفتح والبغاة جمع باغ وهذا الوزن مطرد في كل اسم فاعل معتل اللام كغزاة ورماة وقضاة اهـ
وإنما جمعه لأنه قلما يوجد واحد يكون له قوة الخروج.
قوله (البغي لغة الطلب الخ) عبارة الفتح البغي في اللغة الطلب بغيت كذا أي طلبته .
قال تعالى حكاية ذلك ما كنا نبغ ثم اشتهر في العرف في طلب ما لا يحل من الجور والظلم.
والباغي في عرف الفقهاء الخارج على إمام الحق اهـ
لكن في المصباح بغيته أبغيه بغيا طلبته وبغى على الناس بغيا ظلم واعتدى فهو باغ والجمع بغاة وبغى سعى في الفساد ومنه الفرقة الباغية لأنها عدلت عن القصد وأصله من بغى الجرح إذا ترامى إلى الفساد اهـ
وفي القاموس الباغي الطالب وفئة باغية خارجة عن طاعة الإمام العادل اهـ... قوله (وشرعا هم الخارجون) عطفه على ما قبله يقتضي أن يكون التقدير والبغي شرعا هم الخارجون هو فاسد كما أفاده...فكان المناسب أن يقول فالبغاة عرفا الطالبون لما لا يحل من جور وظلم وشرعا الخ.. ويمكن أن يكون على تقدير مبتدأ أي والبغاة شرعا الخ.
قوله (على الإمام الحق) الظاهر أن المراد به ما يعم المتغلب لأنه بعد استقرار سلطنته ونفوذ قهره لا يجوز الخروج عليه كما صرحوا به ثم رأيت في الدر المنتقى قال إن هذا في زمانهم وأما في زماننا فالحكم للغلبة لأن الكل يطلبون الدنيا فلا يدرى العادل من الباغي كما في العمادية اهـ ...قوله (وتمامه في جامع الفصولين) حيث قال في أول الفصل الأول بيانه أن المسلمين إذا اجتمعوا على إمام وصاروا آمنين به فخرج عليه طائفة من المؤمنين فإن فعلوا ذلك لظلم ظلمهم به فهم ليسوا من أهل البغي وعليه أن يترك الظلم وينصفهم ولا ينبغي للناس أن يعينوا الإمام عليهم لأن فيه إعانة على الظلم ولا أن يعينوا تلك الطائفة على الإمام أيضا لأن فيه إعانة على خروجهم على الإمام وإن لم يكن ذلك لظلم ظلمهم ولكن لدعوى الحق والولاية فقالوا الحق معنا فهم أهل البغي فعلى كل من يقوى على القتال أن ينصروا إمام المسلمين على هؤلاء الخارجين لأنهم ملعونون على لسان صاحب الشرع قال عليه الصلاة والسلام لفتنة نائمة لعن الله من أيقظها فإن كانوا تكلموا بالخروج لكن لم يعزموا على الخروج بعد فليس للإمام أن يعترض لهم لأن العزم على الجناية لم يوجد بعد كذا ذكر في واقعات اللامشي وذكر القلانسي في تهذيبه قال بعض المشايخ لولا علي رضي الله عنه ما درينا القتال مع أهل القبلة وكان علي ومن تبعه من أهل العدل وخصمه من أهل البغي وفي زماننا الحكم للغلبة ولا تدري العادلة والباغية كلهم يطلبون الدنيا اهـ ... قوله (وبغاة) هم كما في الفتح قوم مسلمون خرجوا على إمام العدل ولم يستبيحوا ما استباحه الخوارج من دماء المسلمين وسبي ذراريهم اهـ
والمراد خرجوا بتأويل وإلا فهم قطاع كما علمت.
وفي الاختيار أهل البغي كل فئة لهم منعة يتغلبون ويجتمعون ويقاتلون أهل العدل بتأويل ويقولون الحق معنا ويدعون الولاية اهـ
قوله (وخوارج وهم قوم الخ) الظاهر أن المراد تعريف الخوارج الذين خرجوا على علي رضي الله تعالى عنه لأن مناط الفرق بينهم وبين البغاة هو استباحتهم دماء المسلمين وذراريهم بسبب الكفر إذ لا تسبى الذراري ابتداء بدون كفر لكن الظاهر من كلام الاختيار وغيره أن البغاة أعم فالمراد بالبغاة ما يشمل الفريقين .
ولذا فسر في البدائع البغاة بالخوارج لبيان أنهم منهم وإن كان البغاة أعم وهذا من حيث الاصطلاح وإلا فالبغي والخروج متحققان في كل من الفريقين على السوية.... قوله (بتأويل) أي بدليل يؤولونه على خلاف ظاهره كما وقع للخوارج الذين خرجوا من عسكر علي عليه بزعمهم أنه كفر هو ومن معه من الصحابة حيث حكم جماعة في أمر الحرب الواقع بينه وبين معاوية وقالوا إن الحكم إلا الله ومذهبهم أن مرتكب الكبيرة كافر وأن التحكيم كبيرة لشبه قامت لهم استدلوا بها مذكورة مع ردها في كتب العقائد.
مطلب في أتباع عبد الوهاب الخوارج في زماننا قوله (ويكفرون أصحاب نبينا) علمت أن هذا غير شرط في مسمى الخوارج بل هو بيان لمن خرجوا على سيدنا علي رضي الله تعالى عنه وإلا فيكفي فيهم اعتقادهم كفر من خرجوا عليه كما وقع في زماننا في اتباع عبد الوهاب الذين خرجوا من نجد وتغلبوا على الحرمين وكانوا ينتحلون مذهب الحنابلة لكنهم اعتقدوا أنهم هم المسلمون وأن من خالف اعتقادهم مشركون واستباحوا بذلك قتل أهل السنة وقتل علمائهم حتى كسر الله تعالى شوكتهم وخرب بلادهم وظفر بهم عساكر المسلمين عام ثلاث وثلاثين ومائتين وألف.
قوله (كما حققه في الفتح) حيث قال وحكم الخوارج عند جمهور الفقهاء والمحدثين حكم البغاة.
وذهب بعض المحدثين إلى كفرهم
.
قال ابن المنذر ولا أعلم أحدا وافق أهل الحديث على تكفيرهم وهذا يقتضي نقل إجماع الفقهاء.... قوله (عن طاعته) أي طاعة الإمام وقيده في الفتح بأن يكون الناس به في أمان والطرقات آمنة اهـ ... قوله (وغلبوا على بلد) الظاهر إن ذكر البلد بيان للواقع غالبا لأن المدار على تجمعهم وتعسكرهم وهو لا يكون إلا في محل يظهر فيه قهرهم والغالب كونه بلدة فلو تجمعوا في برية فالحكم كذلك.... قوله (وكشف شبهتهم استحبابا) أي بأن يسألهم عن سبب خروجهم فإن كان لظلم منه أزاله وإن لدعوى أن الحق معهم والولاية لهم فهم بغاة فلو قاتلهم بلا دعوة جاز لأنهم علموا ما يقاتلون عليه كالمرتدين وأهل الحرب بعد بلوغ الدعوة ...قوله (فإن تحيزوا مجتمعين) أي مالوا إلى جهة مجتمعين فيها أو إلى جماعة وهذا في معنى قوله وغلبوا على بلد فكان أحدهما يغني عن الآخر على ما قلنا.
قوله (حل لنا قتالهم بدءا) هذا اختيار لما نقله خواهر زاده عن أصحابنا أنا نبدؤهم قبل أن يبدؤونا لأنه لو انتظر حقيقة قتالهم (ربما) لا يمكنه الدفع فيدار على الدليل ضرورة دفع شرهم.
ونقل القدوري أنه لا يبدؤهم حتى يبدؤوه وظاهر كلامهم أن المذهب الأول
...ولو اندفع شرهم بأهون من القتل وجب بقدر ما يندفع به شرهم ... مطلب في وجوب طاعة الإمام قوله (افترض عليه إجابته) والأصل قوله تعالى {وأولي الأمر منكم} سورة النساء الآية 59 وقال اسمعوا وأطيعوا ولو أمر عليكم عبد حبشي أجدع وروى مجدع وعن ابن عمر أنه عليه الصلاة والسلام قال عليكم بالسمع والطاعة لكل من يؤمر عليكم ما لم يأمركم بمنكر ففي المنكر لا سمع ولا طاعة ثم إذا أمر العسكر بأمر فهو على وجه إن علموا أنه نفع بيقين أطاعوه وإن علموا خلافه كأن كان لهم قوة وللعدو مدد يلحقهم لا يطيعونه وإن شكوا لزمهم إطاعته وتمامه في الذخيرة.
قوله (وإلا لزم بيته) أي إن لم يكن قادرا وعليه يحمل ما روي عن جماعة من الصحابة أنهم قعدوا في الفتنة وربما كان بعضهم في تردد من حل القتال .
والمروي عن أبي حنيفة من قول الفتنة إذا وقعت بين المسلمين فالواجب على كل مسلم أن يعتزل الفتنة ويقعد في بيته محمول على ما إذا لم يكن لهم إمام .
وما روى إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار محمول على اقتتالهما حمية وعصبية كما يتفق بين أهل قريتين ومحلتين أو لأجل الدنيا والملك وتمامه في الفتح
.
قوله (وفي المبتغى الخ) موافق لما مر من جامع الفصولين ومثله في السراج لكن في الفتح ويجب على كل من أطاق الدفع أن يقاتل مع الإمام إلا أن أبدوا ما يجوز لهم القتال كأن ظلمهم أو ظلم غيرهم ظلما لا شبهة فيه بل يجب أن يعينوهم حتى ينصفهم ويرجع عن جوره بخلاف ما إذا كان الحال مشتبها أنه ظلم مثل تحميل بعض الجبايات التي للإمام أخذها وإلحاق الضرر بها لدفع ضرر أعم منه اهـ
قلت ويمكن التوفيق بأن وجوب إعانتهم إذا أمكن امتناعه عن بغيه وإلا فلا كما يفيده قول المبتغى ولا يمتنع عنه... قوله (أجهز على جريحهم) بالبناء للمفعول فيه وفي اتبع قوله (أي أتم قتله) .
في المصباح جهزت على الجريح من باب نفع وأجهزت إجهازا أتممت عليه وأسرعت قتله.
قوله (واتبع موليهم) أي هاربهم لقتله أو أسره كي لا يلحق هو أو الجريح بفئته .
قوله (وإلا لا) أي وإن لم يكن لهم فئة يلحقون بها لا يجهز ولا يتبع.
قوله (إن شاء قتله) أي إن كان له فئة وإلا لا كما في القهستاني عن المحيط.
قال في الفتح ومعنى هذا الخيار أن يحكم نظره فيما هو أحسن الأمرين في كسر الشوكة لا بهوى النفس والتشفي.
قوله (كنساء وشيوخ).... قوله (ما لم يقاتلوا) أي فيقتلون حال القتال وبعد الفراغ إلا الصبيان والمجانين... قوله (ولا يقتل) أي يكره له كما في الفتح .
قوله (ما لم يرد قتله) فإذا أراده فله دفعه ولو بقتله وله أن يتسبب ليقتله غيره كعقر دابته بخلاف أهل الحرب فله أن يقتل محرمه منهم مباشرة إلا الوالدين... قوله (وقتلانا شهداء) أي فيصنع بهم ما يصنع بالشهداء
.]اهـ مختصرا

يتبع إن شاء الله .

ً

_________________
رضينا يا بني الزهرا رضينا
بحبٍ فيكمو يرضي نبينــــا



يا رب

إِن كَانَ لاَ يَرجُوكَ إِلاَّ مُحسِــــنٌ
فَمَن الَّذِى يَدعُو وَيرجو المُجرِمُ


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: حكم قتل الخوارج في المذاهب الأربعة
مشاركة غير مقروءةمرسل: الجمعة نوفمبر 28, 2014 3:27 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد إبريل 15, 2012 12:39 pm
مشاركات: 7613
يرفع للأهمية.

_________________
أبا الزهراء قد جاوزت قدري *** بمدحك بيد أن لي انتسابا

سألت الله في أبناء ديني *** فإن تكن الوسيلة لي أجــابا


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: حكم قتل الخوارج في المذاهب الأربعة
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأحد نوفمبر 30, 2014 1:01 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2005 12:40 am
مشاركات: 14348
مكان: مصـــــر المحروسة

مسألة قتل وقتال الخوارج مسألة متعلقة بفعل الإمام - يقصد به الحاكم - وبالسياسة الشرعية للدولة ، ولا تعلق لذلك بفعل أفراد المجتمع ، يعني لا يجوز لأفراد المجتمع جماعاتٍ كانوا أو وحداناً الإقدام على قتل أو قتال الخوارج .

نعم لو هجم الخوارج على أحد جاز له دفع صيالهم عليه وقتالهم من حيث كونه قتالاً لدفع الصائل ودفاعاً عن عرضه أو نفسه أو ماله لا من حيث كونه مقتالةً لهم كونهم خوارج .

فالأمر الوارد في أدلة الشرع الشريف بقتل وقتال الخوارج متوجه لإمام المسلمين لا لأفرادهم .

هذا وإن كان ذلك واضح في تضاعيف الموضوع ذاته إلا أنني أحببت التأكيد عليه .

وبارك الله في الأخ الفاضل (حتى لا أحرم) ، وجزاه الله خيراً على مروره الكريم .


_________________
رضينا يا بني الزهرا رضينا
بحبٍ فيكمو يرضي نبينــــا



يا رب

إِن كَانَ لاَ يَرجُوكَ إِلاَّ مُحسِــــنٌ
فَمَن الَّذِى يَدعُو وَيرجو المُجرِمُ


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: حكم قتل الخوارج في المذاهب الأربعة
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأحد نوفمبر 30, 2014 2:11 pm 
غير متصل

اشترك في: الأربعاء فبراير 03, 2010 12:20 am
مشاركات: 7632
جهد رائع مشكور
عودنا عليه سهم النور
اللهم صل على النور وآله وسلم

_________________
صلوات الله تعالى تترى دوما تتوالى ترضي طه والآلا مع صحب رسول الله


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: حكم قتل الخوارج في المذاهب الأربعة
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأحد نوفمبر 30, 2014 5:24 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2005 12:40 am
مشاركات: 14348
مكان: مصـــــر المحروسة

أكرمكم الله شيخنا الفاضل (فراج يعقوب) ، بارك الله فيكم ويسعدني دائماً مروركم الكريم .


_________________
رضينا يا بني الزهرا رضينا
بحبٍ فيكمو يرضي نبينــــا



يا رب

إِن كَانَ لاَ يَرجُوكَ إِلاَّ مُحسِــــنٌ
فَمَن الَّذِى يَدعُو وَيرجو المُجرِمُ


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
عرض مشاركات سابقة منذ:  مرتبة بواسطة  
إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ 22 مشاركة ]  الانتقال إلى صفحة السابق  1, 2

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين


الموجودون الآن

المستخدمون المتصفحون لهذا المنتدى: لا يوجد أعضاء مسجلين متصلين و 11 زائر/زوار


لا تستطيع كتابة مواضيع جديدة في هذا المنتدى
لا تستطيع كتابة ردود في هذا المنتدى
لا تستطيع تعديل مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع حذف مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع إرفاق ملف في هذا المنتدى

البحث عن:
الانتقال الى:  
cron
© 2011 www.msobieh.com

جميع المواضيع والآراء والتعليقات والردود والصور المنشورة في المنتديات تعبر عن رأي أصحابها فقط