بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم وآله أجمعين ... وبعد
الإخوة الأفاضل الأحباب .. السلام عليكم ورحمة الله بركاته .
حقيقة .. هذه الفتاوى والأحكام ليست كوميدية ... بل هى فى غاية الخطورة والحساسية .
فبعيدا عن حكم ترك الحجاب .. ولبس البنطلونات للنساء .. وظهور المفاتن .
يقول العبد الفقير .. أن الحكم الشرعى على هذه الأمور شئ .. وتقنين مثل هذه القوانين لها .. شئ آخر
والعبد الفقير يزعم .. أنه – من جهة التقنين - فلابد وأن يراعى فيها عدة أمور .. منها :
لا عقوبة بدون تجريم .. ولا تجريم بدون إعلان وإعلام .. بشروطه .
غربة الزمان .. والقهر الإلهى وأحكامه .
شيوع الجهل .. وكثرة الشبهات .
التقديم والتمهيد للأحكام الشرعية ... والرفق .. ومراعاة أحوال الناس وطبقاتهم .
وأنقل لحضراتكم طرفا من أقوال العلماء الأجلاء ... محاولة منى للوصول إلى فهم سوى .. لأننى أرى أن الموضوع ليس بالسهل .. ولابد له من مناخ وأطر وضوابط وشرائط .
قال الإمام الشافعى فى الأم (6/ 187)
( وذلك أن التعزير أدب لا حد من حدود الله تعالى . وقد كان يجوز تركه ولا يأثم من تركه فيه . ألا ترى أن أمورا قد فعلت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت غير حدود فلم يضرب فيها , منها الغلول في سبيل الله وغير ذلك , ولم يؤت بحد قط فعفاه ) انتهى .
وقد قال الإمام مالك - رحمه الله - فيمن يجب عليه التعزير أو النكال ، وانتهى إلى الإمام ، قال : إن كان من أهل العفاف والمروءة وإنما هي طائرة منه ، تجافى السلطان عن عقوبته ، وإن عرف بالأذى ضربه النكال . انظر : تهذيب المدونة لأبي سعيد خلف بن أبي القاسم القيرواني البراذعي (3/482)
وقال الإمام الكاسانى فى بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (15/144- 147)
( فَصْلٌ ) : وَأَمَّا التَّعْزِيرُ فَالْكَلَامُ فِيهِ فِي مَوَاضِعَ فِي بَيَانِ سَبَبِ وُجُوبِ التَّعْزِيرِ ، وَفِي بَيَانِ شَرْطِ وُجُوبِهِ ، وَفِي بَيَانِ قَدْرِهِ ، وَفِي بَيَانِ وَصْفِهِ ، وَفِي بَيَانِ مَا يَظْهَرُ بِهِ .
( أَمَّا ) سَبَبُ وُجُوبِهِ فَارْتِكَابُ جِنَايَةٍ لَيْسَ لَهَا حَدٌّ مُقَدَّرٌ فِي الشَّرْعِ ، سَوَاءٌ كَانَتْ الْجِنَايَةُ عَلَى حَقِّ اللَّهِ - تَعَالَى - كَتَرْكِ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَنَحْوِ ذَلِكَ .
أَوْ عَلَى حَقِّ الْعَبْدِ , بِأَنْ آذَى مُسْلِمًا بِغَيْرِ حَقٍّ بِفِعْلٍ أَوْ بِقَوْلٍ يَحْتَمِلُ الصِّدْقَ وَالْكَذِبَ بِأَنْ قَالَ لَهُ : يَا خَبِيثُ ، يَا فَاسِقُ ، يَا سَارِقُ ، يَا فَاجِرُ ، يَا كَافِرُ ، يَا آكِلَ الرِّبَا ، يَا شَارِبَ الْخَمْرِ ، وَنَحْوُ ذَلِكَ ، فَإِنْ قَالَ لَهُ : يَا كَلْبُ ، يَا خِنْزِيرُ ، يَا حِمَارُ يَا ثَوْرُ ، وَنَحْوُ ذَلِكَ - لَا يَجِبُ عَلَيْهِ التَّعْزِيرُ ؛ لِأَنَّ فِي النَّوْعِ الْأَوَّلِ إنَّمَا وَجَبَ التَّعْزِيرُ ؛ لِأَنَّهُ أَلْحَقَ الْعَارَ بِالْمَقْذُوفِ ، إذْ النَّاسُ بَيْنَ مُصَدِّقٍ وَمُكَذِّبٍ فَعُزِّرَ ؛ دَفْعًا لِلْعَارِ عَنْهُ ، وَالْقَاذِفُ فِي النَّوْعِ الثَّانِي أَلْحَقَ الْعَارَ بِنَفْسِهِ بِقَذْفِهِ غَيْرَهُ بِمَا لَا يُتَصَوَّرُ ؛ فَيَرْجِعُ عَارُ الْكَذِبِ إلَيْهِ لَا إلَى الْمَقْذُوفِ .
ثم قال الكسانى رحمه الله :
وَمِنْ مَشَايِخِنَا مَنْ رَتَّبَ التَّعْزِيرَ عَلَى مَرَاتِبِ النَّاسِ ، فَقَالَ :
التَّعَازِيرُ عَلَى أَرْبَعَةِ مَرَاتِبَ : تَعْزِيرُ الْأَشْرَافِ ، وَهُمْ الدَّهَّاقُونَ وَالْقُوَّادُ ، وَتَعْزِيرُ أَشْرَافِ الْأَشْرَافِ وَهُمْ الْعَلَوِيَّةُ وَالْفُقَهَاءُ ، وَتَعْزِيرُ الْأَوْسَاطِ : وَهُمْ السُّوقَةُ ، وَتَعْزِيرُ الْأَخِسَّاءِ : وَهُمْ السِّفْلَةُ .
فَتَعْزِيرُ أَشْرَافِ الْأَشْرَافِ بِالْإِعْلَامِ الْمُجَرَّدِ ، وَهُوَ أَنْ يَبْعَثَ الْقَاضِي أَمِينَهُ إلَيْهِ فَيَقُولُ لَهُ : بَلَغَنِي أَنَّكَ تَفْعَلُ كَذَا وَكَذَا .
وَتَعْزِيرُ الْأَشْرَافِ بِالْإِعْلَامِ وَالْجَرِّ إلَى بَابِ الْقَاضِي وَالْخِطَابِ بِالْمُوَاجَهَةِ .
وَتَعْزِيرُ الْأَوْسَاطِ بِالْإِعْلَامِ وَالْجَرِّ وَالْحَبْسِ .
وَتَعْزِيرُ السَّفَلَةِ بِالْإِعْلَامِ وَالْجَرِّ وَالضَّرْبِ وَالْحَبْسِ ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ التَّعْزِيرِ هُوَ الزَّجْرُ ، وَأَحْوَالُ النَّاسِ
فِي الِانْزِجَارِ عَلَى هَذِهِ الْمَرَاتِبِ ) انتهى .
وقال الإمام الزيلعى فى تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق (9/98)
( وَاجْتَمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى وُجُوبِهِ فِي كَبِيرَةٍ لَا تُوجِبُ الْحَدَّ أَوْ جِنَايَةٍ لَا تُوجِبُ الْحَدَّ ثُمَّ هُوَ قَدْ يَكُونُ بِالْحَبْسِ وَقَدْ يَكُونُ بِالصَّفْعِ وَبِتَعْرِيكِ الْآذَانِ وَقَدْ يَكُونُ بِالْكَلَامِ الْعَنِيفِ أَوْ بِالضَّرْبِ وَقَدْ يَكُونُ بِنَظَرِ الْقَاضِي إلَيْهِ بِوَجْهٍ عَبُوسٍ وَلَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ مُقَدَّرٌ وَإِنَّمَا هُوَ مُفَوَّضٌ إلَى رَأْيِ الْإِمَامِ عَلَى مَا تَقْتَضِي جِنَايَتُهُمْ فَإِنَّ الْعُقُوبَةَ فِيهِ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْجِنَايَةِ ) انتهى .
وقال الإمام النووى فى روضة الطالبين وعمدة المفتين (3/485)
فصل : الجناية المتعلقة بحق الله تعالى خاصة يجتهد الإمام في تعزيرها بما يراه من ضرب أو حبس أو اقتصار على التوبيخ بالكلام , وإن رأى المصلحة في العفو فله ذلك . انتهى
فليس الأمر متعلقا بالجلد والضرب .. بل هناك فقه آخر لهذا الموضوع .. والله أعلى وأعلم ..
سبحانك اللهم وبحمدك .. أشهد أن لا إله إلا أنت .. أستغفرك وأتوب إليك .
وصل اللهم على سيدنا ومولانا رسول الله وآل بيته الطيبين الطاهرين وسلم , وعظم وشرف وكرم .
|