موقع د. محمود صبيح

4 - الحركة العليمة فى مصر من الفتح الى انقراض الدولة الأخشيدية
***************************************
مقال للنسابة حسن قاسم فى مجلة الاسلام 17 صفر 1352هـ الموافق 10 إبريل سنة 1932م العدد 7 السنة الثانية





قدمنا نواحى الثقافة التى كان لها التسيطر خلال تلك المدة فى بث تراث الأمة ** فمن منذ استولى المسلمون على مصر كانت
قد أخذت تخطو خطواتها الواسعة فى نشر مبادىء الدين وتعاليمه القويمة فما لبثت أن تبوأت مركزا ساميا لازال صداء يتردد فى
أنحاء العالم *
( فمن ) ذلك ما كان يدرس بالجامع العمرى من المواد كالتفسير والفقه والحديث والتاريخ والأدب وما إلى ذلك *
( ومن ) أشهر علمائها الذين أفادوا العالم الاسلامى بعلمهم وتآليفهم عبد الله بن عمرو بن العاص وهو أول من عنى بتدوين الحديث
جمعا وتصنيفا *
( وبرز ) من أهلها يزيد بن أبى حبيب وعبد الله بن وهب وأبن لهيعة ومحمد بن عبد الحكم والليث ابن سعد ويونس بن عبد الأعلى
والمفضل بن فضالة (1) وغيرهم ممن لا يحصى كثرة *
فظلت مصر غنية بهذا التراث ( فلما ) انقضى هذا الدور بانقراض رجاله وأتى بعدهم فقهاء الأمصار اتبع أهل مصر مذهب فقيه منهم
ثم قضت أسباب انقراض البعص من هذه المذاهب وانتشار البعض الآخر منها وهم الحنفى والمالكى والشافعى والحنبلى فسرى

انتشار هذه المذاهب الأربعة فى العالم فاقتدى أهل كل مصر بمذهب أحدهــــم ( فأول من أدخل مذهب أبى حنييفة إلى مصر
اسماعيل بن اليسع الكوفى قاضيها من قيل المهدى فى سنة 164هـ وكان لا يعرف قبل هذا العهد ( وادخل ) مذهب مالك عبد
الرحيم بن خالد مولى بنى جمع إلا أنه لم ينشره عبد الرحمن بن القاسم فاشتهر بها أكثر من المذهب الحنفى ( ثم ) ظهر
مذهب الشافعى بها بدخوله إليها وكان له زاوية بالجامع العمرى ينشر بها مذهبه ( أما ) مذهب ابن حنبل فقد تأخر نشره
بمصر إلى أواخر القرن الخامس ( وأول ) من نشره بها عبد الغنى بن عبد الواحد المقدسى شيخ الحنابلة فى عصره وأحد أئمة
الحديث – كان معاصرا للحافظ الجماعيلى وكلاهما مات فى سنة واحدة ( من ) ذلك العهد أخذ نطاق الحركة العلمية فى مصر
ينمو ويزداد ويتسع إلى أن تطورت أحوال مصر السياسية فتملكها العباسيون ، ثم استقلت عنهم بالدولة الطولونية التى أسسها
احمد بن طولون ففى عصره اقتفى أثر عمرو فى النهوض بالحركة فأسس بها جامعة الالمشهور وقرر فى مشيخته مضافة إلى
مشيخة الشافعية الربيع بن سليمان بن داود الأزدى الجيزى أحد صحابة الشافعى فأقام به داعيا لمذهب الشافعى وحدث به عن
ابن عبد الحكم وغيره (وعين)لتدريس الذهب الحنفى والحديث قاضى مصر بكار بن قتيبة فأم الجامع كثير من العلماء الأعلام وتركوا
ثروة لا ينضب معينها (واقتفى)أثر بن طولون أولاده من بعده وبعد انقراض دولتهم اضطربت أحوال مصر ردحا من الزمن فما لبثت ان
استولت عليها الدولة الأخشيدية فصعدت فى مدتها العلوم إلى ذروة مجدها وأوج عزها * ( هذه) هى خلاصة التطورات العلمية
التى حدثت خلال انتشار هذا التراث النفيس الخالد فكان لآثار هذه الحركة العلمية الكبرى ، التى بذرت بذورها فى تلك العصور
نواة حركات عالمية * ومن أهم مظاهر تلك الخركة تأسيس أكبر جامعة شرقية تدرس بها العلوم والمعارف وهذا ما دعا جوهرا لتأسيس
الأزهر فعلى هذا أسس ، وهذا هو الغرض الأسمى من تأسيسه وعنى جوهر إبان إنشائه بتأسيس أروقة لسكنى الطلبة ومهد سبيلا
لتحقيق هذه الغاية فلما قدم مولاه المعز لم تتوجه إليه العناية بعد * فكان لازال غضا فلم تحدث فيه حوادث تذكر لا فى المشيخة ولا فى
غيرها فلما مات المعز واستخلف العزيز أخذ الأزهر يتدرج فى الأصلاح والتجديد ، ومن هنا تبتدأ مشيخة الأزهر *
(1) المفضل بن فضالة بن عبيد الرعينى أحد صدور التابعين ترجمه فى تاريخ السيوطى وغيره (وقبره) معروف الى هذا التاريخ بأخريات
القرافة فى الجهة الغربية القبلية لمسجد سيدى عقبة بن عامر (جدده) فى أواخر القرن الثالث عشر الهجرى الشيخ حسن محمد خادم
المشهد النفيسى وفى هذا القبر طائفة من ذريته وأقاربه ويعرف الآن بالفضل بن الفضيل وفيه تحريف ظاهر وصوابه الفضل بن المفضل نسبة
الى ولده المدعو الفضل وهو ضجيع والده