موقع د. محمود صبيح

منتدى موقع د. محمود صبيح

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين



إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ 4 مشاركة ] 
الكاتب رسالة
 عنوان المشاركة: ردود حول شبهات في مسألة السماع
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأربعاء إبريل 12, 2017 3:12 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد إبريل 15, 2012 12:39 pm
مشاركات: 7469

بعد أن دارت بعض المناقشات بيني وبين بعض الخوارج في الفترة الأخيرة عن مسألة السماع وجدت أن أكثر دليلين يتمسكون بهم لإثبات رأيهم الباطل في تحريم السماع هما: قول الحق عز وجل : " وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (6) " (لقمان:6)

والدليل الثاني هو الحديث الذي رواه البخاري ط الشعب(7/138) وهو: «وَقَالَ هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ: حَدَّثنا صَدَقَةُ بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ، حَدَّثنا عَطِيَّةُ بْنُ قَيْسٍ الكِلاَبِيُّ، حَدَّثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ غَنْمٍ الأَشْعَرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو عَامِرٍ، أَوْ أَبُو مَالِكٍ الأَشْعَرِيُّ، وَاللهِ مَا كَذَبَنِي: سَمِعَ النَّبِيَّ صَلى الله عَلَيهِ وسَلمَ يَقُولُ: لَيَكُونَنَّ مِنْ أُمَّتِي أَقْوَامٌ، يَسْتَحِلُّونَ الحِرَ وَالحَرِيرَ، وَالخَمْرَ وَالمَعَازِفَ، وَلَيَنْزِلَنَّ أَقْوَامٌ إِلَى جَنْبِ عَلَمٍ، يَرُوحُ عَلَيْهِمْ بِسَارِحَةٍ لَهُمْ، يَأْتِيهِمْ، يَعْنِي الفَقِيرَ، لِحَاجَةٍ، فَيَقُولُوا: ارْجِعْ إِلَيْنَا غَدًا، فَيُبَيِّتُهُمُ اللهُ، وَيَضَعُ العَلَمَ، وَيَمْسَخُ آخَرِينَ قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ، إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ.»

وبمشيئة الله أعرض في السطور التالية أقوال لكثير من علماء الأمة المحمدية في بيان الفهم الصائب للآية الكريمة والحديث الشريف ولبيان سقم فهم الخوارج وعقم منهجهم وبعدهم عن جمهور الأمة المحمدية شكلاً ومعنى وبيان أن موضوع السماع هو من جنس المباح طالما لم يكن فيه ما هو منهي عنه من ذكر لمفاتن النساء أو هجاء أو غير ذلك من الكلام الفاحش البذيء.

فأقول وبالله التوفيق:

أقوال علماء التفسير في تفسير قول الله عز وجل: " وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (6) " (لقمان:6)


تفسير الخازن(3/396):« قوله تعالى وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ الآية قيل: نزلت في النضر بن الحارث بن كلدة وكان يتجر فيأتي الحيرة ويشتري أخبار العجم ويحدث بها قريشا ويقول إن محمدا يحدثكم بحديث عاد وثمود وأنا أحدثكم بحديث رستم وإسفنديار وأخبار الأكاسرة فيستمعون حديثه ويتركون استماع القرآن. فأنزل الله هذه الآية وقيل هو شراء القينات والمغنين، ومعنى الآية ومن الناس من يشتري ذات لهو أو ذا لهو الحديث وروى البغوي بإسناد الثعلبي عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:«لا يحل تعليم المغنيات ولا بيعهن وأثمانهن حرام» وفي مثل ذلك نزلت هذه الآية وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وما من رجل يرفع صوته بالغناء إلا بعث الله له شيطانين أحدهما على هذا المنكب والآخر على هذا المنكب فلا يزالان يضربانه بأرجلهما حتى يكون هو الذي يسكت أخرجه الترمذي وهذا لفظه عن أبي أسامة أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال «لا تبيعوا القينات ولا تشتروهن ولا تعلموهن ولا خير في تجارة فيهن وثمنهن حرام» وفي مثل هذا نزلت وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ الآية وعن أبي هريرة «أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن ثمن الكلب وكسب المزمار» وقال مكحول من اشترى جارية ضرابة ليمسكها لغنائها وضربها مقيما عليه حتى يموت لم أصل عليه إن الله تعالى يقول: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ الآية وعن ابن مسعود وابن عباس والحسن وعكرمة وسعيد بن جبير قالوا لهو الحديث هو الغناء والآية نزلت فيه ومعنى يشتري يستبدل ويختار الغناء والمزامير والمعازف على القرآن. وقال أبو الصهباء: سألت ابن مسعود عن هذه الآية فقال هو الغناء والله الذي لا إله إلا هو يرددها ثلاث مرات وقال إبراهيم النخعي الغناء ينبت النفاق وقيل: هو كل لهو ولعب وقيل: هو الشرك لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ يعني عن دين الإسلام وسماع القرآن بِغَيْرِ عِلْمٍ يعني يفعله عن جهل وحسب المرء من الضلالة أن يختار حديث الباطل على حديث الحق وَيَتَّخِذَها هُزُواً أي يتخذ آيات الله مزحا أُولئِكَ يعني الذين هذه صفتهم لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ.»أهـ

فانظروا إلى قوله:"ومعنى يشتري يستبدل ويختار الغناء والمزامير والمعازف على القرآن".
وبهذا نخرج مما سبق بأن السماع المنهي عنه هو ما كان فيه إلهاء عن كتاب الله عز وجل أما خلاف ذلك فلا شيء فيه فهو من جنس المباح كما وضحنا وكما سنوضح في الأدلة القادمة أيضاً إن شاء الله.


تفسير مقاتل(3/432-433):« ومن الناس يعني النضر بن الحارث من يشتري لهو الحديث يعني باطل الحديث يقول باع القرآن بالحديث الباطل حديث رستم وأسفندباز، وزعم أن القرآن مثل حديث الأولين حديث رستم وأسفندباز... ثم أخبر عن النضر فقال- عز وجل-: وإذا تتلى عليه آياتنا يعني وإذا قرئ عليه القرآن ولى مستكبرا يقول أعرض متكبرا عن الإيمان بالقرآن»أهـ

إذاً فالآيه كما قال مقاتل-مقاتل توفى سنة 150هـ- نزلت في النضر بن الحارث وكذلك الآيه التي تليها وهي قوله عز وجل" وإذا تتلى عليه آياتنا" فسبب نزول الآيه أصلاً أنها نزلت في النضر بن الحارث المشرك فانظروا أحباب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى الخوارج وأفعالهم وكيف هي عاداتهم دائماً في أخذهم للآيات التي أنزلت في المشركين وحملها على المسلمين, فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم, حتى من فسر الآيه بالغناء فالواضح أن المقصود هو الغناء الماجن الذي يعرض لذكر النساء وذكر مفاتنهن وما يثير الشهوة كما كان سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه إذا سمع الحادي قال:"لا تعرض بذكر النساء" سنن البيهقي (5/108), ويؤيد ذلك النقل التالي للعالم الجليل ابن عطيه, والمعنى أيضاً أنه يختار الغناء والمزامير والمعازف على القرآن كما قال الخازن وغيره وسيأتي معنا إن شاء الله.

تفسير ابن عطيه(4/345):« وقوله تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ روي أنها نزلت في قرشي اشترى جارية مغنية تغني بهجاء محمد صلى الله عليه وسلم وسبه فنزلت الآية في ذلك، وقيل إنه ابن خطل وروي عن أبي أمامة الباهلي بأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «شراء المغنيات وبيعهن حرام» وقرأ هذه الآية، وقال في هذا المعنى أنزلت علي هذه الآية، وبهذا فسر ابن مسعود وابن عباس وجابر بن عبد الله ومجاهد، وقال الحسن لَهْوَ الْحَدِيثِ المعازف والغناء، وقال بعض الناس نزلت في النضر بن الحارث لأنه اشترى كتب رستم واسبندياد وكان يخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فيحدثهم بتلك الأباطيل ويقول أنا أحسن حديثا من محمد، وقال قتادة: الشراء في هذه الآية مستعار، وإنما نزلت الآية في أحاديث قريش وتلهيهم بأمر الإسلام وخوضهم في الأباطيل.»أهـ

قلت: انظروا إلى كلام الإمام الجليل ابن عطيه والذي كان أحد المجاهدين في جيوش الملثمين انظروا ماذا قال:" روي أنها نزلت في قرشي اشترى جارية مغنية تغني بهجاء محمد صلى الله عليه وسلم وسبه فنزلت الآية في ذلك، وقيل إنه ابن خطل وروي عن أبي أمامة الباهلي بأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «شراء المغنيات وبيعهن حرام» وقرأ هذه الآية، وقال في هذا المعنى أنزلت علي هذه الآية، وبهذا فسر ابن مسعود وابن عباس وجابر بن عبد الله ومجاهد"

فهذا هو الغناء المجمع على تحريمه أو أحد أنواعه لا هذا الذي يحرك الوجدان نحو غاية سامية في السماع، ولا يبعث فيها الهوى والمجون، ولا يكون مصحوبا بشىء محرّم فهذا لا بأس به وهذا هو ما عليه الجمهور كما وضحنا وكما سنوضح إن شاء الله.


تفسير يحي بن سلام(2/669):« قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ} [لقمان: 6] ، يَعْنِي: الشِّرْكَ.»أهـ

يحي بن سلام توفي سنة (200هـ) قال الزركلي عنه في الأعلام:" أدرك نحو عشرين من التابعين, قال ابن الجزري: «سكن إفريقية دهرا، وسمع الناس بها كتابه في تفسير القرآن،وليس لأحد من المتقدمين مثله»"


تفسير التستري(1/123):«قوله تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ [6] قال: هو الجدال في الدين والخوض في الباطل.»أهـ


تفسير ابن أبي حاتم(9/3096):« عَنْ قَتَادَة رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فِي قَوْلِهِ: ومن الناس من يشتري لهو الحديث قال: شراؤه استحبابه وبحسب المرء من الضلالة أن يختار حديث الباطل على حديث الحق وفي قوله: ويتخذها هزوا قال: يستهزئ بها ويكذبها»أهـ


تفسير الماتريدي(8/297-298):« اختلف في قوله: (مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ).
قَالَ بَعْضُهُمْ: ليس على حقيقة الاشتراء نفسه؛ ولكن على الإيثار والاختيار؛ لأن الاشتراء هو مبادلة أخذ وإعطاء، ولكن آثروا واختاروا الضلال مع قبحه عندهم على الهدى مع حسنه؛ فعلى ذلك آثروا لهو الحديث واختاروه على الحق وحكمة الحديث، واختاروا الفاني على الباقي؛ فسماه: شراء لذلك.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: هو على حقيقة الاشتراء. لكنهم اختلفوا: فمنهم من يقول: إنه على اشتراء المغنية والمغني كانوا يشترونهم؛ ليتلهوا بهم ويلعبوا.
ومنهم من قال: كان أحدهم يشتري ويكتب عن لهو الحديث وباطله من حديث الأعاجم، فيحدث بها قريشًا، ويقول: إن محمدا يحدثكم بأحاديث عاد وثمود، وأنا أحدثكم بأحاديث فارس والروم؛ فذلك اشتراؤه لهو الحديث وإضلاله الناس عن سبيل اللَّه فأعرضوا عن القرآن والإيمان بمحيد.»أهـ


تفسير الثعلبي(7/310):« وقال آخرون: معناه يستبدل ويختار اللهو والغناء والمزامير والمعازف على القرآن وقال: سبيل الله:القرآن.»أهـ


تفسير القشيري(3/128):« لَهْوَ الْحَدِيثِ» : ما يشغل عن ذكر الله ، ويحجب عن الله سماعه. ويقال: هو لغو الظاهر الموجب سهو الضمائر، وهو ما يكون خوضا في الباطل، وأخذا بما لا يعنيك.»أهـ


التفسير الوسيط للواحدي(3/440):« نزلت في النضر بن الحارث»أهـ


زاد المسير لابن الجوزي(3/429-430):« وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ قال ابن عباس: نزلت هذه الآية في رجل اشترى جارية مغنّيةً..... وفي معنى «يشتري» قولان: أحدهما: يشتري بماله وحديث النضر يعضده. والثاني: يختار ويستحبّ، قاله قتادة، ومطر. وإِنما قيل لهذه الأشياء: لهو الحديث، لأنها تُلهي عن ذِكْر الله تعالى.»أهـ


تفسير الرازي(15/123-124):« لما بين أن القرآن كتاب حكيم يشتمل على آيات حكمية بين من حال الكفار أنهم يتركون ذلك ويشتغلون بغيره ثم إن فيه ما يبين سوء صنيعهم من وجوه الأول أن ترك الحكمة والاشتغال بحديث آخر قبيح الثاني هو أن الحديث إذا كان لهواً لا فائدة فيه كان أقبح الثالث هو أن اللهو قد يقصد به الإحماض كما ينقل عن ابن عباس أنه قال أحمضوا ونقل عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أنه قال ( روحوا القلوب ساعة فساعة ) رواه الديلمي عن أنس مرفوعاً ويشهد له ما في مسلم ( يا حنظلة ساعة وساعة ) والعوام يفهمون منه الأمر بما يجوز من المطايبة والخواص يقولون هو أمر بالنظر إلى جانب الحق فإن الترويح به لا غير فلما لم يكن قصدهم إلا الإضلال لقوله لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ كان فعله أدخل في القبح.»أهـ


تفسير القرطبي(14/51-54):قال في بداية تفسيره للآية : « وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَها هُزُواً أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ
فِيهِ خَمْسُ مَسَائِلَ... ثم قال في نقله لأحد الآراء في المسألة الثانية:« قَالَ الْقُشَيْرِيُّ: ضُرِبَ بَيْنَ يَدَيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ دَخَلَ الْمَدِينَةَ، فَهَمَّ أَبُو بَكْرٍ بِالزَّجْرِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (دَعْهُنَّ يَا أَبَا بَكْرٍ حَتَّى تَعْلَمَ الْيَهُودُ أَنَّ دِينَنَا فَسِيحٌ) فَكُنَّ يَضْرِبْنَ وَيَقُلْنَ: نَحْنُ بَنَاتُ النَّجَّارِ، حَبَّذَا مُحَمَّدٌ مِنْ جَارِ. وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ الطَّبْلَ فِي النِّكَاحِ كَالدُّفِّ، وَكَذَلِكَ الْآلَاتُ الْمُشْهِرَةُ لِلنِّكَاحِ يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهَا فِيهِ بِمَا يَحْسُنُ مِنَ الْكَلَامِ وَلَمْ يكن فيه رفث.»أهـ

قلت: وهذا هو المتفق عليه ولا خلاف فيه.


تفسير البيضاوي(4/212):« وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ ما يلهي عما يعني كالأحاديث التي لا أصل لها والأساطير التي لا اعتبار بها والمضاحك وفضول الكلام، والإِضافة بمعنى من وهي تبيينية إن أراد بالحديث المنكر وتبعيضية إن أراد به الأعم منه. وقيل نزلت في النضر بن الحرث اشترى كتب الأعاجم وكان يحدث بها قريشاً ويقول:
إن كان محمد يحدثكم بحديث عاد وثمود فأنا أحدثكم بحديث رستم واسفنديار والأكاسرة. وقيل كان يشتري القيان ويحملهن على معاشرة من أراد الإِسلام ومنعه عنه. لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ دينه أو قراءة كتابه.»أهـ


تفسير النسفي(2/711):« نزلت في النضر بن الحرث وكان يشتري أخبار الاكاسرة من فارس.....»أهـ


تفسير الخازن (5/214):«ومن الناس من يشتري لهو الحديث... الآية, وعن أبي مسعود وابن عباس والحسن وعكرمة وسعيد بن جبير قالوا لهو الحديث هو الغناء والآية نزلت فيه ومعنى تشتري يستبدل ويختار الغناء والمزامير والمعازف على القرآن.»أهـ

يعني حتى لو أن المقصود بلهو الحديث الغناء فمعناه كما وضحه الإمام الخازن وهو أن يختار الغناء والمزامير والمعازف على القرآن لا تحريم الغناء على إطلاقه.


البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي(8/409):«ونزلت هذه الآية في النضر بن الحارث، كان يتجر إلى فارس، ويشتري كتب الأعاجم، فيحدث قريشان بحديث رستم واسفندار ويقول: أنا أحسن حديثا. وقيل: في ابن خطل، اشترى جارية تغني بالسب، وبهذا فُسِّرَ لهو الحديث: المعازف والغناء.»أهـ

أي أن لهو الحديث فُسِّرَ بالمعازف والغناء لأجل هذا النوع من الغناء الذي فيه سب وشتم, فهل من كلام بعد ذلك؟!
أما من قال أن الآيه نزلت في المغنيات واستدل بالحديث الآتي" عن عبيد الله بن زحر عَن عَلّي بن يزِيد عَن الْقَاسِم أبي عبد الرَّحْمَن عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: « «لا يحل بيع المغنيات، ولا شراؤهن، ولا التجارة فيهن، وأثمانهن حرام، والاستمتاع إليهن»الطبراني(8/198)."

نقول له لننظر ماذا قال السادة العلماء في هذا الحديث:

-قال أمير المؤمنين في علم الحديث ابن حجر العسقلاني في فتح الباري(11/91):« وقوله تعالى ومن الناس من يشتري لهو الحديث الآية كذا في رواية أبي ذر والأكثر وفي رواية الأصيلي وكريمة ليضل عن سبيل الله الآية وذكر ابن بطال أن البخاري استنبط تقييد اللهو في الترجمة من مفهوم قوله تعالى ليضل عن سبيل الله فإن مفهومه أنه إذا اشتراه لا ليضل لا يكون مذموما وكذا مفهوم الترجمة أنه إذا لم يشغله اللهو عن طاعة الله لا يكون باطلا لكن عموم هذا المفهوم يخص بالمنطوق فكل شيء نص على تحريمه مما يلهي يكون باطلا سواء شغل أو لم يشغل وكأنه رمز إلى ضعف ما ورد في تفسير اللهو في هذه الآية بالغناء وقد أخرج الترمذي من حديث أبي أمامة رفعه لا يحل بيع المغنيات ولا شراؤهن الحديث وفيه وفيهن أنزل الله ومن الناس من يشتري لهو الحديث الآية وسنده ضعيف واخرج الطبراني عن ابن مسعود موقوفا أنه فسر اللهو في هذه الآية بالغناء وفي سنده ضعف أيضاً»أهـ


فانظروا إلى ما هو مظلل بالأصفر من كلام ابن حجر ففيه الكفاية لمن أراد الله به العناية.

-مجمع الزوائد للهيثمي(8/122) قال بعد أن ذكر رواية الطبراني:«رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ، وَفِيهِ عَلِيُّ بْنُ يَزِيدَ الْأَلْهَانِيُّ، وَهُوَ ضَعِيفٌ.»

-إتحاف الخيرة للبوصيري(3/278) قال بعد أن ذكر أكثر من رواية للحديث:« قلت: رواه الترمذي من طريق علي بن يزيد، عن القاسم، وابن ماجه من طريق عبيد الله الإفريقي، كلاهما عن أبي أمامة فقط مرفوعا، ولم يذكرا ما قاله مجاهد.»أهـ
-جامع الأحاديث للسيوطي(7/487):« قال الهيثمى (5/69) : فيه على بن يزيد، وهو ضعيف.»أهـ

أي أن الإمام السيوطي يؤيد تضعيف الهيثمي لأحد الرواة.

-كنز العمال للمتقي الهندي(4/39):« "لا تبتاعوا المغنيات، ولا تشتروهن، ولا تعلموهن، ولا خير في تجارة فيهن، وثمنهن حرام". "ق وضعفه عن أبي هريرة"»أهـ

- تخريج أحاديث إحياء علوم الدين للزبيدي(3/1332):« قال ابن السبكي: (6/ 321) لم أجد له إسناداً.»أهـ أي لهذا الحديث.

-العلل الواردة للدارقطني(12/267):« وعبيد الله بن زحر لم يسمعه من القاسم؛ بينهما: علي بن يزيد، وهو إسناد ضعيف.»أهـ

والدارقطني من القلائل في الأمة المحمدية الذين نالوا لقب أمير المؤمنين في علم الحديث وهو أعلى لقب ممكن أن يحصل عليه عالم في علم الحديث.

-تفسير ابن كثير (6/296):« عن عبيد الله بن زحر، عن علي بن يزيد عن القاسم بن عبد الرحمن، عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال «لا يحل بيع المغنيات ولا شراؤهن وأكل أثمانهن حرام، وفيهن أنزل الله عز وجل علي ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله» وهكذا رواه الترمذي وابن جرير من حديث عبيد الله بن زحر بنحوه، ثم قال الترمذي: هذا حديث غريب، وضعف علي بن يزيد المذكور.
(قلت) علي وشيخه والراوي عنه كلهم ضعفاء، والله أعلم.»أهـ


ثم انظروا ماذا قال العلماء في اثنين من رجال السند وهما عن عبيد الله بن زحر وعلي بن يزيد:
تخريج أحاديث الكشاف للزيلعي:( 3/68)
" وذكره عبد الحق في أحكامه في البيوع من جهة الترمذي ثم قال وعلي ابن يزيد ضعفه أحمد والبخاري وأبو زرعة وأبو حاتم وقال النسائي متروك وأحسن ما وجدنا فيه قول ابن عدي وقال هو صالح في نفسه إلا أن يروي عنه ضعيف وهذا قد روى عنه ابن زحر وقد ضعفه أبو حاتم وابن معين وابن المديني ووثقه البخاري"أهـ


تفسير الثعالبي(4/318):« وقوله تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ/ رُوِيَ: أن الآيةَ نَزَلَتْ فِي شأن رجلٍ من قريش اشترى جاريةً مغنيةً لِتغنِّي له بهجاء النبي صلى الله عليه وآله وسلّم.
وقيل: إنه ابن خطل.
وقيل: نَزَلَتْ في النضر بن الحارث، وقيل غيرُ هذا، والذي يترجح أن الآية نَزَلَتْ في لَهْوِ حَدِيثٍ مُضَافٍ إلى كُفْر فلذلك اشتدت ألفاظ الآية، ولَهْوَ الْحَدِيثِ كل ما يُلهى من غناءٍ وخِناء. ونحوه»أهـ


التفسير الوسيط للقرآن الكريم(8/80-81):
«وفي أسباب النزول للواحدي، عن الكلبي ومُقَاتِل: أن النضر بن الحارث كان يخرج تاجرا إلى فارس فيشترى أخبار الأعاجم - وفي بعض الروايات: كتب الأعاجم - فيرويها ويُحَدِّث بها قريشا ويقول لهم: إن محمدا يحدِّثكم بحديث عاد وثمود وأنا أُحَدِّثكم بحديث رُستم وأخبار الأكاسرة، فيستحلون حديثه ويتركون استماع القرآن فنزلت.
والمعنى: ومن الناس من اهْتَدَى وهَدَى، ومنهم من ضل وأضل، فكان يشترى باطل الحديث وما لا خير فيه من الكلام، ويقصه على الناس وينشره بينهم، ويدعوهم إليه ويحسِّنه عندهم؛ ليصرفهم ويصدهم عن دين الله، أو عن الاستماع إلى كتابه الهادي إليه.»أهـ

وفي نفس المصدر وبعدها بقليل(8/81-83):« حكم الغناء: أخرج البخاري في الأدب المفرد، وابن أبي الدنيا، وابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، والبيهقي في سننه: عن أبن عباس أنه قال: {لَهْوَ الْحَدِيثِ}: هو الغناء وأشباهه ولقد عرض المفسِّرون لحكم الغناء وأطالوا فيه الكلام وبخاصة العلامة الآلوسي، وإليك نبذه مختصرة في هذا الموضوع:
الغناء الذي يُحرك النفوس ويبعث على إثارة الشهوة لما فيه من شعر يُشَبَّب-النسيب بالنساء وذكر محاسنهن- فيه بالنِّساء ويحث على الفجور بذكر الخمور والمحرمات، لا يُختلف في تحريمه، لأنه اللهو المذموم باتفاق. بل حكى بعضهم الإجماع علي حرمته في جميع الأديان.
أخرج سعيد بن منصور، وأحمد، والترمذي، وابن ماجه، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والطبراني، وغيرهم، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال "لا تبيعوا القِيان ولا تشتروهنَّ ولا تُعلِّموهن، ولا خير في تجارة فيهنَّ، وثمنهنَّ حرام" في مثل هذا أُنزلت هذه الآية: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ ... } إلخ ذكر ذلك الآلوسي والكشاف.
أمّا من سَلِم من ذلك، ففي "الدر المختار": التغنِّي لنفسه لدفع الوحشة لا بأْس به عند العامة على ما في "العناية" وصحّحه العيْني وغيره، وإليه ذهب شمس الدين السّرخسي، قال: ولو كان فيه وعظ وحكمة فجائز اتفاقا، ومنهم من أجازه في العرس كما جاز ضرب الدُّفِّ فيه، ومنهم من أباحه مطلقا، ومنهم من كرهه مطلقا. انتهى كلام الدّر - ذكر ذلك الآلوسي، قال: الآلوسي: ومثل الاختلاف في الغناء الاختلاف في السَّماع، فأباحه قوم كما أباحوا الغناء واستدلوا على ذلك بما رواه البخاري عن عائشة قالت: "دخل عَليَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم جاريتان تُغَنِّيان بغناء بعاث فاضطجع على الفراش وحوّل وجهه، وفي رواية لمسلم تسجَّى بثوبه، ودخل أبو بكر فانتهرني وقال: مزمارةُ الشيطان عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم؟. فأقبل عليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: "دعهما" فلما غفل غمزتهما فخرجتا، وكان يوم عيد. والحق أنَّ الغناء الذي لا يُحرِّك الشَّهوة، ولا يحثُّ على الفجور وشرب الخمور، يجوز في المناسبات كالعيدين، كما ورد في حديث البخاري السابق عن عائشة، وكالعرس؛ لما ورد أن الرسول حينما علم بزواج فتاة قال: "هلا بعثتم معها من يقول:
أتيناكم أتيناكم ... فحيُّونا نُحَيِّيكم
فلولا الحبة السمرا ء ... لم نحلل بواديكم"
وعند التنشيط على القيام بالأعمال الشَّاقَّة كغناء وأناشيد أصحاب الحرف والصناعات، وكحداء الإبل للصبر على قطع المفاوز واجتياز الصحراء، كما يجوز سماع ذلك، والله أعلم.» أهـ.

انظر أيضاً: تفسير السمرقندي(3/21), تفسير البغوي(6/280),تفسير الزمخشري(3/496),تفسير العز بن عبد السلام (2/536),تفسير النيسابوري(5/423),تفسير الجلالين(1/540).


يتبع بمشيئة الله


_________________
أبا الزهراء قد جاوزت قدري *** بمدحك بيد أن لي انتسابا

سألت الله في أبناء ديني *** فإن تكن الوسيلة لي أجــابا


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: ردود حول شبهات في مسألة السماع
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأربعاء إبريل 12, 2017 3:53 pm 
غير متصل

اشترك في: الأربعاء فبراير 03, 2010 12:20 am
مشاركات: 7602
اللهم صل على سيدنا محمد وآله وسلم
جزاكم الله خيرا
وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم

_________________
صلوات الله تعالى تترى دوما تتوالى ترضي طه والآلا مع صحب رسول الله


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: ردود حول شبهات في مسألة السماع
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأربعاء إبريل 12, 2017 4:25 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد إبريل 15, 2012 12:39 pm
مشاركات: 7469

جزاكم الله خيراً مولانا الفاضل الشيخ / فراج يعقوب

وشكراً لفضيلتكم على مروركم الكريم الذي أسعدني وشرفني

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وسلم.


_________________
أبا الزهراء قد جاوزت قدري *** بمدحك بيد أن لي انتسابا

سألت الله في أبناء ديني *** فإن تكن الوسيلة لي أجــابا


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: ردود حول شبهات في مسألة السماع
مشاركة غير مقروءةمرسل: الخميس إبريل 13, 2017 2:00 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد إبريل 15, 2012 12:39 pm
مشاركات: 7469

وأما الدليل الثاني وهو الحديث الذي رواه البخاري ط الشعب(7/138) وهو: «وَقَالَ هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ: حَدَّثنا صَدَقَةُ بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ، حَدَّثنا عَطِيَّةُ بْنُ قَيْسٍ الكِلاَبِيُّ، حَدَّثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ غَنْمٍ الأَشْعَرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو عَامِرٍ، أَوْ أَبُو مَالِكٍ الأَشْعَرِيُّ، وَاللهِ مَا كَذَبَنِي: سَمِعَ النَّبِيَّ صَلى الله عَلَيهِ وسَلمَ يَقُولُ: لَيَكُونَنَّ مِنْ أُمَّتِي أَقْوَامٌ، يَسْتَحِلُّونَ الحِرَ وَالحَرِيرَ، وَالخَمْرَ وَالمَعَازِفَ، وَلَيَنْزِلَنَّ أَقْوَامٌ إِلَى جَنْبِ عَلَمٍ، يَرُوحُ عَلَيْهِمْ بِسَارِحَةٍ لَهُمْ، يَأْتِيهِمْ، يَعْنِي الفَقِيرَ، لِحَاجَةٍ، فَيَقُولُوا: ارْجِعْ إِلَيْنَا غَدًا، فَيُبَيِّتُهُمُ اللهُ، وَيَضَعُ العَلَمَ، وَيَمْسَخُ آخَرِينَ قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ، إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ.»

فننقل كلام أحد العلماء والذي له مكانة كبيرة في قلوب وعقول المتنطعين وهو الإمام الشوكاني.

يقول الشوكاني في نيل الأوطار (8/109-119): ("باب ما جاء في آلة اللهو"
حديث أبي مالك الأشعري باللفظ الذي ساقه ابن ماجه هو من طريق ابن محيريز عن ثابت بن السمط، وأخرجه أبو داود وصححه ابن حبان وله شواهد وحديث ابن عمر الأول أورده الحافظ في التلخيص وسكت عنه. قال أبو علي: وهو اللؤلؤي: سمعت أبا داود يقول: وهو حديث منكر وحديثه الثاني سكت عنه الحافظ في التلخيص أيضا، وفي إسناده الوليد بن عبدة الراوي له عن ابن عمر، قال أبو حاتم الرازي: هو مجهول. وقال ابن يونس في تاريخ المصريين: إنه روى عنه يزيد بن أبي حبيب وقال المنذري: إن الحديث معلول، ولكنه يشهد له ما أخرجه أحمد وأبو داود وابن حبان والبيهقي من حديث ابن عباس بنحوه وسيأتي. وأخرجه أحمد من حديث قيس بن سعد بن عبادة قوله
(يستحلون الحر) ضبطه ابن ناصر بالحاء المهملة المكسورة والراء الخفيفة: وهو الفرج. قال في الفتح: وكذا هو في معظم الروايات من صحيح البخاري، ولم يذكر عياض ومن تبعه غيره. وأغرب ابن التين فقال: إنه عند البخاري بالمعجمتين. وقال ابن العربي: هو بالمعجمتين تصحيف، وإنما رويناه بالمهملتين وهو الفرج، والمعنى يستحلون الزنا. قال ابن التين: يريد ارتكاب الفرج لغير حله. وحكى عياض فيه تشديد الراء والتخفيف هو الصواب. ويؤيد الرواية بالمهملتين ما أخرجه ابن المبارك في الزهد عن علي مرفوعا بلفظ: «يوشك أن تستحل أمتي فروج النساء والحرير» ووقع عند الداودي بالمعجمتين ثم تعقبه بأنه ليس بمحفوظ، لأن كثيرا من الصحابة لبسوه. وقال ابن الأثير: المشهور في روايات هذا الحديث بالإعجام، وهو ضرب من الإبريسم.
وقال ابن العربي: الخز بالمعجمتين والتشديد مختلف فيه فالأقوى حله وليس فيه وعيد ولا عقوبة بالإجماع، وقد تقدم الكلام على ذلك في كتاب اللباس قوله: (والمعازف) بالعين المهملة والزاي بعدها فاء جمع معزفة بفتح الزاي، وهي آلات الملاهي. ونقل القرطبي عن الجوهري أن المعازف: الغناء. والذي في صحاحه أنها اللهو، وقيل: صوت الملاهي، وفي حواشي الدمياطي: المعازف: الدفوف وغيرها مما يضرب به، ويطلق على الغناء عزف وعلى كل لعب عزف قوله: (زمارة) قال في القاموس: الزمارة كجبانة: ما به كالمزمار قوله: (فصنع مثل هذا) فيه دليل على أن المشروع لمن سمع الزمارة أن يصنع كذلك.
واستشكل إذن ابن عمر لنافع بالسماع، ويمكن أنه إذ ذاك لم يبلغ الحلم، وسيأتي بيان وجه الاستدلال به والجواب عليه قوله: (والميسر) هو القمار وقد تقدم قوله: (والكوبة) بضم الكاف وسكون الواو ثم باء موحدة، قيل هي الطبل كما رواه البيهقي من حديث ابن عباس، وبين أن هذا التفسير من كلام علي بن بذيمة قوله: (والغبيراء) بضم الغين المعجمة. قال في التلخيص: اختلف في تفسيرها فقيل: الطنبور، وقيل: العود، وقيل: البربط، وقيل: مزري يصنع من الذرة أو من القمح، وبذلك فسره في النهاية قوله: (والمزر) بكسر الميم وهو نبيذ الشعير قوله: (والقنين) هو لعبة للروم يقامرون بها، وقيل: هو الطنبور بالحبشية، كذا في مختصر النهاية، وقد استدل المصنف بهذه الأحاديث على ما ترجم به الباب، وسيأتي الكلام على ذلك إن شاء الله تعالى
حديث ابن عباس قد تقدم أنه أخرجه أيضا أبو داود وابن حبان والبيهقي وحديث عمران بن حصين قال الترمذي بعد إخراجه عن عباد بن يعقوب الكوفي: حدثنا عبد الله بن عبد القدوس عن الأعمش. عن هلال بن يساف عن عمران ما لفظه: وقد روي هذا الحديث عن الأعمش عن عبد الرحمن بن ساباط عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مرسلا، وهذا حديث غريب وحديث أبي هريرة قال الترمذي بعد أن أخرجه من طريق علي بن حجر: حدثنا محمد بن يزيد الواسطي عن المسلم بن سعيد عن رميح الجذامي عنه ما لفظه: وفي الباب عن علي، وهذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه
وحديث علي هذا الذي أشار إليه هو ما أخرجه في سننه قبل حديث أبي هريرة عن علي بن أبي طالب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم «إذا فعلت أمتي خمس عشرة خصلة حل بها البلاء، وفيه: وشربت الخمور، ولبس الحرير، واتخذت القيان والمعازف» وقال بعد تعداد الخصال: هذا حديث غريب لا نعرفه من حديث علي إلا من هذا الوجه، ولا نعلم أحدا رواه عن يحيى بن سعيد الأنصاري غير الفرج بن فضالة، والفرج بن فضالة قد تكلم فيه بعض أهل الحديث، وضعفه من قبل حفظه، وقد روى عنه وكيع وغير واحد من الأئمة انتهى وحديث أبي أمامة الأول والثاني قد تكلم المصنف عليهما. وحديثه الثالث قال الترمذي بعد إخراجه: إنما يعرف مثل هذا من هذا الوجه. وقد تكلم بعض أهل العلم في علي بن يزيد وضعفه وهو شامي انتهى. وأخرجه أيضا ابن ماجه وسعيد بن منصور والواحدي وعبيد الله بن زحر قال أبو مسهر: إنه صاحب كل معضلة. وقال ابن معين: ضعيف. وقال مرة: ليس بشيء. وقال ابن المديني: منكر الحديث. وقال الدارقطني: ليس بالقوي. وقال ابن حبان: روى موضوعات عن الإثبات، وإذا روي عن علي بن يزيد أتى بالطامات وفي الباب عن ابن مسعود عند ابن أبي شيبة بإسناد صحيح أنه قال في قوله {ومن الناس من يشتري لهو الحديث} [لقمان: 6] قال: هو والله الغناء وأخرجه الحاكم والبيهقي وصححاه. وأخرجه البيهقي أيضا عن ابن عباس بلفظ: " هو الغناء وأشباهه " وفي الباب أيضا عن ابن مسعود عند أبي داود والبيهقي مرفوعا بلفظ «الغناء ينبت النفاق في القلب» وفيه شيخ لم يسم. ورواه البيهقي موقوفا. وأخرجه ابن عدي من حديث أبي هريرة وقال ابن طاهر: أصح الأسانيد في ذلك أنه من قول إبراهيم وأخرج أبو يعقوب محمد بن إسحاق النيسابوري من حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «من قعد إلى قينة يسمع صب في أذنه الآنك» . وأخرج أيضا من حديث ابن مسعود «أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم سمع رجلا يتغنى من الليل فقال: لا صلاة له، لا صلاة له، لا صلاة له» .
وأخرج أيضا من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «استماع الملاهي معصية والجلوس عليها فسق والتلذذ بها كفر» وروى ابن غيلان عن علي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «بعثت بكسر المزامير» وقال صلى الله عليه وآله وسلم: «كسب المغني والمغنية حرام» وكذا رواه الطبراني من حديث عمر مرفوعا «ثمن القينة سحت وغناؤها حرام» وأخرج القاسم بن سلام عن علي «أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن ضرب الدف والطبل وصوت الزمارة» .
وفي الباب أحاديث كثيرة. وقد وضع جماعة من أهل العلم في ذلك مصنفات ولكنه ضعفها جميعا بعض أهل العلم حتى قال ابن حزم: إنه لا يصح في الباب حديث أبدا، وكل ما فيه فموضوع. وزعم أن حديث أبي عامر أو أبي مالك الأشعري المذكور في أول الباب منقطع فيما بين البخاري وهشام وقد وافقه على تضعيف أحاديث الباب من سيأتي قريبا. قال الحافظ في الفتح: وأخطأ في ذلك، يعني في دعوى الانقطاع من وجوه، والحديث صحيح معروف الاتصال بشرط الصحيح، والبخاري قد يفعل مثل ذلك لكونه قد ذكر الحديث في موضع آخر من كتابه، وأطال الكلام على ذلك بما يشفي.
قوله: (الكبارات) جمع الكبار. قال في القاموس في مادة ك ب ر: والطبل جمع الكبار وأكبار انتهى. والبربط: العود. قال في القاموس: البربط كجعفر معرب بربط: أي صدر الإوز لأنه يشبهه انتهى. وقد اختلف في الغناء مع آلة من آلات الملاهي وبدونها. فذهب الجمهور إلى التحريم مستدلين بما سلف. وذهب أهل المدينة ومن وافقهم من علماء الظاهر وجماعة من الصوفية إلى الترخيص في السماع ولو مع العود واليراع. وقد حكى الأستاذ أبو منصور البغدادي الشافعي في مؤلفه في السماع أن عبد الله بن جعفر كان لا يرى بالغناء بأسا ويصوغ الألحان لجواريه ويسمعها منهن على أوتاره، وكان ذلك في زمن أمير المؤمنين علي وحكى الأستاذ المذكور مثل ذلك أيضا عن القاضي شريح وسعيد بن المسيب وعطاء بن أبي رباح والزهري والشعبي وقال إمام الحرمين في النهاية وابن أبي الدم: نقل الإثبات من المؤرخين أن عبد الله بن الزبير كان له جوار عوادات، وأن ابن عمر دخل عليه وإلى جنبه عود فقال: ما هذا يا صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فناوله إياه، فتأمله ابن عمر فقال: هذا ميزان شامي، قال ابن الزبير: يوزن به العقول
وروى الحافظ أبو محمد بن حزم في رسالته في السماع بسنده إلى ابن سيرين قال: إن رجلا قدم المدينة بجوار فنزل على عبد الله بن عمر وفيهن جارية تضرب، فجاء رجل فساومه فلم يهو منهن شيئا، قال: انطلق إلى رجل هو أمثل لك بيعا من هذا؟ قال من هو؟ قال عبد الله بن جعفر، فعرضهن عليه، فأمر جارية منهن فقال لها: خذي العود، فأخذته فغنت فبايعه، ثم جاء إلى ابن عمر إلى آخر القصة وروى صاحب العقد العلامة الأديب أبو عمر الأندلسي: أن عبد الله بن عمر دخل على ابن جعفر فوجد عنده جارية في حجرها عود ثم قال لابن عمر: هل ترى بذلك بأسا؟ قال: لا بأس بهذا وحكى الماوردي عن معاوية وعمرو بن العاص أنهم سمعا العود عند ابن جعفر وروى أبو الفرج الأصبهاني أن حسان بن ثابت سمع من عزة الميلاء الغناء بالمزهر بشعر من شعره. وذكر أبو العباس المبرد نحو ذلك، والمزهر عند أهل اللغة: العود وذكر الإدفوي أن عمر بن عبد العزيز كان يسمع من جواريه قبل الخلافة.
ونقل ابن السمعاني الترخيص عن طاوس ونقله ابن قتيبة وصاحب الإمتاع عن قاضي المدينة سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن الزهري من التابعين. ونقله أبو يعلى الخليلي في الإرشاد عن عبد العزيز بن أبي سلمة الماجشون مفتي المدينة وحكى الروياني عن القفال أن مذهب مالك بن أنس إباحة الغناء بالمعازف. وحكى الأستاذ أبو منصور والفوراني عن مالك جواز العود. وذكر أبو طالب المكي في قوت القلوب عن شعبة أنه سمع طنبورا في بيت المنهال بن عمرو المحدث المشهور. وحكى أبو الفضل بن طاهر في مؤلفه في السماع أنه لا خلاف بين أهل المدينة في إباحة العود.
قال ابن النحوي في العمدة: قال ابن طاهر: هو إجماع أهل المدينة قال ابن طاهر: وإليه ذهبت الظاهرية قاطبة. قال الأدفوي: لم يختلف النقلة في نسبة الضرب إلى إبراهيم بن سعد المتقدم الذكر، وهو ممن أخرج له الجماعة كلهم. وحكى الماوردي إباحة العود عن بعض الشافعية. وحكاه أبو الفضل بن طاهر عن أبي إسحاق الشيرازي وحكاه الإسنوي في المهمات عن الروياني والماوردي ورواه ابن النحوي عن الأستاذ أبي منصور وحكاه ابن الملقن في العمدة عن ابن طاهر وحكاه الأدفوي عن الشيخ عز الدين بن عبد السلام وحكاه صاحب الإمتاع عن أبي بكر بن العربي، وجزم بالإباحة الأدفوي هؤلاء جميعا قالوا بتحليل السماع مع آلة من الآلات المعروفة.
وأما مجرد الغناء من غير آلة فقال الأدفوي في الإمتاع: إن الغزالي في بعض تآليفه الفقهية: نقل الاتفاق على حله. ونقل ابن طاهر إجماع الصحابة والتابعين عليه. ونقل التاج الفزاري وابن قتيبة إجماع أهل الحرمين عليه. ونقل ابن طاهر وابن قتيبة أيضا إجماع أهل المدينة عليه. وقال الماوردي: لم يزل أهل الحجاز يرخصون فيه في أفضل أيام السنة المأمور فيه بالعبادة والذكر.
قال ابن النحوي في العمدة: وقد روي الغناء وسماعه عن جماعة من الصحابة والتابعين، فمن الصحابة عمر كما رواه ابن عبد البر وغيره وعثمان كما نقله الماوردي وصاحب البيان والرافعي وعبد الرحمن بن عوف كما رواه ابن أبي شيبة، وأبو عبيدة بن الجراح كما أخرجه البيهقي، وسعد بن أبي وقاص كما أخرجه ابن قتيبة، وأبو مسعود الأنصاري كما أخرجه البيهقي وبلال وعبد الله بن الأرقم وأسامة بن زيد كما البيهقي أيضا، وحمزة كما في الصحيح، وابن عمر كما أخرجه ابن طاهر، والبراء بن مالك كما أخرجه أبو نعيم، وعبد الله بن جعفر كما رواه ابن عبد البر. وعبد الله بن الزبير كما نقله أبو طالب المكي وحسان كما رواه أبو الفرج الأصبهاني، وعبد الله بن عمر كما رواه الزبير بن بكار، وقرظة بن بكار كما رواه ابن قتيبة، وخوات بن جبير ورباح المعترف كما أخرجه صاحب الأغاني، والمغيرة بن شعبة كما حكاه أبو طالب المكي، وعمرو بن العاص كما حكاه الماوردي، وعائشة والربيع كما في صحيح البخاري وغيره
وأما التابعون فسعيد بن المسيب وسالم بن عمر وابن حسان وخارجة بن زيد وشريح القاضي وسعيد بن جبير وعامر الشعبي وعبد الله بن أبي عتيق وعطاء بن أبي رباح ومحمد بن شهاب الزهري وعمر بن عبد العزيز وسعد بن إبراهيم الزهري وأما تابعوهم فخلق لا يحصون، منهم الأئمة الأربعة وابن عيينة وجمهور الشافعية. انتهى كلام ابن النحوي واختلف هؤلاء المجوزون، فمنهم من قال بكراهته، ومنهم من قال باستحبابه. قالوا: لكونه يرق القلب ويهيج الأحزان والشوق إلى الله.
قال المجوزون: إنه ليس في كتاب الله ولا في سنة رسوله ولا في معقولهما من القياس والاستدلال ما يقتضي تحريم مجرد سماع الأصوات الطيبة الموزونة مع آلة من الآلات. وأما المانعون من ذلك فاستدلوا بأدلة منها حديث أبي مالك أو أبي عامر المذكور في أول الباب. وأجاب المجوزون بأجوبة: الأول ما قاله ابن حزم وقد تقدم، وتقدم جوابه. والثاني أن في إسناده صدقة بن خالد وقد حكى ابن الجنيد عن يحيى بن معين أنه ليس بشيء. وروى المزي عن أحمد أنه ليس بمستقيم. ويجاب عنه بأنه من رجال الصحيح.
ثالثها أن الحديث مضطرب سندا ومتنا أما الإسناد فللتردد من الراوي في اسم الصحابي كما تقدم. وأما متنا فلأن في بعض الألفاظ يستحلون وفي بعضها بدونه. وعند أحمد وابن أبي شيبة بلفظ «ليشربن أناس من أمتي الخمر» وفي رواية الحر بمهملتين، وفي أخرى بمعجمتين كما سلف. ويجاب عن دعوى الاضطراب في السند بأنه قد رواه أحمد وابن أبي شيبة من حديث أبي مالك بغير شك ورواه أبو داود من حديث أبي عامر وأبي مالك وهي رواية ابن داسة عن أبي داود ورواية ابن حبان أنه سمع أبا عامر وأبا مالك الأشعريين. فتبين بذلك أنه من روايتهما جميعا وأما الاضطراب في المتن فيجاب بأن مثل ذلك غير قادح في الاستدلال؛ لأن الراوي قد يترك بعض ألفاظ الحديث تارة ويذكرها أخرى.
والرابع أن لفظة المعازف التي هي محل الاستدلال ليست عند أبي داود ويجاب بأنه قد ذكرها غيره. وثبتت في الصحيح، والزيادة من العدل مقبولة. وأجاب المجوزون أيضا على الحديث المذكور من حيث دلالته فقالوا: لا نسلم دلالته على التحريم. وأسندوا هذا المنع بوجوه: أحدها أن لفظة " يستحلون " ليست نصا في تحريم، فقد ذكر أبو بكر بن العربي لذلك معنيين: أحدهما: أن المعنى يعتقدون أن ذلك حلال. الثاني: أن يكون مجازا عن الاسترسال في استعمال تلك الأمور. ويجاب بأن الوعيد على الاعتقاد يشعر بتحريم الملابسة بفحوى الخطاب. وأما دعوى التجوز فالأصل الحقيقة ولا ملجأ إلى الخروج عنها.
وثانيها: أن المعازف مختلف في مدلولها كما سلف، وإذا كان اللفظ محتملا لأن يكون للآلة ولغير الآلة لم ينتهض للاستدلال؛ لأنه إما أن يكون مشتركا والراجح التوقف فيه أو حقيقة ومجازا ولا يتعين المعنى الحقيقي. ويجاب بأنه يدل على تحريم استعمال ما صدق عليه الاسم، والظاهر الحقيقة في الكل من المعاني المنصوص عليها من أهل اللغة وليس من قبيل المشترك لأن اللفظ لم يوضع لكل واحد على حدة بل وضع للجميع، على أن الراجح جواز استعمال المشترك في جميع معانيه مع عدم التضاد كما تقرر في الأصول. وثالثها: أنه يحتمل أن تكون المعازف المنصوص على تحريمها هي المقترنة بشرب الخمر كما ثبت في رواية بلفظ «ليشربن أناس من أمتي الخمر تروح عليهم القيان وتغدو عليهم المعازف» .
ويجاب بأن الاقتران لا يدل على أن المحرم هو الجمع فقط وإلا لزم أن الزنا المصرح به في الحديث لا يحرم إلا عند شرب الخمر واستعمال المعازف، واللازم باطل بالإجماع فالملزوم مثله. وأيضا يلزم في مثل قوله تعالى - {إنه كان لا يؤمن بالله العظيم} [الحاقة: 33] {ولا يحض على طعام المسكين} [الحاقة: 34]- أنه لا يحرم عدم الإيمان بالله إلا عند عدم الحض على طعام المسكين فإن قيل تحريم مثل هذه الأمور المذكورة في الإلزام قد علم من دليل آخر. فيجاب بأن تحريم المعازف قد علم من دليل آخر أيضا كما سلف، على أنه لا ملجأ إلى ذلك حتى يصار إليه.
ورابعها أن يكون المراد يستحلون مجموع الأمور المذكورة فلا يدل على تحريم واحد منها على الانفراد. وقد تقرر أن النهي عن الأمور المتعددة أو الوعيد على مجموعها لا يدل على تحريم كل فرد منها. ويجاب عنه بما تقدم في الذي قبله. واستدلوا ثانيا بالأحاديث المذكورة في الباب التي أوردها المصنف - رحمه الله تعالى -. وأجاب عنها المجوزون بما تقدم من الكلام في أسانيدها. ويجاب بأنه تنتهض بمجموعها ولا سيما وقد حسن بعضها، فأقل أحوالها أن تكون من قسم الحسن لغيره ولا سيما أحاديث النهي عن بيع القينات المغنيات فإنها ثابتة من طرق كثيرة منها ما تقدم ومنها غيره.
وقد استوفيت ذلك في رسالة. وكذلك حديث «إن الغناء ينبت النفاق» فإنه ثابت من طرق قد تقدم بعضها وبعضها لم يذكر منه عن ابن عباس عند ابن صصرى في أماليه. ومنه عن جابر عند البيهقي ومنه عن أنس عند الديلمي في الباب عن عائشة وأنس عند البزار والمقدسي, وابن مردويه وأبي نعيم والبيهقي بلفظ «صوتان ملعونان في الدنيا والآخرة، مزمار عند نعمة، ورنة عند مصيبة» . وأخرج ابن سعد في السنن عن جابر أنه صلى الله عليه وآله وسلم قال «إنما نهيت عن صوتين أحمقين فاجرين: صوت عند نعمة لهو ولعب مزامير الشيطان، وصوت عند مصيبة وخمش وجه وشق جيب ورنة شيطان» .
وأخرج الديلمي عن أبي أمامة مرفوعا «إن الله يبغض صوت الخلخال كما يبغض الغناء» والأحاديث في هذا كثيرة قد صنف في جميعها جماعة من العلماء كابن حزم وابن طاهر وابن أبي الدنيا وابن حمدان الإربلي والذهبي وغيرهم.
وقد أجاب المجوزون عنها بأنه قد ضعفها جماعة من الظاهرية والمالكية والحنابلة والشافعية، وقد تقدم ما قاله ابن حزم ووافقه على ذلك أبو بكر بن العربي في كتابه الأحكام وقال: لم يصح في التحريم شيء، وكذلك قال الغزالي وابن النحوي في العمدة، وهكذا قال ابن طاهر: إنه لم يصح منها حرف واحد، والمراد ما هو مرفوع منها، وإلا فحديث ابن مسعود في تفسير قوله تعالى: {ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله} [لقمان: 6] قد تقدم أنه صحيح، وقد ذكر هذا الاستثناء ابن حزم فقال: إنهم لو أسندوا حديثا واحدا فهو إلى غير رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا حجة في أحد دونه كما روي عن ابن عباس وابن مسعود في تفسير قوله تعالى: {ومن الناس} [لقمان: 6] الآية، أنهما فسرا اللهو بالغناء.
قال: ونص الآية يبطل احتجاجهم لقوله تعالى: {ليضل عن سبيل الله} [لقمان: 6] وهذه صفة من فعلها كان كافرا، ولو أن شخصا اشترى مصحفا ليضل به عن سبيل الله ويتخذها هزوا لكان كافرا، فهذا هو الذي ذم الله تعالى، وما ذم من اشترى لهو الحديث ليروح به نفسه لا ليضل به عن سبيل الله انتهى.
قال الفاكهاني: لم أعلم في كتاب الله ولا في السنة حديثا صحيحا صريحا في تحريم الملاهي، وإنما هي ظواهر وعمومات يتأنس بها لا أدلة قطعية.
وقد استدل ابن رشد بقوله تعالى: {وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه} [القصص: 55] وأي دليل في ذلك على تحريم الملاهي والغناء، وللمفسرين فيها أربعة أقوال: الأول: أنها نزلت في قوم من اليهود أسلموا، فكان اليهود يلقونهم بالسب والشتم فيعرضون عنهم. والثاني: أن اليهود أسلموا فكانوا إذا سمعوا ما غيره اليهود من التوراة وبدلوا من نعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم وصفته أعرضوا عنه وذكروا الحق. والثالث: أنهم المسلمون إذا سمعوا الباطل لم يلتفتوا إليه. والرابع: أنهم ناس من أهل الكتاب لم يكونوا يهودا ولا نصارى وكانوا على دين الله، كانوا ينتظرون بعث محمد صلى الله عليه وآله وسلم فلما سمعوا به بمكة أتوه فعرض عليهم القرآن فأسلموا، وكان الكفار من قريش يقولون لهم: أف لكم اتبعتم غلاما كرهه قومه وهم أعلم به منكم.
وهذا الأخير قاله ابن العربي في أحكامه، وليت شعري كيف يقوم الدليل من هذه الآية انتهى. ويجاب بأن الاعتبار بعموم اللفظ
لا بخصوص السبب، واللغو عام، وهو في اللغة الباطل من الكلام الذي لا فائدة فيه. والآية خارجة مخرج المدح لمن فعل ذلك، وليس فيها دلالة على الوجوب. ومن جملة ما استدلوا به حديث «كل لهو يلهو به المؤمن فهو باطل إلا ثلاثة: ملاعبة الرجل أهله، وتأديبه فرسه، ورميه عن قوسه» قال الغزالي: قلنا قوله صلى الله عليه وآله وسلم " فهو باطل " لا يدل على التحريم، بل يدل على عدم فائدة انتهى.
وهو جواب صحيح لأن ما لا فائدة فيه من قسم المباح. على أن التلهي بالنظر إلى الحبشة وهم يرقصون في مسجده صلى الله عليه وآله وسلم كما ثبت في الصحيح خارج عن تلك الأمور الثلاثة. وأجاب المجوزون عن حديث ابن عمر المتقدم في زمارة الراعي بما تقدم من أنه حديث منكر. وأيضا لو كان سماعه حراما لما أباحه صلى الله عليه وآله وسلم لابن عمر ولا ابن عمر لنافع ولنهى عنه وأمره بكسر الآلة؛ لأن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز.
وأما سده صلى الله عليه وآله وسلم لسمعه فيحتمل أنه تجنبه كما كان يتجنب كثيرا من المباحات كما تجنب أن يبيت في بيته درهم أو دينار وأمثال ذلك. لا يقال يحتمل أن تركه صلى الله عليه وآله وسلم للإنكار على الراعي إنما كان لعدم القدرة على التغيير.
لأنا نقول: ابن عمر إنما صاحب النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو بالمدينة بعد ظهور الإسلام وقوته، فترك الإنكار فيه دليل على عدم التحريم. وقد استدل المجوزون بأدلة منها، قوله تعالى: {ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث} [الأعراف: 157] ووجه التمسك أن الطيبات جمع محلى باللام فيشمل كل طيب، والطيب يطلق بإزاء المستلذ وهو الأكثر المتبادر إلى الفهم عند التجرد عن القرائن، ويطلق بإزاء الظاهر والحلال، وصيغة العموم كلية تتناول كل فرد من أفراد العام فتدخل أفراد المعاني الثلاثة كلها، ولو قصرنا العام على بعض أفراده لكان قصره على المتبادر هو الظاهر.
وقد صرح ابن عبد السلام في دلائل الأحكام أن المراد في الآية بالطيبات: المستلذات ومن جملة ما استدل به المجوزون ما سيأتي في الباب الذي بعد هذا وسيأتي الكلام عليه. ومن جملة ما قاله المجوزون أنا لو حكمنا بتحريم اللهو لكونه لهوا لكان جميع ما في الدنيا محرما لأنه لهو لقوله تعالى: {إنما الحياة الدنيا لعب ولهو} [محمد: 36] ويجاب بأنه لا حكم على جميع ما يصدق عليه مسمى اللهو لكونه لهوا، بل الحكم بتحريم لهو خاص وهو لهو الحديث المنصوص عليه في القرآن لكنه لما علل في الآية بعلة الإضلال عن سبيل الله لم ينتهض للاستدلال به على المطلوب وإذا تقرر جميع ما حررناه من حجج الفريقين، فلا يخفى على الناظر أن محل النزاع إذا خرج عن دائرة الحرام لم يخرج عن دائرة الاشتباه والمؤمنون وقافون عند الشبهات كما صرح به الحديث الصحيح «ومن تركها فقد استبرأ لعرضه ودينه، ومن حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه» ولا سيما إذا كان مشتملا على ذكر القدود والخدود والجمال والدلال والهجر والوصال ومعاقرة العقار وخلع العذار والوقار، فإن سامع ما كان كذلك لا يخلو عن بلية وإن كان من التصلب في ذات الله على حد يقصر عنه الوصف، وكم لهذه الوسيلة الشيطانية من قتيل دمه مطلول، وأسير بهموم غرامه وهيامه مكبول، نسأل الله السداد والثبات.
ومن أراد الاستيفاء للبحث في هذه المسألة فعليه بالرسالة التي سميتها: إبطال دعوى الإجماع على تحريم مطلق السماع.) انتهى كلام الشوكاني


أقول وبالله التوفيق : انظروا إلى أسماء الأئمة المجوزون الذين نقلهم الشوكاني لتعلموا مدى سفاهة عقول الخوارج.

بقى لنا شيئاً أخيراً أنقله لحضراتكم تتمة للموضوع وهو من كتاب الموسوعة اليوسوفية في بيان أدلة الصوفية(311-317):( "ردود على أدلة التحريم"
واما أدلة التحريم التي تمسك بها القائلون بتحريم الغناء والاستماع إليه فلقد ناقشها القائلون بالإباحة مناقشة علمية وحللوها تحليلا بحيث يزيل اللبس والإشكال ويضع النقاط على الحروف فقالوا:
1-إن الآية الكريمة التي تمسك بها القائلون بالتحريم ﴿ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله﴾.
فقالوا عن لهو الحديث أنه الغناء مستشهدين برواية عن ابن مسعود وغيره من الصحابة إلا أن العلماء المحققين ذهبوا إلى ضعف الرواية مستدلين بما جاء في سنن الترمذي أن هذه الآية نزلت في مثل حديث (لا تبيعوا القينات ولا تشتروهن ولا تعلموهن ولا خير في تجارة فيهن وثمنهن حرام كما قال الإمام الترمذي نفسه بعد إيراده لهذا الحديث.
ثم إن هذه الآية نزلت في النضر بن الحارث لأنه يشتري كتب الأعاجم رستم واسفنديار فكان يجلس بمكة فإذا قالت قريش إن محمدا قال كذا ضحك منه وحدثهم باحاديث ملوك الفرس ويقول: حديثي هذا أحسن من حديث محمد صلى الله عليه وآله وسلم .
وقيل كان يشتري المغنيات فلا يظفر بأحد يريد الإسلام إلا انطلق به إلى قينته. فيقول: أطعميه واسقيه وغنيه ويقول: هذا خير مما يدعوك إليه محمد من الصلاة والصيام وأن تقاتل بين يديه.
وهذا الرأي قد ذكره أكثر المفسرين.
ثم إذا أمعنا النظر في منطوق الآية لوجدنا أن احتجاجهم يبطل بها لأن فيها ﴿ليضل عن سبيل الله بغير علم﴾ وهذا القيد متفق عليه كما مر من كلام ابن حزم رضي الله عنه في تفسيرها.

2-وأما الآية الكريمة الثانية التي احتجوا بها وهي قوله تعالى ﴿أفمن هذا الحديث تعجبون﴾... ﴿وأنتم سامدون﴾.
ويقول ابن عباس هو الغناء بلغة حمير . فنقول : ينبغي أن يحرم الضحك وعدم البكاء أيضا لأن الآية تشتمل عليه فإن قيل: إن ذلك مخصوص بالضحك على المسلمين لإسلامهم فهذا أيضا مخصوص بأشعارهم في معرض الاستهزاء بالمسلمين وكما قال تعالى ﴿والشعراء يتبعهم الغاوون﴾ وأراد به شعر الكفار ولم يدل على ذلك تحريم نظم الشعر في نفسه.

3-وكذلك الآية الثالثة التي احتجوا بها وهي قوله تعالى ﴿واستفزز من استطعت منهم بصوتك﴾.
فقالوا: هو الغناء وعن ابن عباس قال: كداع إلى المعصية ومن المعلوم أن الغناء من أعظم الدواعي إلى المعصية ولهذا فسر صوت الشيطان به وقول مجاهد إنه الغناء الباطل . ورواية أخرى عنه: صوته هو المزامير.
نقول: وذهب أكثر المفسرين إلى القول بصوتك: وصوته كل داع يدعو إلى معصية الله تعالى لذلك فلا وجه للتخصيص بالغناء فقط وإنما بكل وسيلة تكون سببا إلى معصية الله.

4-قال الحافظ أبو بكر البغدادي: من تمسك بتسمية أبي بكر مزمار الشيطان فقد اخطأ وأساء الفهم من وجوه منها:
تمسكه بقول أبي بكر مع رد النبي صلى الله عليه وآله وسلم له قوله وزجره عن عنفه لهن ورجوع أبي بكر إشارة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومنها : إعراض هذا القائل عن إقراره صلى الله عليه وآله وسلم واستماعه الذي لا احتمال فيه إلا أنه يقتضي الحل والإطلاق إلى لفظ أبي بكر ومحال أن يعتقد أبو بكر تحريم أمر حضره المصطفى وأقره عليه مع علم الصديق أنه صلى الله عليه وآله وسلم لا يقر على باطل والصحيح أنه يفهم من قول أبي بكر ما يليق به وهو أنه رأى ضرب الدف وإنشاء الشعر لعبا من جملة المباح الذي ليس فيه عبادة مما حمله على تنزيه حضرته صلى الله عليه وآله وسلم عن صورة اللعب ورأى أن الاشتغال بالذكر والعبادة في ذلك الموطن الكريم أولى فزجر عنه احتراما لا تحريما فرد عليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم إنكاره لأمرين:
إحداهما: أن لا يعتقد تحريم ما أبيح من شرعه توسعة لأمته ورفقا بها وتفسحا في بعض الأوقات.
والثاني: إظهار الشارع مكارم الأخلاق وسعة الصدر لأهله وأمته فتستريح ببعض المباح فيكون انشط لهم في العودة إلى وظائف العبادة.

5-وأما حديث الجارية السوداء التي نذرت أن تضرب الدف بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وتتغنى وكان ذلك بحضرة جملة من أصحابه إلى أن حضر عمر رضي الله عنه فكفت فقال صلى الله عليه وآله وسلم «إن الشيطان ليخاف منك يا عمر» فادعوا بأنه دليل على تحريم الغناء، لأن الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم شبه المغني بالشيطان ولكن الحقيقة غير هذا لأن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أظهر لأصحابه منقبة من مناقب عمر هذا من جهة ومن جهة ثانية أن الجارية السوداء كانت قد نذرت بضرب الدف والتغني بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إن هو عاد سالما من سفره والرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم وافقها فالإقرار دليل الجواز حيث لا نذر في معصية الله كما جاء في الحديث الشريف «ثم إنه كان جالسا يسمع لها هو وأبو بكر وعثمان وعلي ولم ينكر عليها فهب أن سيدنا عمر لم يأت يومها فهل يقرها على معصية الله أم أنه يؤدي الأمانة أمام بعض الصحابة ويكتمها أمام الآخرين!!! حاش لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يفعل هذا».

6-وكذلك دعواهم بأن الصحابة والتابعين لم يسمعوا الغناء ولا جلسوا في مجالسه ولم يثبت عنهم أبدا والجواب عن هذا نقول: إن كثيرا من الأخبار جاءت في الكتب الموثوقة – كالإصابة في تمييز الصحابة والاستيعاب في معرفة الأصحاب، وكذلك نيل الأوطار – وذكروا طرفا من أخبار بعض الصحابة الذين كانوا يسمعون الغناء ولكن ليس في مجالس الفحش والمعصية كما جاء في الإصابة لابن حجر في ترجمة حسان بن عكرمة عن ابن عباس قال: مر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بحسان ومعه أصحابه وسماطين وجارية له يقال لها سيرين وهي تغنيهم فلم يأمرهم ولم ينههم وكذلك من مر معنا ذكره من الصحابة والتابعين في الحديث عن الغناء والسماع عند الصحابة والتابعين رضي الله عنهم.
الإمام الشعبي الفقيه الشهير الرواية الموثوق به كان يجعل من داره مكانا لابن سريج يغني فيه عندما استقدمه أهل العراق من الحجاز.
ورب سائل يسأل فيقول: إن الآيات الواردة في سورة الشعراء والتي يقول فيها ربنا عز وجل ﴿والشعراء يتبعهم الغاوون ألم تر أنهم في كل واد يهيمون وأنهم يقولون مالا يفعلون إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله كثيرا وانتصروا من بعد ما ظلموا...﴾.
أليس هذا دليلا واضحا على تحريم الشعر والقول به؟
وللإجابة على هذا التساؤل نقول: إن المفسرين ذكروا أن هذه الآيات إنما نزلت في الكفار كما ذكر ذلك الإمام القرطبي في تفسيره.
حيث روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه حينما نزلت هذه الآيات جاء حسان وكعب بن مالك وابن رواحة يبكون إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقالوا : يا نبي الله أنزل الله تعالى هذه الآية وهو تعالى يعلم أنا شعراء فقال (اقرؤوا ما بعدها) ﴿إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات﴾ أنتم ﴿وانتصروا من بعد ما ظلموا﴾ أنتم ولا تذكروا الآباء والأمهات.
وأما الإشكال الآخر فهو الذي ورد في حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم «لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحا حتى يريه خير من أن يمتلئ شعرا».
قال علماؤنا إن فعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم مع ذلك الشاعر لما علم من حاله فلعل هذا الشاعر كان مما عرف من حاله أنه اتخذ الشعر طريقا للكسب فيفرط في المديح إذا أعطى وفي الهجو والذم إذا لم يعط فيؤذي الناس في أموالهم وأعراضهم ولا خلاف في أن كل من كان على مثل هذا الحال فكل ما يكسبه بالشعر حرام وكل ما يقوله من ذلك حرام عليه ولا يحل الإصغاء إليه بل يجب الإنكار عليه ثم يتابع الإمام القرطبي قوله في تأويل معنى الحديث (لأن يمتلئ) وهذا الحديث أحسن ما قيل فيه وفي تأويله إنه الذي قد غلب عليه الشعر وامتلأ صدره منه دون علم سواه يخوض به في الباطل ويسلك به مسالك لا تحمد عقباها كالمكثر اللفظ والهذر والغيبة والنميمة وقبيح القول.
ولقد تابعه في هذا القول الإمام ابن حجر في الفتح حيث قال في حديث (لأن يمتلئ) ولكن وجهه عندي أن يمتلئ قلبه من الشعر حتى يغلب عليه فيشغله عن القرآن وعن ذكر الله فيكون الغالب عليه واما إذا كان القرآن والعلم الغالبين عليه فليس جوفه ممتلئا من الشعر.
ولعل ما جاء في الإجابة للإمام الزركشي يوضح الإشكال أكثر فأكثر حيث جاء فيه أن السيدة عائشة رضي الله عنها استدركت حديث أبي هريرة رضي الله عنه (لأن يمتلئ) فقالت: لم يحفظ أبو هريرة الحديث إنما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (لأن يمتلئ جوف احدكم قيحا ودما خير له من أن يمتلئ شعرا هجيت به).
ولدى التأمل يتضح لنا من خلال هذا الاستدراك أن الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن لون معين من الشعر وهو فيما يتعلق بهجائه صلى الله عليه وآله وسلم أو ما يكون مشابها للهجاء ومن المعلوم أن هجاء الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم إنما هو هجاء للدعوة الإسلامية وهذا اللون لا خلاف في تحريمه.
وفي هذا القدر كفاية لمن يخضع لقول الله وقول رسوله صلى الله عليه وآله وسلم والله الهادي إلى سواء السبيل والحمد لله رب العالمين.)


_________________
أبا الزهراء قد جاوزت قدري *** بمدحك بيد أن لي انتسابا

سألت الله في أبناء ديني *** فإن تكن الوسيلة لي أجــابا


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
عرض مشاركات سابقة منذ:  مرتبة بواسطة  
إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ 4 مشاركة ] 

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين


الموجودون الآن

المستخدمون المتصفحون لهذا المنتدى: لا يوجد أعضاء مسجلين متصلين و 11 زائر/زوار


لا تستطيع كتابة مواضيع جديدة في هذا المنتدى
لا تستطيع كتابة ردود في هذا المنتدى
لا تستطيع تعديل مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع حذف مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع إرفاق ملف في هذا المنتدى

البحث عن:
الانتقال الى:  
© 2011 www.msobieh.com

جميع المواضيع والآراء والتعليقات والردود والصور المنشورة في المنتديات تعبر عن رأي أصحابها فقط