موقع د. محمود صبيح

منتدى موقع د. محمود صبيح

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين



إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ 10 مشاركة ] 
الكاتب رسالة
 عنوان المشاركة: التصوف وإشكالية مردودة
مشاركة غير مقروءةمرسل: الخميس يناير 01, 2015 6:06 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2005 12:40 am
مشاركات: 14357
مكان: مصـــــر المحروسة

التصوف أمر محدث عرفته الأمة في مراحل متقدمة من تاريخها من بعد القرون الثلاثة الفاضلة.

تلك إشكالية أثارها بعضهم بلا بحث ولاروية في خضم الحرب الدائرة على الأمة وثوابتها.

وكأن ذلك أو هكذا يتوهمون بأن في تأصيلهم لتلك المسألة وجعلها من المسلمات مغمز ومطعن في التصوف كعلم واتجاه وفي الصوفية كتطبيق عملي له.

حتى لو سلمنا لهؤلاء بأوهامهم تلك على خلاف الواقع الحاصل ؛ فإنه فات هؤلاء بأن العبرة ليست بمتى كانت البداية ولكن العبرة بأثر ومآثر ذلك الحادث وهذا الجديد ، والعبرة كذلك بأصل وتأصيل ذلك من عدمه.

فالخوارجية والخروج كمذهب واتجاه والخوارج كثمرة وتطبيق عملي ظهرت من عصر النبوة ، فهل يحمد ذلك لهم ؟!!

بالقطع لا وهذا ما لا يقول به عاقل.

وعلى النقيض من ذلك ظهرت علوم كعلم الرسم وأصول الفقه ومصطلح الحديث بمصطلحاتها ومسمياتها التي لم تعهد قبل ذلك ولكن ظهورها وإن كان متأخراً ولم يعهد في العصر الأول إلا أن أحداً لم يتخذ من ذلك مغمزاً ولامطعناً في تلك العلوم ، بل الجميع يعلم منزلتها بين أبناء الأمة.

وكذلك التصوف فإنه من هذا الباب ويزيد عليه بأنه أقدم منها أصلاً ووجوداً ومسماً واصطلاحاً.

فالتصوف هو سنة الله تعالى في خلقه من لدن آدم عليه السلام إلى أن تقوم الساعة وكان أهله يسمون في الأمم الماضية : بالربانيين والقسيسين والرهبان والأحبار.[1]

فالتصوف والزهادة قديمة قدم الإنسان.

والتاريخ يحدثنا عن بني صوفة وهم جماعة من العرب كانوا يتزهدون ويتقللون من الدنيا.[2]

وصوفة هذا أبو حي من مضر وهو ابن مُرّ بن أُدِّ بن طابخةَ بن إلياسَ بن مُضَرَ، كانوا يخدمون الكعبة في الجاهلية ويجيزون الحاج أي يفيضون بهم.[3]

إذن فالزهد في الدنيا والتقلل منها والإقبال على تعظيم شعائر الله له أصل أصيل في المسيرة الإنسانية عبر تاريخها.

وقد ذَكر الكتاب الذي جُمع فيه أخبار مكة عن محمد بن إسحاق بن يسار، وعن غيره يذكر فيه حديثاً:أنه قبل الإسلام قد خلت مكة في وقت من الأوقات، حتى كان لا يطوف بالبيت أحد، وكان يجيء من بلد بعيد رجل صوفي فيطوف بالبيت وينصرف، فإن صح ذلك فإنه يدل على أنه قبل الإسلام كان يعرف هذا الاسم، وكان يُنسب إليه أهل الفضل والصلاح، والله أعلم.[4]

إذن فالتصوف والصوفية من قديم قد صارا علم على أهل الفضل والخير والصلاح والقيام بحقوق الله عز وجل وخدمة دينه .

فإن سأل سائل فقال: لم نسمع بذكر الصوفية في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي عنهم أجمعين، ولا فيمن كان بعدهم، ولا نعرف إلا العبّاد والزُّهاد والسيَّاحين والفقراء، وما قيل لأحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: صوفي، فنقول وبالله التوفيق:
الصحبة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لها حرمة، وتخصيص من شمله ذلك، فلا يجوز أن يعلق عليه اسم على أنه أشرف من الصحبة، وذلك لشرف رسول الله صلى الله عليه وسلم وحرمته، ألا ترى أنهم أئمة الزهاد والعباد والمتوكلين والفقراء والراضين والصابرين والمختبين، وغير ذلك، وما نالوا جميع ما نالوا إلا ببركة الصحبة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فلما نسبوا إلى الصحبة والتي هي أجل الأحوال استحال أن يفضلوا بفضيلة غير الصحبة التي هي أجل الأحوال وبالله التوفيق.
وأما قول القائل: إنه اسم محدث أحدثه البغداديون، فمحال، لأن في وقت الحسن البصري رحمه الله كان يعرف هذا الاسم، وكان الحسن قد أدرك جماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي عنهم، وقد رُوي عنه أنه قال:
رأيت صوفياً في الطواف فأعطيته شيئاً فلم يأخذه وقال: معي أربعة دوانيق يكفيني ما معي.
وروي عن سفيان الثوري رحمه الله أنه قال: لولا أبو هاشم الصوفي ما عرفت دقيق الرياء.[5]

ولذا كما سبق فإننا نجد ذكر التصوف والصوفية اسماً واصطلاحاً على أهل الفضل والعمل والعبادة والاجتهاد والاقتداء في السلوك لله عز وجل قد أخذ في الظهور في الكتابات والمؤلفات التراثية وعلى ألسنة أهل العلم منذ القرن الأول الهجري ويتأيد ذلك أيضاً بما يلي :

روي عن مساور الوراق [6] أنه قال :

تصوّف كي يقال له أمين ... وما معنى التّصوّف والأمانه
ولم يرد الإله به ولكن ... أراد به الطريق إلى الخيانه [7]

قال ابن الجوزي:[هذا الاسم ظهر للقوم قبل سنة مائتين.]اهـ [8]

قال الذهبي :[وكان للحسن مجلس خاص في منزله، لا يكاد يتكلم فيه إلا في معاني الزهد والنسك وعلوم الباطن، فإن سأله إنسان غيرها تبرم به، وقال:إنما خلونا مع إخواننا نتذاكر، فأما حلقته في المسجد فكان يمر فيها الحديث، والفقه، وعلوم القرآن، واللغة، وسائر العلوم، وكان ربما يسأل عن التصوف فيجيب، وكان منهم من يصحبه للحديث، ومنهم من يصحبه للقرآن والبيان، ومنهم من يصحبه للبلاغة ، ومنهم من يصحبه للإخلاص وعلم الخصوص.]اهـ[9]

وقال ابن خلدون في مقدمته : الفصل السابع عشر في علم التصوف .[هذا العلم من العلوم الشرعية الحادثة في الملة - المقصود ههنا حدوث الاسم لا الأصل كحدوث أسماء بقية العلوم كعلم الأصول وعلم الفقه وعلم الحديث - ، وأصله أن طريقة هؤلاء القوم، لم تزل عند سلف الأمة وكبارها من الصحابة والتابعين، ومن بعدهم، طريقة الحق والهداية و أصلها العكوف على العبادة والانقطاع إلى الله تعالى، والإعراض عن زخرف الدنيا وزينتها، والزهد فيما يقبل عليه الجمهور من لذة ومال وجاه، والانفراد عن الخلق في الخلوة للعبادة، وكان ذلك عاماً في الصحابة والسلف. فلما فشا الإقبال على الدنيا في القرن الثاني وما بعده، وجنح الناس إلى مخالطة الدنيا، اختص المقبلون على العبادة باسم الصوفية والمتصوفة.]اهـ [10]

ابن تيمية يقر بما سبق ولكن كعادته يضمن ويغلف هذا الإقرار بمرواغة وتلاعب بعقول أتباعه.

قال ابن تيمية في مجموع فتاويه :[أما لفظ "الصوفية" فإنه لم يكن مشهوراً في القرون الثلاثة وإنما اشتهر التكلم به بعد ذلك وقد نقل التكلم به عن غير واحد من الأئمة والشيوخ : كالإمام أحمد بن حنبل وأبي سليمان الداراني وغيرهما . وقد روي عن سفيان الثوري أنه تكلم به وبعضهم يذكر ذلك عن الحسن البصري.] اهـ [11]

قلت وبالله التوفيق :

لله درّ من قال : من سيما أهل البدع التناقض .

فها هو يقرر أن :

الإمام سفيان الثوري وقد توفي في عام 161هـ ، والإمام أبو سليمان الداراني وقد توفي في عام 215هـ ، والإمام أحمد ابن حنبل وقد توفي في عام 241 هـ وغيرهم ، بل ومن قبلهم سيدنا التابعي الجليل الحسن البصري وقد توفي في عام 110هـ وعمره تسع وثمانون سنة قد تكلموا في التصوف أو لفظ الصوفية على سياق كلامه .

ثم نراه يُصَدّر كلامه قبل هذه الإقرارات بأن : [لفظ "الصوفية" لم يكن مشهوراً في القرون الثلاثة]!!!!!!!!!

يعني بعد كلام كل هؤلاء بدايةً من القرن الأول الهجري فالثاني فالثالث عن التصوف والصوفية إلا أنه ويالعجب فعند هذا المبتدع لم يكن لفظ الصوفية مشهوراً في القرون الثلاثة !!!!!!

طبعاً حتى يتمشدق أذنابه وأذياله بعد ذلك بأن التصوف بدعة لم ترد عن السلف .

والعيب ليس على أمثال هذا المبتدع بقدر ما هو على من يسمح له ولأمثاله من أهل البدع والضلال بالتلاعب بعقولهم .

هامش :

[1] فيض الوهاب في بيان أهل الحق ومن ضل عن الصواب(1/57 ، 58) للإمام عبد ربه بن سليمان الشهير بالقليوبي.
[2] الأنساب للسمعاني (8/346).
[3] لسان العرب لابن منظور(9/199).
[4] اللمع في التصوف للإمام السراج الطوسي(صـ27).
[5] المرجع السابق(صـ27).
[6]مُسَاوِر الوَرَّاق الكوفي، يقال: إنه أخو سيار أبي الحكم لأمه، ويقال اسم أبيه سوار بن عبدالحميد. روى عن سيار أبي الحكم وشعيب بن يسار مولى ابن عباس وجعفر بن عمرو بن حريث وأبي حصين عثمان بن عاصم الأسدي. روى عنه سفيان بن عيينة ووكيع بن الجراح وحماد بن أسامة. كان يقول الشعر، وثقه ابن معين وابن حبان. قال سفيان بن عيينة: وكان مساور -يعني الوراق- رجلا صالحاً لا بأس به .
قال ابن حجر: صدوق من السابعة. وذكره أسلم بن سهل الواسطي في تاريخ واسط في أهل القرن الثاني .
قال الذهبي : وله حديث واحد في الكتب، وهو أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خطب وعليه عمامة سوداء ، وأشار إلى أنه ممن توفي بين عامي (141 ، 150) هـ .
انظر ترجمته في : المعرفة والتاريخ (2/686) وثقات ابن حبان (7/502) وتهذيب الكمال (27/425-427) وتاريخ الإسلام (حوادث141-160/3 / 979) وتهذيب التهذيب (10/103) والتقريب (2/174) .
[7]العقد الفريد لابن عبد ربه (3 / 170) .
[8] تلبيس إبليس لابن الجوزي(صـ159).
[9] تاريخ الإسلام (7/59) ، سير أعلام النبلاء (4/579).
[10] مقدمة ابن خلدون(صـ328).
[11] مجموع الفتاوى لابن تيمية (11/ 5).


_________________
رضينا يا بني الزهرا رضينا
بحبٍ فيكمو يرضي نبينــــا



يا رب

إِن كَانَ لاَ يَرجُوكَ إِلاَّ مُحسِــــنٌ
فَمَن الَّذِى يَدعُو وَيرجو المُجرِمُ


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: التصوف وإشكالية مردودة
مشاركة غير مقروءةمرسل: الخميس يناير 01, 2015 6:58 pm 
غير متصل

اشترك في: الأربعاء يناير 02, 2013 5:01 pm
مشاركات: 10887
جزاك الله خيرا اخى الفاضل
اللهم صلى على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

_________________
أيا ساقيا على غرة أتى
يُحدثني وبالري يملؤني ،
فهلا ترفقت بى ،
فمازلت في دهشة الوصف
ابحث عن وصف لما ذُقته ....

                         
                 
              


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: التصوف وإشكالية مردودة
مشاركة غير مقروءةمرسل: الخميس يناير 01, 2015 9:17 pm 
غير متصل

اشترك في: الأربعاء إبريل 16, 2014 10:07 am
مشاركات: 142
اخي سهم النور
بارك الله لك
لي عندك طلب بما انك قارئ في الفكر الصوفي
اريد منك ذكر عده مراجع تتكلم في الفرق بين الصوفيه والمتصوفه
فمن المعروف ان الصوفي هو الصوفي الحق الذي تمثل المنهج التربوي الصوفي فيه
والمتصوف من انتسب للصوفيه الحقه لهدف دنيوي ومطامع
فالرجاء المساعده لاني احتاج كتابه مفصله في تللك النقطه لظروف رساله خاصه بي
ولك الشكر سيدي


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: التصوف وإشكالية مردودة
مشاركة غير مقروءةمرسل: الجمعة يناير 02, 2015 5:49 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2005 12:40 am
مشاركات: 14357
مكان: مصـــــر المحروسة

الأخت الفاضلة (النيل الخالد) :

بارك الله فيكِ ، وجزاكِ الله خيراً وشرفني مروركم الكريم.

الأخت الفاضلة (الزينبية الهاشمية) :

بارك الله فيكِ ، وجزاكِ الله خيراً على حسن الظن بالفقير .

وأسأل الحق جل وعلا أن يوفقني لإجابة طلبكِ على وجه حسن مقبول إن شاء الله ، ويا حبذا لو تفضل بقية الأحباب للمشاركة في هذا .

أقول وبالله التوفيق :

إعلمي أختي الفاضلة رزقني الله وإياكِ التوفيق والرشاد أن سؤالكِ وإن قلت كلماته وطلبكِ وإن أوجزت عبارته ؛ إلا أنه قد جمع في طياته مسألة قد طال فيها الأخذ والرد عبر قرون عدة ، والكلام فيها وإن اجتهدت على أن أجعله في أخصره وأدقه إلا أنه على الرغم من ذلك سيكون فيه طول فالرجاء المعذرة والصبر على المتابعة.

بدايةً أختي الفاضلة المسألة ليست محصورة في مجرد مراجع تتكلم عن تلك الفروق بل يجب أولاً معرفة مرجعية من خط تلك المراجع وأهدافه من ورائها .

بمعنى : هناك مثلاً وللأسف الشديد من يدخل كتابات ابن تيمية وابن القيم عن التصوف وما وجهوه من انتقادات في باب التفرقة والتبيين لمنهج الصوفية الحقة والدخلاء.

ويدلل ذلك الفريق على هذا بما في كتابات ابن تيمية ومدرسته مما يدل على كونهم ممن كان لهم قدم في سلوك طريق التصوف والمنافحة عنه في بعض النقاط والإقرار والإذعان بكثير مما يقول به الصوفية ، بل ولهم بعض المؤلفات التي حملت طابع التصوف .

وهذا بالقطع كلام قد جانبه الصواب ، لأن العبرة ليست بمجرد رصد تلك الفروق أو إظهار الفرق بين الصوفية والدخلاء ، العبرة بالمحصلة النهائية لهذا العمل .

فنجد أنه عند ابن تيمية ومدرسته ينتهي بنا الحال إلى أنهم بالعامية بيفصلوا تصوف على مزاجهم ، لا على ما درجت عليه الأمة ، وكذا تجدين حال هذه المدرسة في الفقه والعقيدة والتاريخ.... الخ .

أما من اعتمد على كتابات ابن الجوزي رحمه الله في التفرقة بين الصوفية والدخلاء أو الأدعياء كما في كتابه [تلبيس إبليس] فقد جانب الصواب أيضاً.

فابن الجوزي رحمه الله تعالى لم يوفق في كتابه هذا إجمالاً وليس في الفصل المتعلق بالتصوف والصوفية فقط فقد خلط فيه خلطاً عجيباً واعتمد على منهجيات مستغربة ، حتى انتهى الأمر إلى أن قال عن ذلك الكتاب أمثال سلطان العلماء العز بن عبد السلام [لقد اطلعت على كتاب تلبيس إبليس فوجدته بئس الجليس] وحسبنا بهذا القول من مثل هذا الإمام.

أعتقد والله أعلى وأعلم أن الإشكالية التي أوقعت من حاول أن يقوم بتلك التفرقة بين الصوفية والأدعياء أمرين اثنين :

أولهما أنه ممن لم يكن من داخل الصوفية على التحقيق بل كان على الراجح ممن انتمى لها ظاهرياً أو ممن لم ينتمي لهم أساساً .

وثانيهما : الخلط أما عن عمد أو عن جهل بين متعلقات كل علم وما يختص به من موضوعات .

بمعنى لو وجد فقيه مثلاً أن أحد الصوفية يخطئ في صلاته فهذا الخطأ ناتج عن تقصير في معرفته بعلم الفقه ولا علاقة له بعلم التصوف .

ولو وجدنا أن أحد الصوفية قد أخطأ في مسألة من مسائل الاعتقاد فهذا الخطأ ناتج عن تقصير في معرفته بالعقيدة ولا علاقة له بعلم التصوف.

ولا يصح بناءً على ذلك أن نطعن في التصوف لوجود أخطاء فقهية أو عقائدية عند بعض الصوفية على سبيل المثال ، فعلم التصوف غير معني بدراسة تلك الأمور وتقرير الأحكام الشرعية فيها.

ذلك أن الصوفي في عبادته واعتقاده إنما يأخذ ذلك عن علماء تلك العلوم وما قرروه فيها.

أما ما يصنع الفارق بين الصوفي وغيره هو كيفية التطبيق والفهم العالي لتلك الأحكام ، فالتصوف هو الذي يقود نحو التطبيق الأمثل لها مما يؤدي إلى إثمار تلك التعبدات على الصوفية بوجه مختلف عن غيرهم.

لذا أعتقد والله أعلى وأعلم بأن هذا مما حدا بأمثال حجة الإسلام الإمام الغزالي وغيره إلى القول بأن التصوف فرض عين.

لذا فكل من ينقم على أو ينتقد الصوفية في مسائل مثلاً كالزيارة والتوسل والتبرك والحركة في الذكر أوالاعتقاد فهو إما جاهل أو كذاب.

فالصوفية إنما أخذوا ذلك عن أئمة الفقه والعقيدة حال كون تلك الموضوعات من مباحث تلك العلوم.

ولا دخل لعلم التصوف في تقرير حكم شرعي في ذلك ، فمباحثه لا تعلق لها بتلك الأمور إلا من ناحية الفهم العالي والتطبيق الأمثل.

فأي نقد موجه للصوفية في مثل تلك الأمور هو على التحقيق طعن في أئمة الأمة من علماء الفقه والعقيدة.

ولا يجب أن يغيب عنا أن التصوف تجربة روحية خاصة بكل إنسان دون الآخر ، حتى أننا نلاحظ أن ثمرة سير أبناء الطريق الواحد الذين تلقوا هذا الطريق على يد ذات الشيخ أو الأستاذ نجدها مختلفة ومتباينة بينهم.

أما من تكلم عن مسألة التفرقة بين الصوفية والأدعياء والدخلاء في عصرنا الحاضر ومنهم بعض المنتسبين للتصوف فللأسف الشديد قد فتحوا بذلك باباً من الفتنة عن قصد أو غير قصد وذلك بفتح الأبواب الخلفية لهدم التصوف والصوفية تحت دعاوى التجديد وتنقية الطرق من البدع.

مع أنه على التحقيق أن كل تلكم المآخذ المزعومة لا تعدوا إلا أخطاء فقهية أو عقائدية ولا دخل لعلم التصوف بها من الأساس.

ولله در من قال :

[جمع جبريل عليه السلام لحضرته صلى الله عليه وعلى آله وسلم أمور هذا الدين في ثلاث حين سأله جبريل عليه السلام : عن الإسلام ، والإيمان ، والإحسان ؟ وكيف قيض سبحانه وتعالى ووجه من عباده لدينه من قام بكل أمر من هذه الأمور الثلاثة فالفقهاء لبيان الإسلام . وعلماء التوحيد لبيان الإيمان . والصوفية لبيان مقام الإحسان الذي هو أعلى مراتب الدين.] اهـ

لذا حدا هذا ببعض العلماء إلى القول بعدم صحة وقف أوقاف على الصوفية لأنه لا حد لهم فيعرفون ، فلا يشترط من كون جماعة اجتمعوا وادعوا بأنهم صوفية أن يكونوا كذلك ، فالتصوف علاقة خاصة جداً بين العبد وربه.

فالصوفية يجرون في الفقه على قانون الفقه والفقهاء ، وفي العقيدة على قانون العقيدة وعلمائها ، فإن كان خلل من أحدهم فتصوفه لم يأمره به.

وإذا كان التصوف هو مقام الإحسان الذي هو مقام المراقبة بين العبد وربه فكيف لنا وقتها أن نتهم هذا أو ذاك بأنه دخيل أو دعيّ ؟!!

لو خالف أحدهم ظاهر الشريعة فيكون قد خالف أمراً فقهياً أو اعتقادياً فمال التصوف ولهذا ؟!!!

أما لو ادعى ذلك الكذاب أن التصوف قال بهذا قلنا له من فورنا كذبت فعلم التصوف لا دخل له بهذا ولا يقرر حكماً في تلكم المسائل.

لذا أختي الفاضلة لن تجدي في كتب التصوف أنهم مثلاً قد عقدوا بها أبواباً للفقه أو للاعتقاد وقالوا أن هذا خاص بالصوفية ، بل لو وجدتي أموراً فقهية أو اعتقادية بتلك الكتب فهي على قانون تلك العلوم تسير لأنها هي المختصة بها.

وحملات أئمة التصوف في كتبهم تلك على الأدعياء والدخلاء يردون فيها على كل خطأ بالعلم الذي يتعلق به.

أحببت أختي الفاضلة أن أضع بين يديكِ هذا الكلام وأعتذر مرة أخرى على التطويل.

وأحب أن أشير إلى أن مسألة استخدام لفظ المتصوف إلى المنتسب للصوفية الحقة لهدف دنيوي ومطامع أمر غير مسلم به ، فقد استخدمه بعضهم للإشارة للصوفي الحق ، أو لمن يتشبه بالصوفية ويحاول ويجتهد بجد وإخلاص في السير على طريقتهم ، أو لمن هو في البدايات ، والأمر في ذلك يطول وكما قيل لا مشاحة في الاصطلاح .

أما عن المراجع فخير ما يُقرأ في ذلك الباب هو كلام من كان انتماؤه على التحقيق لتلك المدرسة وكلامه في هذا الباب للبناء لا للهدم ومن هذا الباب ما يلي :

- الرسالة القشيرية في علم التصوف للإمام عبد الكريم بن هوازن القشيري ويا حبذا لو كانت المطبوعة بتحقيق الإمام الأكبر شيخ الأزهر الشريف الأسبق الدكتور عبد الحليم محمود ، والدكتور محمود بن الشريف ، وبتذييل شيخ الإسلام الإمام العلامة زكريا الأنصاري.

- تأييد الحقيقة العلية وتشييد الطريقة الشاذلية للإمام الحافظ النظار المفسر الأصولي الفقيه جلال الدين السيوطي.

- تنبيه المغتريين أواخر القرن العاشر على ما خالفوا فيه سلفهم الطاهر للإمام العلامة الأصولي الفقيه المحدث عبد الوهاب الشعراني ، وله أيضاً المنن الكبرى وإن كان يتحدث فيه عن نفسه إلا أنه يدخل في هذا الباب أيضاً من وجوه تظهر لمن طالعه.

وآخر ما وقف عليه الفقير من ذلك : كتاب حتى لا تضيع الهوية الصوفية لفضيلة مولانا السيد الشريف الأستاذ الدكتور محمود السيد صبيح حفظه الله ، وهذا الكتاب يزيد على ما سبق بجوانب أخرى كثيرة متنوعة فرضها واقعنا المعاصر.

وفي الختام أرجو من الله عز وجل أن أكون قد وفقت في إجابةِ طلبك أختنا الفاضلة الكريمة.

فإن كان من خير فهو من فضل الله وبفضله ، وإن كان غير ذلك فمن نفسي وأسأله التوبة والمغفرة والهداية للرشاد.


_________________
رضينا يا بني الزهرا رضينا
بحبٍ فيكمو يرضي نبينــــا



يا رب

إِن كَانَ لاَ يَرجُوكَ إِلاَّ مُحسِــــنٌ
فَمَن الَّذِى يَدعُو وَيرجو المُجرِمُ


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: التصوف وإشكالية مردودة
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأحد يناير 04, 2015 5:45 pm 
غير متصل

اشترك في: الأربعاء إبريل 16, 2014 10:07 am
مشاركات: 142
شكرا اخى سهم النور
شرح جلي وعرض واضح
اعزكم الله
ولا تقلق اني اجيد التفريق بين المؤلفين واتجاهاتهم
هل من الممكن مساعده اخرى سيدي
لدي عنوان في البحث {اسهامات التربيه الصوفيه لدفع المتغيرات الحاليه}
وانا كتبت واحده وهي من هذه الاسهامات {الارتكاز على الهويه الاسلاميه }
وار يد اسهامات اخرى غير الارتكاز تكون مراجع حديثه تكلمت عنها
وان لم يوجد فماذا تقترح سيدى سهم النور من اسهامات يمكن ان اكتب عنها
شريطه ان يوجد لها مراجع
وشكرا واعلم اني اثقل عليك


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: التصوف وإشكالية مردودة
مشاركة غير مقروءةمرسل: الاثنين يناير 05, 2015 11:56 am 
غير متصل

اشترك في: الأربعاء يناير 02, 2013 5:01 pm
مشاركات: 10887
بسم الله الرحمن الرحيم
تسمحولى الأفاضل الكرام بالمشاركة
اختى الفاضلة الزينبية الهاشمية عندى رد على تساؤلاتك قد افيدك من خلاله والله المستعان
يوجد كتاب اسمه
(التجليات الروحية قى الإسلام
نصوص صوفية عبر التاريخ)
هذا الكتاب دراسة وإعداد وتقديم
دكتورجوزيينى سكا تولين _استاذ التصوف الإسلامى بالمعهد البابوى للدراسات االعربية والإسلامية بروما_
احمد حسن أنور
_ماجستير التصوف الإسلامى _
تصدير دكتور احمد الطيب رئيس جامعة الأزهر
صادر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب
2008
فمثلا الجزء الأول :
نشأءة وتطور التصوف من القرن الأول الهجرى /السابع الميلادى حتى القرن الثالث الهجرى/التاسع الميلادى
1_من الزهد إلى التصوف فى القرنيين الأول والثانى الهجريين
1_1الأحوال السياسية والأجتماعية فى المجتمع الإسلامى
1_2نشأة حركة الزهد وتطورها
وهكذا حتى
التصوف الإسلامى _فى القرنين السادس والسابع الهجريين /الثانى عشر والثالث عشر الميلاديين
عصر التصوف الفلسفى
وهو كتاب ضخم عدد صفحاته 684
صفحة يوجد أيضا كتاب
المذاهب الصوفية ومدارسها
لكاتب اسمه
عبد الحكيم عبد الغنى قاسم
مكتبة مدبولى
دراسة فى التجربة الصوفية
لنهاد خياط
دار المعرفة
اعتقد أن هذه الكتب بها ما تبحثى عنه
اول كتاب اشرت عليه مفيد جدا لكى فى بحثك
سأقوم بتصوير بعض الصفحات التى تتحدث عما طرحتيه من تساؤل قد تفيدك والله المستعان
ربنا يوفقك ويعطيكى ما تتمنيه اللهم امين

_________________
أيا ساقيا على غرة أتى
يُحدثني وبالري يملؤني ،
فهلا ترفقت بى ،
فمازلت في دهشة الوصف
ابحث عن وصف لما ذُقته ....

                         
                 
              


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: التصوف وإشكالية مردودة
مشاركة غير مقروءةمرسل: الاثنين يناير 05, 2015 11:37 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2005 12:40 am
مشاركات: 14357
مكان: مصـــــر المحروسة

إن شاء الله أختنا الفاضلة (الزينبية الهاشمية) سأحاول إفادتك على قدر المستطاع ولكن أحتاج بعض الوقت .

فاللهم يسر وأعن .


_________________
رضينا يا بني الزهرا رضينا
بحبٍ فيكمو يرضي نبينــــا



يا رب

إِن كَانَ لاَ يَرجُوكَ إِلاَّ مُحسِــــنٌ
فَمَن الَّذِى يَدعُو وَيرجو المُجرِمُ


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: التصوف وإشكالية مردودة
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأربعاء يناير 07, 2015 4:28 pm 
غير متصل

اشترك في: الأربعاء إبريل 16, 2014 10:07 am
مشاركات: 142
شكرا جزيلا سيدي سهم النور
ومعك كل الوقت وناسف على الازعاج
اختي الغاليه النيل الخالد
مشاركتك مفيده
والكتاب الاول عندي واستفدت منه بالطبع
والكتاب الثاني قيم ولكنه غير مناسب لموضوع البحث
حيث اني اتناول التصوف من عهد الصحابه حتى القرن الخامس الهجري
حيث التصوف السني الخالص قبل ان يختلط عليه الفلسفه
وشرفني مرورك العطر


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: التصوف وإشكالية مردودة
مشاركة غير مقروءةمرسل: الخميس يوليو 23, 2015 1:09 pm 
غير متصل

اشترك في: الأربعاء فبراير 03, 2010 12:20 am
مشاركات: 7655
اللهم صل على سيدنا محمد وآله وسلم
جزاكم الله خيرا
وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم

_________________
صلوات الله تعالى تترى دوما تتوالى ترضي طه والآلا مع صحب رسول الله


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: التصوف وإشكالية مردودة
مشاركة غير مقروءةمرسل: الخميس يوليو 23, 2015 6:32 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2005 12:40 am
مشاركات: 14357
مكان: مصـــــر المحروسة

وبارك الله فيكم شيخنا الحبيب الفاضل (فراج يعقوب) ودائماً يسعدني مروركم الكريم.


_________________
رضينا يا بني الزهرا رضينا
بحبٍ فيكمو يرضي نبينــــا



يا رب

إِن كَانَ لاَ يَرجُوكَ إِلاَّ مُحسِــــنٌ
فَمَن الَّذِى يَدعُو وَيرجو المُجرِمُ


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
عرض مشاركات سابقة منذ:  مرتبة بواسطة  
إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ 10 مشاركة ] 

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين


الموجودون الآن

المستخدمون المتصفحون لهذا المنتدى: لا يوجد أعضاء مسجلين متصلين و 1 زائر


لا تستطيع كتابة مواضيع جديدة في هذا المنتدى
لا تستطيع كتابة ردود في هذا المنتدى
لا تستطيع تعديل مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع حذف مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع إرفاق ملف في هذا المنتدى

البحث عن:
الانتقال الى:  
© 2011 www.msobieh.com

جميع المواضيع والآراء والتعليقات والردود والصور المنشورة في المنتديات تعبر عن رأي أصحابها فقط