موقع د. محمود صبيح

منتدى موقع د. محمود صبيح

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين



إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ 4 مشاركة ] 
الكاتب رسالة
 عنوان المشاركة: بمناسبة غرة المحرم عام 1445 هجرية
مشاركة غير مقروءةمرسل: الخميس يوليو 20, 2023 11:40 am 
غير متصل

اشترك في: الثلاثاء يناير 06, 2009 4:44 pm
مشاركات: 6132




الهجرة



الهجرة أعظم حادث فى تاريخ البشر



لم يتمخص التاريخ عن حادثة أجل ولا أروع من حادثة الهجرة النبوية المحمدية ، تلك التى قلبت وجه التاريخ أنقلابا خطيرا ، وفرقت بين عهدين ، عهد الفوضى والظلم والوحشية ، وعهد النظام والعدل والإنسانية .

تلك التى مزقت الأناينة والاستبداد والهمجية ، وتفجرت عن عصور المساواة والمدنية والحرية سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، صفوة البشرية ، وخاتم الأنبياء والمرسلين ، وسيد بنى هاشم يترك مكة وطنه ، ومسقط رأسه ومقر آبائه وأجداده .

مهاجرا فى سبيل تحقيق مثله الأعلى الذى اصطفاه الله من أجله إلى ( يثرب ) المدينة المنورة . فيؤاخى بين المهاجرين والأنصار ، ويكون جبهة من الرجال كلهم يقين وإن كانوا قلة ، وكلهم عزمات صادقة وإن كانوا ليسوا للحرب على أهبة .

فيفتح بهم الدنيا فتحا جديدا ، ويملأ نور الاسلام الخافقين فى مدة ودجيزة ، هذا عجب ، يسترعى الانظار ، ويملأ الأفئدة جلالا وعظمة ، ولحدث جدير بان يعد أعظم حادث فى تاريخ الانسانية
ونقول الانسانية جمعاء لأن نوره عليه الصلاة والسلام وما جاء به من مثل عليا للناس كافة انتفع به البر والفاجر ، والمؤمن والكافر ، فلو أنصفت الانسانية لاتخذته عيدا قوميا . يلبسون فيه ثيابا من سندس واستبرق ، ويتوجونه بأقدس ما تعارفوه من أكليل آخذا مكانه اللائق به ، فى جبين التاريخ

ولكن أنى للانسان الانصاف فى عصر طغت فيه المادية والرأسمالية على كل شىء من عواطف الحب والأخاء والمساواة وغيرها من مثل الاسلام العليا

إذن فلندع هؤلاء الضالين فى ضلالتهم ، ولنتحدث إلى ما ينوف والحمد لله على الملأيين من المسلمين فى مشارق الأرض ومغاربها فى موضوع الهجرة التى أتخذها ابو بكر وعمر وعلى وعثمان وغيرهم من عظماء الاسلام مبدأ للتاريخ الاسلامى ، وفيصلا مبينا بين الظلام والنور .

عساهم يقدرونها قدرها ، ويستذكرون عهدها ، فتذكى الذكرى فى نفوسهم مجدا تالدا أهملوه وتراثا خالدا بددوه ، وأملا حلوا ينتظرونه ، والذكرى تنفع المؤمنين ،وقبل أن نلم إلمامة بمقدان ما تسمح به هذه العجالة نتساءل عن السبب الذى دعا حضرة سيدنا المصطفى صلى الله عليه وسلم إلى هذه الهجرة والتاريخ خير مجيب بالحق وصادع بالبرهان ، من أن السر فى ذلك إنما هو ائتمار قومه به ، بعدأن أفرغوا كل ما فى جعبتهم من وعد ووعيد ، وجفاء وتهديد ، بغية نزوله على إرادتهم ، وعدم تعرضه لسبب آلهتهم وتسفيه عقولهم ، تلك الأحجار التى عكفوا عليها يسجدون لها من دون الله ، كل ذلك والقرآن يتحداهم ويفضح أسراراهم فى أسلوب معجز قاهر ، ونظم بديع باهر ، فلم يكن بد من اجتماعهم فى دار ندوتهم ليروا رأيهم ، وهناك اختلفت الآراء ، فمن قائل نصلبه ، ومن قائل نكتفى بنفيه من الديار ، ومن ثالث يقول نقتله، فاختاروا القتل ،ولكنهم تشاوروا فى كيفيته ، وأخيرا اجمعوا على اختيار فتى قوى من كل قبي لضربوه ضرة رجل واحد فيتفرق دمه فى القبائل ففضحهم القرآن الكريم فى الحال حيث نزل الوحى الكريم بقوله تعالى ( وإذ يمك ربك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتولك أو يخرجوك ، ويمكرون ويمكر الله ، والله خير الماكرين )

فهو وحده الكفيل بمنع أذاهم عنط ، وفشل تدبيرهم بأزائك ، ونصرك عليهم ،وأمره أن يأمر أصحابه سرا فى أن يحلقوا بالمدينة فتسابق السابقون الأولون من المهاجرين – حتى كانت الليلة التى تواعدوا على إنجاز جرمهم فيها ، فأناب صلى الله عليه وسلم مكانه عليا بن أبى طالب كرم الله وجهه ، فنام على سريره وآنئذ كان القوم قد تجمهروا وأحاطوا ببيت الرسول صلى الله عليه وسلم ينتظرون الفتط به ،وكان خليله أبو بكر الصديق رضى الله عنه قد أعد راحلتين للسفر بهما معا إلى المدينة فسارا حتى وصلا غار ثور – ودخلاه ليستريحا بعض الشىء حتى يستأنفا السفر من جديد إلى المدينة –

أما القوم فانهم لما استطالوا خروجه صلى الله عليه وسلم اقتحموا البيت فوجدوا النائم عليا بن إبى طالب لا محمدا بن عبد الله فجن جنونهم وراحوا يبحثون عنه هنا وهناك – ومن عجيب أمرهم أنهم وصلوا إلى الغار ووقفوا عليه يتناجون مدة : هل يكون فيه ام لا ؟ فاعمى الله أبصارهم عنه وانصرفوا صرف الله قلوبهم ، وكان ابو بكر يسمع نجبهم وهو من أجل حبيبه فى غاية الحزن والرسول يسليه ويطمئنه وفى ذلك يقول أحكم الحاكمين ( ثانى اثنين إذ هما فى الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا )

وأما أهل المدينة فانهم لما علموا بمقدم الرسول امتلأت قلوبهم أريحية وسرورا وأخذواكل يوم يتشوفون مطلعه السعيد ووجه الأبيض الذى يستسقى به العمام حتى إذا بمناديهم يقول ، يا معشر اهل يثرب هذا هظكم الذى تنتظرونه فهم الجميع زرافات ووحدانا ، رجالا ونساء ، شيوخا واطفالا ، واستقبلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم استقبالا رائعا فى الحفاوى إلى حد لم يشهد التاريخ مثله ، حتى إن الفتيات كن يعزفن على الدفوف ويعنين هذه الأنشودة الخالدة

طلع البدر علينا من ثنيات الوداع

وجب الشكر علينا مادعا للـــــــــــــــه داع

أيها المبعوث فينا جئت بالأمر المطاع



وأحاطوا بالرسول صلى الله عليه وسلم إحاطة الهالة بالقمر ، والكل يأخذ بزمام ناقته وكان قد نزل بقباء أسس مسجده الذى أسس على التقوى من أول يوم ليعطى أمته درسا عمليا فى أن يناء المساجد هو أول الدعامات التى يرتكز عليها دينه القويم ، وطفق يؤاخى بين المهاجرين والأنصار ويعقد منهم أخوة لا تقل عن أخوة النسب شأنا ،وكون منهم تلك الجبهة المتساندة بحق ، تلك التى دوخت على قلتها جموع العرب على كثرتها ،وضرت على أيدى المنافقين فزعزت أركانهم ، وكان الواحد منهم بعشرة من هؤلاء ( إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين ) ولعل تتساءل . فتقول : لماذا كان الرجل من الموحدين المؤمنين يغلب عشرة من الوثنيين الكافرين ؟ والجواب : ما أشار إليه القرآن الكريم ( قل هل تربصون بنا الا إحدى الحسنيين ونحن نتربص بكم أن يصيبكم الله بعذاب من عنده أو بأيدينا ) وإحدى الحسنيين إما الاستشهاد فى سبيل الله إن لم يكن فى العمر بقية ، وإما نيل شرف الجهاد فى سبيل الله ، وكلا الامرين جميل وجميل
وكيف لا وهم موقنون بان ربهم الواحد الذى بيده نفوسهم وهو وحده المالك لنواصيهم ، قد وعدهم أجمل الطريقين ، فامتلأوا يقينا وثقة فراحت تلك القوة المعنوية ،وهذه العقيدة القوية ، تملى عليهم هذه البطولة الرائعة ، فكان الواحد منهم يتمنى الموت مستشهدا فى سبيل الله ، ويؤثره على الحياة الدنيا ، ليحظى بما أعده الله للشهداء من نعيم مقيم فى دار الكرامة والجزاء ، وتكاد نفسه تطير شوقا إلى مقعد الصدق فى صفوف الشهداء ( ولا تحسبن الذين قتلوا فى سبيل الله أمواتا بل احياء عند ربهم يرزقون ، فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون ) وكان الإمام على كرم الله وجهه يتمنى من كل قلبه تلك الموتة الخالدة – بل مالى اذهب بك بعيدا وهذه صفوة البشر صلى الله عليه وسلم يقول ( لوددت أن أقتل فى سبيل الله ، ثم أحيا ثم أقتل ) قالها ثلاثا ، ولقد ألقم القرآن الحجر أهل الكتاب حينما زعموا ان الدار الآخرة لهم وحدهم دون الناس قال تعالى ( قل إن كانت لكم الدار الآخرة عند الله خالصة من دون الناس فتمنوا الموت إن كنت صادقين ) وهذه من معجزاته صلى الله عليه وسلم لأنهم بهتوا حينذاك ولم يجسر أحد منهم على الأعتراف بحبه الموت وإيثاره على الحياة بخلاف المؤمنين الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه ( من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا ) وبهذا تدرك الفرق بين قلب أشمع بعقيدة التوحيد المقدسة ، وقلب محطم على مذبح الأصنام والشرك ، وتدرك الفرق بين العزة والرجولة ن وبين الجبن والنذالة ، وقد حقق الله لنبيه ما وعده فدخل هو وأصحابه بعد ذلك المسجد الحرام آمنين محلقين رءوسهم ومقصرين ودخل الناس فى دين الله أفواجا ، هذا قليل جدا من كثير عريض ، والله أدعو أن يجعل هذا العام الهجرى الجديد عام يمن وفتح ونصر للمؤمنين فى ربوع الدنيا ولا تنس أن تؤرخ داءما ما تكتب بالتاريخ الهجرى المجيد ، فان إهمال ذلك خزى ومعرة لا تليق –
فيا هجرة الرسول خذى بالقم غلىحياة المجد والعزة والخلود


(( مقال فى مجلة الاسلام مصر فى يوم الأحد 15 غبريل سنة 1934
الموافق غرة المحرم سنة 1353 هــ ))

لفضيلة الاستاذ الجليل الشيخ سيد حسن الشقرا - رحمه الله وقدس سره



أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: بمناسبة غرة المحرم عام 1445 هجرية
مشاركة غير مقروءةمرسل: الجمعة يوليو 21, 2023 5:09 pm 
غير متصل

اشترك في: الثلاثاء يناير 06, 2009 4:44 pm
مشاركات: 6132



المحرم



- أهل هلال المحرم أوكان وإنه ليذكرنا – وما أحسن هذه الذكرى عندنا وأطيبها على نفوسنا

- بالمحرم للسنة الأولى الذى جعل منه التاريخ الشريف ، ذلك الشهر الذى نحمل له بين جنباتنا أحسن الذكرى وأجمل الأثر وغذا كان فى الأشهر شقى وسعيد فان هذا الشهر من أسعد الشهور وأحقها بالتهليل والتكبير عن مقدمة المحبوب وبزوع هلاله المشرق المضىء ، ونحن نرى أنه ينبغة لجميع الأمم الإسلامسة فى سائر الأقطار ان يقابلوا هذا الشهر بكل أنواع الفرح والابتهاج وان يحتفلوا به احتفالهم بأكبر مواسمهم وأعظم أعيادهم ونشكر لحكومتنا المصرية – أن جعلت أول مفتتح هذا الشهر يوم عطلة رسمية إلانا لفضله واعترافا بكرامته ولكن أين هى الزينات تقام والأعلام تنصب والمحافل تجتمع والخطباء تشيد لذكره ؟

- وأين هى الطبول تدق والدفوف تضرب والثريات تضاء والشوارع تجمل ؟

- فأن هذا أقل ما يجب ان يقابل به يوم فرح كهذا اليوم له مال له فى نفوسنا من تجلة وإكبار ، فإنه مبدأ ظهور الإسلام دين الفطرة ودين الانسانية الصحيحة وانتشار ضيائه الباهر فى جزيرة العرب من أقصاها إلى أقصاها حيث وجد القلوب النقية الطاهرة والنفوس الصافية الزكية بعد أن مكث عشر سنين تدافعة القلوب القاسية وتتحرش به النفوس المظلمة الكدرة محاولين إخفاء نوره واستئصال شأفته ( يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون ) فإنه جل شأنه ( أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره الكافرون )
أرسل الله تعالى معلم الانسانية الأكبر ومنقذها من عمايتها وهاديها من ضلاتها فى مكة المكرمة بين قومه وعشريته وآله وعترته ليخرجهم من الظلمات إلى النور بأذه ربه وكلهم يعرف مكانته من الفضل والأمانة والصدق والبعد عن الخيانة والتحلى بمكارم الأخلاف وأجمل الصفات والتنزه عن كل نقص ورزيلة حتى دعوه بينهم بالصادق الأمين وحكموه بينهم فى قضية كانت من أعظم القضايا عندهم استلوا من أجلها السيوف من أغمادها والسهام من كناناتها ، ولكنه صلى الله عليه وسلم حكم بينهم حكم الحازم العاقل والبصير الناقد فارتضوا حكمه العدل واطمأنت النفوس وهدأت العواصف ، ومع هذا وأكثر منه لما جاءه الوحى من ربه وقام يعلن بينهم كلمته ويدعوهم اليها لم يجد منهم إلا ردا لدعوته ولجالجا فى خصومته وكأنه جاء شيئا ادا ( تكاد السموات يتفطرن منه وتنشف الأرض وتخر الجبال هدا )

- فأخذوا يكيدون له صلى الله عليه وسمل كيدا ويناصبونه العداء ويغرون به عقلاءهم ويحرضون عليه جهلاءهم حتى شغلهم أمره عن جل أمورهم وكانوا قوما عمين وعن الحق ( وقد ظهر ) معرضين

- هكذا كان حالهم مع هذا الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم حتى ضاقوا به ذرعا ، وحاروا فيما يصنعونه فيه فاجتمعوا فى دار لهم تسمى دار الندوة كانت نديا للقوم يجتمعون فيه للتشاور ولا يقضون أمرا إلا فيه ، وبعد تحاور شديد أرتأى لهم أبو جهل لعنه الله أن يأخذوا من كل قبيلة فتى جلدا نسيبا ثم يعطعو كل فتى سيقا صارما فيعمدوا اليه فيضربوه ضربه رجل واحد ، فيتفرق دمه الشريف فى القبائل جميعا ولا تستطيع بنو عبد مناف أن يعادوا جميع العرب فيرضوا بالدية ، فيوافقوا جميعا وفرحوا بهذا الرأى الجبار الفادر وحسبوا أنهم به الغون ما أملوا ( وما ربك بغافل عما يعمل الظالمون ) ( ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين )

- فابلغ اللهنبيه بما دبروه له صلى الله عليه وسلم وبيتوه للوقعية به ، وامره بالهجرة الشريفة وكان قد حصل التميد قبل ذلك لتلك الهجرة المباركة حيث كان صلى الله عليه وسلم يعرض نفسه على القبائل فى المواسم العربية ليحموه حتى يؤدى رسالة ربه ، فكان بعضهم يرده ردا جميلا وبعضهم يقبح فى رده ، حتى أن يعضهم اشترك لنفسه أن يكون الأمر له من بعده فقال صلى الله عليهوسلم ( الأمر لله يضعه حيث يشاء )

- صم تعرض فى موسم من المواسم الحج لنفر من الخزرج يبلغون الستة فدعاهم إلى الإسلام وإلى معاونته فى تبليغ رسالة ربه فآمنوا به وصدقوه ووعدوه المقابلة فى الموسم المقبل فلما كان العام القابل قدم اثنا عشر رجلا عشرة من الخزرج واثنان من الأوس ، فاجتمعوا عند العقبة واسلموا وبايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن لا يشركوا بالله شيئا ولا يسرقوا ولا ينزنوا ولا يقتلوا أولادهم ولا يأتوا ببهتان يفترونه بين أيديهم وأرجلهم ولا يعصوا فى معروف ، فأن وفوا فلهم الجنة وإن نقضوا من ذلك شيئا فأمرهم إلى الله عز وجل إن شاء غفر وإن شاء عذب

- ثم أرسل اليهم صلى الله عليه وسلم سيدنا مصعب بن عمير العبدرى ، وسيدنا عبد الله بن أم مكتوم يقرآنهم القرآن الكريم ويفقهانهم فى الدين حتى جاء العام القابل وفد على مكة كثيرون منهم يريد الحج وبينهم كثير من مشركيهم فقابل وفدهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فوعدهم المقابلة عند العقبة ليلا فلما داء الوقت تسللوا حتى جاءوها ووافاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم هناك ، فقالوا له صلى الله عليهم وسلم يارسول الله خذ لنفسط وربك ما أحببت فقال أشترط لربى أن تعبدوه وحده ولا تشركوا به شيئا ولنفسى أن تمتعونى مما تمنعون منه نسائءكم وأبناءكم متى قدمت عليكم فبايعوه رضى الله عنهم جميعا على ذلك ، ولأمر أراده الله تعالى بلغ أمر هذه البيعة آذان قريش فاشتد أذاهم وزاد تعديهم على النبى صلى الله عليه وسلم ,اصحابه فأمرهم بالهجرة إلى إخوانهم الجدد فيهاجروا أليهم خفية من قريش أن تمنعهم فأكرموا وفادتهم وشاطروهم أموالهم ( ولا يجدون فى صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة )

- أما سول الله صلى الله عليه وسلم فقد اراد الله أن تتأخر هجرته عن أصحابه حتى تقترن بتلك الآية الكبرى والمفخرة العظمى حيث اجتمع شباب قريش حول باب داره صلى الله عليه وسلم لتنفيذ ما قرروه فى نديهم ولكن أنى لهم ان يستطيعوا أذى من عين الله تحرسه وعايته ترعاه فأنه أمر ابن عمه عليا رضى الله عنه بالمبيت مكانه حتى لا يقع الشك فى وجوده أثناء الليل حيث كانوا ينظرون من خصاص الباب ليتأكدوا من وجوده فسجى عليا ببردته وخرج على القوم وهو يقرأ ( وجعلنا من ين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فأعشيناهم فهم لا يبصرون )
- فألقى الله عليهم النوم جميعا حتى خرج ولم يشعر احد بخروجه صلى الله عليه وسلم ثم سار محفوظا بعناية الله حتى تقابل مع الصديق رضى الله عنه خارج مكة حيث كان على ميعاد منه فصارا حتى بلغا غار ثور فاختفيا

- أما المشركون فقد ظهر لهم فساد حيلتهم وتبين لهم أنهم باتوا يحرسون عليا رضى الله عنه فهاجت عواطفهم وماجوا فى بعضهم وأرسلوا الطلب فى كل ناحية وجعلوا جوائز عظيمة لمن يأتى به أو يدل عليه ( لبئس ما كانوا يصنعون ) فجعلوا يطلبونه فى كل ناحية حتى دهلوا باب الغار الذى هو فيه وصاحبه وكانوا بحيث لو نظر الواحد منهم تحت قدمه لرآهما حتى أثر ذلك المنظر على سيدا أبى بكر رضى الله عليه فبكى بطاء مرا خيفة على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له الرسول ( لا تحزن إن الله معنا )

-

فأعمى عنهم الأبصار ووقاهما أحسن وقاية وعصمهما من كل سؤ

- وقاية الله أغنت عن مضاعفة من الدروع وعن عال من الأطم



- فارتد القوم على أدبارهم خاسرين ، ومكث النبى صلى الله عليه وسلم وصاحبة الصديق فى الغار ما شاء الله لهما أن يمكثا ثم جىء لهما براحلتين كانا قد أعداهما للرحلة عليهما مع رجل استأجراه لذللك وكان هاديا ماهرا فركباهما وسار على بركة الله الى بلد أمين ، علم الله أن دينه فيه يعتز وينتصر

- وقد سمع بمسيرهما رجل يسمى سراقة فركب فرسه وليس لأمته يريد الظفر بهما طمعا فى الجعل الذى جعلوه لمن ياتى بهما أو يدل عليهما فلما قرب منهما عثر به فرسه وسقط عنه ثلاث مرات وساخت يدا فرسه فى جلد من الأرض ، حتى بلغت الركبتين فاستجار بهما وعاهدهما أن يرد عنهما فدعا له النبى صلى الله عليه وسلم فقام من كبوته ، ووفى بما عاهد عليه وأسلم يوم فتح مكة ، وحسن إسلامه رضى الله عنه هذا ، هذا ولما سمع أهل المدينة بسير النبى صلى الله عليه وسلم إليهم هاجهم الشوق ، إيه وغلبهم الفرح بمقدمه فكانوا يخرجون خارج المدينة يرقبونه حتى يشتد الحر فيعودوا إلى دورهم ، حتى إذا كان يوم وصوله صلى الله عليه وسلم أوفى يهودى بعد رجوعهم إلى بيوتهم على ربوة من رباهم لأمر ينظر إليه فبصر برسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه فنادى بأعلى صوته يا معشر العرب هذا جدكم أى حظكم الذى تنتظرون فثاروا إلى السلام فتلقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بظهر الحرة وأقبلوا عليه مرحبين وأخذ بنات الأنصار يغنين بقولهن

-

طلع البد علينا من ثنيات الوداع
- وجب الشكر علينا ما دعا لله داع
- أيها المبعوث فينا جئت بالأمر المطاع



- تلك هى الهجرة النبوية الشريفة يذكرنا بها هلال المحرم من كل سنة ، وانا لنذكرها مبتهجين مسرورين بما كان للنبى صلى الله عليه وسلم وللدين الإسلامى الحنيف من نصر مبين وعزة كاملة ، وحسبك أنتعلم أنه بعد قليل من الزمن جاء النبى صلى الله عليه وسلم فاتحا مكة يقود اثنى عشر ألف مقاتل مدججين بالسلام كاملى العدة حتى جاءه قومه يطلبون عفوه ورضاه فكانلهم من كارمة صلى الله عليهوسلم ما ارادوا ،وهم الذين أخرجوه من بينهم وىذواه إيذا شديدا ،وإن كان فى إيذائهم هذا حكمة بالغة عظيمة ، فأنه لو انتشر الاسلام بمكة من غير أن يقاوم هذه المقاومة أو يعتدى عليه هذا الاعتداء الصارخ لقال اعداؤه أن قريشا ارادوا أن يجعلوا لهم ملكا على العرب فأوعزوا غلى واحد منهم أنيدعى هذه الدعوى لتكون وسيلة لذلك ويحتجون لهذه الدعوى بانهم لم يعارضوه ، بل وافقوه وأجمعوا أمرهم معه أما الآن : وقد أخرد من داره وحمل ترك أهله وكل شىء له حتى أعزه الله بعيدا عن قومه ، وظهر وانتشر بين الناس صدق قوله فلا مقال ، إلا أنه الصادق الأمين والرسول العربى الكريم الذى أرسله ربه بالهدى ودين الحق ليظهره علىالدين كله ولو كره الكافرون

- جعلنا الله من اتباعه وحشنا فى زمرته ورزقنا حبه والموت علىدينه بمنه وكرمة

-

( محمد محمد الطنيخى )
- منقول من مجلة الاسلام عام 1936م




أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: بمناسبة غرة المحرم عام 1445 هجرية
مشاركة غير مقروءةمرسل: السبت يوليو 22, 2023 9:40 pm 
غير متصل

اشترك في: الثلاثاء يناير 06, 2009 4:44 pm
مشاركات: 6132



فى الهجرة النبوية
على سيدنا حضرة النبى سيدنا محمد


صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم



الحمد لله ذى الطول والانعام ، والصلاو السلام على خير الانام ، وعلى آله وصحبه وسلم الهداة الأعلام

وبعد

فأبدأ اولا بنهنئة العالم الاسلامى بهذه السنة الهجرية المباركة ، وأدعو الله جلت قدرته أن يؤيد الدين ، ويجمع كلمة المسلمين ، ويوفق لنصره والعمل به أهله والقائمين بشئونه ، من الولاة والحكام والرعايا وسائر المؤمنين

ولما كانت هجرة حضرة سيدنا النبى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم مبدأ لفجر جديد ونصر مبين ، تفجرت منه أضواء الحكمة الإلهية فى مشارق الأرض ومغاربها ، فاكمل الله بذلك الانسانية ، رأيت أن أذكر فى هذه الكلمة تكامل الفضل فى صاحب الهجرة سيدنا حضرة النبى سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم ، فأقول وبالله التوفيق :

1 – كمل الله نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم بالسكينة الباعثة على الهيبة والتعظيم ، فكان صلى الله عليه وسلم اعظم مهيب فى النفوس حتى ارتاعت رسل كسرى من هيبته مع ارتياضهم بصولة الا كاسرة ، ومكاثرة الملوك الجبابرة

2 – استحكمت محبة طلاقته فى النفوس حتى لم يقله مصاحب ، ولا تباعد عنه مقارب ، فكان احب إلى أصحابه من الاباء والابناء

3 – مالت النفوس إلى متابعته ، وانقادت لموافقته ، وثبتت على شدائده ومصابرته ، ولم ينفر منه معاند ، ولا استوحش منه مباعد ، غلا من ساقه الحسد لشقوته ، وقادة الحرمان إلى مخالفته

4 – أوتى رجاحة فى العقل ، وعلوا فى الهمة ، وصدقا فى الفراسة ، فكان دائما صحيح الرأى جيد التدبير ، ما استغفل فى مكيدة ، ولا استعجز فى شدة ، بل كان يلحظ عواقب الامور فى المبادىء فيكشف عيوبها ويحل خطوبها

5 - كانت حياته حياة ثبات فى الشدائد ، ونفسه ساكنة ، لا يتحير فى شدة ، ولا يستكين لعظيمة بل كان – مع قلة أعوانه – يصابر صبر المستعلى ، ويثبت ثبات المستولى ،روى عنه أنه قال : ( أخفت فى الله وما يخاف أحد ، ولقد أوذيت فى الله وما يؤذى أحد ، ولقد أتت على ثلاثون ما بين يوم وليلة وما لى ولبلال طعام يأكله ذو كبد إلا شىء يواريه إبط بلال )

6 – أعرض عن زخرف الدنيا ، واكتفى بالقليل منها ، فلم يمل إلى غضارتها مع أنه ملك من أقصى الحجاز إلى عذار الفرات ، ومن أقصى اليمن إلى شحر عمان ، وهو أزهد الناس فيما يقتى ، لم يخلف عينا ، ولم يورث أهله وولده متاعا ولا مالا ليصرفهم عن الرغبة فى الدنيا كما صرف نفسه ، جاءت فاطمة إلى أبى بكر تريد الميراث فقال سمعت النبى صلى الله عليه وسلم يقول : إنا لا نورث . وأنفق عليها ابو بكر زمنا .

7 – خفض جناحه للناس ، فكان يمتزج بجلساته فيمتاز عنهم بجليل روائه وحيائه ، دخل عليه أعرابى فارتاع من هيبته ، فقال له : خفض عليك ، فانما أنا ابن أمراة كانت تأكل القديد بمكة .
8 – رزقه الله الحلم والوقار ، فكان منى بجفوة الاعراب فلم تحفظ عليه بادرة ، وعصم من طيش الهوى ، ونزغ القدرة – تناولته قريش بكب كبيرة فلما ظفر بهم قال ما ظنكم بى ؟

قالوا : أخ كريم وابن أخ كريم

فقال صلى الله عليه وسلم : لا تثريب عليكم اليوم .......... الآية )

9 – أوتى من الحكمة والعلوم ما بهر العقول فلم يعثر فى قوله على زلل ، وهو أمى من أمة أمية ، تأمل أنه أوجز المراد فى أحاديث خمسة :

( إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرىء ما نوى )

( الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهات ، ومن يحم حول الحمى يوشك أن يقع فيه )

( من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعينة )

( دع ما يريبك إلى ما يريبك )

( أحب لأخيط ما تحب لنفسك )

10 – حفظ العهد ، وكان يعد الغدر من كبائر الذنوب ، وحفظ لسانه من الكذب والفحش وتحريف القول ، وخلقه من كل سؤ

11 – لم يعزب عنه من قصص الأنبياء شىء ، ولم يضبطها بكتاب ولم يتلقنها من ملعم بل علمه الله وحده وتلك أداة الرسالة وميزة النبوة

12 – أيد شريعته بأوضح دليل ، فلم يكن فيها ما يسىء الشعوب أو ينافى العقول ، بل كانت نعمة تامة صالحة لكل زمان ومكان

13 – أمر بمكارم الاخلاق والآداب من صلة الرحم ، والبر بالوالدين ، والبر ، والاحسان ، وآداب الزيارة والجلوس ،وإطعام الطعام ، وغير ذلك . ونهى عن التباغض ، والتقاطع ، والايذاء ؛ حتى وصفت أمته بقوله تعالى :

( كنتم خير امة أخرجت للناس تامرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ) .

14 – كان واضح الاجابة ، ظاهر الحجة ، بلا عى ولا عجز ما حاج غلا غلب . سأله أبى بن خلف ومعه عظم نخر :من يحيى العظام وهى رميم ؟

فقال : ( يحييها الذى أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم )

15 – نقل أمته عن مألوفها فانصاعت للحق بعد ما تبين ، وأمر بالاعتدال فى كل شىء ( فان المنبت لا أرضا قطع ولا ظهر أبقى )

صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وتابعيه وخدمة العلم والدين أجمعين

بقلم حضرة صاحب العزة الاستاذ محمد أحمد جاد المولى بك
( مجلة هدى الاسلام عام 1936 م )




أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: بمناسبة غرة المحرم عام 1445 هجرية
مشاركة غير مقروءةمرسل: الثلاثاء يوليو 25, 2023 9:05 am 
غير متصل

اشترك في: الثلاثاء يناير 06, 2009 4:44 pm
مشاركات: 6132


مقال لجدى حسن محمد قاسم


الزكريات الاسلامية فى الهجرة والمولد النبوى



بسم الله الرحمن الرحيم – الحمد لله الذى أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون هو الذى بعث فــــى الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتــــــــــاب والحمكة وإن كانوا من قبل لفى ضلال مبين ، وصلى الله على مــــــن أرسله بالحق مبشرا ونذيرا ، وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا ، محمد النبى الأمى العربى الهاشمى وآله وصحبه وجنده وحزبه ، وسلم تسليما كثيرا

اما بعد : فإن الأحتفال بالذكريات العظمى وتكرارذكراها ، وتمجيد النعم الكبرى ، معين على أداء واجب شكرها ، وبرهان على أن المنعم عليه يقدرها حق قدرها ( وإنك لتلمح فى الشرع الشريف طرفا من هذا ، فقد ترى فى مجئ العيدين العظيمين ، عيد الفطر وعيد الأضحى فى وقتهما ن أن كلا منهما جعل موعده عقب نعمة كبرى ن من الله بها على عباده ، فقد جاء عيد الفطر عقب شهر رمضات الذى أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان ، وكان عيد الأضحى عقب يوم عرفة الذى نزل فيه قوله ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتى ورضيت لكم الإسلام دينا ) وناهيك بهما من نعمتين لا يجحد فضلهما ولا يحقر شأنهما إلا من كتب عليه الحرمان من رحمة الرحمن ، وهما نعمة إنزال القرآن ونعمة إكمال الدين ، وترى أن حكمة تخصيص يوم عاشوراء بمزيد تأكيد لطلب الطاعات النافلة كالصوم وصلة الأرحام والعطف على اليتامى والفقراء ، وأمثال ذلك قد تجلت فيما ورد من أنه يوم نجى الله فيه موسى من فرعون وقومه ، وأخرج فيه يونس من بطن الحوت ، ورست فيه سفينة نوح على الجودى ، وامثال ذلك من النعم التى أنعم الله بها على أنبيائه واصفيائه ، ونعمته عليهم نعمة على جميع الخلائق الذين أرسل الرسل رحمة بهم ، وهدى لهم ونعمة على كل من يغار على الحق ويعنى بنصرته .

وإن من أكبر النعم التى أفاضها الله على الأمة الإسلامية بل على جميع البرية نعمة تخليص نور الحق من ضغط ظلمات الشرك أفقد بعث المصطفى صلى الله عليه وسلم بين قوم شديدى الشكيمة قويى المراس ن تمكنت منهم الحمية حمية الجاهلية حتى أعمتهم عما فيه سعادتهم ، فلم يبصروا ذلك النور المتلألى بين أعينهم ، ولم يسمعوا صيحات التبشير والانذار تنبئهم وترشدهم ، فما زالوا يغمضون أعينهم على تصميم ، ويصدون على القذى ، ويصرفون عقولهم عن الهدى ، ويجعلون أصابعم فى ىذانهم حذر أن يسمعوا ما يغلبهم على تصميمهم ، ويصدون عن سبيلل من آمن ن ويؤذون الرسول والؤمنين بلا ذنب سوى أنهم يحرصون على حياتهم حياة سعيدة وما زالوا يعتدون بقوتهم ويصولون بعزتهم وغلبتهم ويتتبعون حركات كل من آمن أو مال الى الإيمان فيحولون بينه وبين الإيمان بمختلف الوسائل ، بإرهاب المستضفين ، وتأنيب ذى الخطر ، واستعطاف من له صولة ، حتى قطعوا الطريق على السالكين وكادوا يمنعون رحمة الله أن تصل إلى عباد الله

ولقد مكث عليه الصلاة والسلام معهم عشرة اعوام أو يزيد يدعوهم إلى الإيمان بربهم وهو معروف طول عمره بالصدق والأمانة حتى سموه الأمين ، وهم له كارهون يكيدون ويصدون ، حتى ضاقت بالمؤمنين منهم وسئموا هذه الحياة المضطربة ، والعشرة المشاكسة ، فاذن الله لنبيه أن يهاجر هو وأصحابه من هذه الأرض وهى احب ومقر بيت الله ومقخرة قريش ، واثر ا يحبون ، يفرون ، فالمؤمن يحب أن يكون مؤمنا قبل كل شئ ن لا أن يكون متمسكا بأرض اتفق له أن وجد على كل شئ ، فأرض الله واسعة فضاها وكما يقولون (( أرض بأرض وجيران بجيران )) أما الدين فلا بد له ولا عوض عن سعادة الحياتين فمن خشر دينه فقد خسر سعادة الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين ،

أذن الله لنبيه والمؤمنين أن يهاجروا من مكة إلى المدينة ، فهاجر الهيا فريق من المؤمنين أولا بأمره صلى الله عليه وسلم ، وهاجر بعد ذلك عليه السلام هو وأبو بكر ، وقد تكلقت ككتب السيرة النبوية بتفصيل ما وقع فى هذه الهجرة وفى هجرة الصحابة قبل ذلك الى ارض الحبشة .

ونحن نعنى فى هذه الكلمة هو بيان ما ترتب على هذه الهجرة مما كان نصرة للحق وسعادة للمؤمنين ، بل رحمة لجميع العالمين ، ذلك هو إنجلاء هذه الشمس الساطعة وانشكاف غيوم تلك الأضاليل والأباضيل عنها من تسلط قوم بلغ بهم الحمق والجناية على أنفسهم وعلى الناس أن يقولوا : اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب اليم ن فكان تجلى هذا الضياء وسطوعه على كافة الخلائق وذهاب الحجب التى كانت تحول بينه وبين الوصول لمن ينتفع به رحمة على الناس أجميعن ، كيف لا وقد قال جل شأنه :( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ))

ولا يمنع أنها رحنة للناس أجميعن تفويت فريق من الناس على أنفسهم الانتفاع بها عنادا واستكبارا ، وجهلا وعباوة ، فشروق الشمس رحمة للجميع ، وغن أغضمض بعض الناس عينيه فلم ينتفع بضوئها أو كان به غشاوة ، وسكينة الليل رحمة للجميع وإن قضاه بعضهم فى العربدة حتى أتلفت صحته ، ونزول المطر رحمة للجميع وإن قاطعه أناس وابوا أن يستقوا من مائه .
على ان هذه الرحمة قد شمل الانتفاع بها ولو من بعض الوجوه جماهير سكان الكرة الأرضية حتى من لم يؤمن فقد ابادت احكامها وتعاليمها عوائد ممقوتة مرذولة كان الناس قد خضعوا لها واستكانوا تحت نيرها حينا من الدهر لا يفكرون فى المخلص منها ولا يعملون على إنقاذ نفوسهم من مقتها . جاء الإسلام فنبه النوع الإنسانى إلى منزلته فى الوجود، وانه لا ينبغى أن يكون خاضعا غلا للسيد الأعلى وألا يستعظم إلا ربه ، مغرس فى نفوس الخلائق معنى (الله أكبر) فكان بذلك قاضيا على ما ساتفاض بين الأمم والشعوب من خضوع فريق لفريق ، ,استبعاد ناس لناس ، واستبداد غرادة بغرادة ، دون مبرر لكل ذلك سوى الزعم الباضل بأن بعضهم أرقى عنصرا وأكرم أصلا من بعض ، واحق أن يطاعوا فى كل ما يشاءون ن وأن البقية يجب عليهم الذلة والطاعة لأنهم لا يصح لهم أن يتساموا الى مراتب ساداتهم ن فجاء الأسلام بمبدأ ( الله أكبر ) فغرس فى النفوس أنه لا كبير إلا وفوقه أكبر منه ، وأن هناك من هو أكبر مممن كل كبير ومهيمن على الصغير والكبير ، ولا تفاوت بين الناس يوجب هذا التقديم والتأخير ، فالناس لادم وآدم من تراب ، ولا فضل لأحد على أحد إلا بالأعمال الصالحة ، والآثار النافعة ، وما يكون منهم من عمل يقربهم إلى ربهم وذلك تهذيب نفوسهم وتمجيد خالقهم ن والعطف على سائر الناس وإيصال النفع للخلائق ، وامثال ذك من أسباب التقوى ( يأيها الناس غنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم )فسرت هذه الروح فى الأمم والشعوب ، فتنبه الإنسان إلى حقوقه فى مشارق الرض ومغاربها ، فبعد أن كان الجزء المعروف من الأرض يتقاسمه دولتان هما فارس والروم ، فتنشر كل منهما فى أرضها من صنوف الإرقاق والظلم ما عود الناس الاستكانة والذلة ، نفخت هذه الروح روح المساواة فى الأنسان ، فتراجع الأقوياء ، وسلموا بهذا المبدأ الحق فأنتفع بذلك كل الناس ولو لم يدينوا بالدين الحنيف دين الإسلام – فترون من هذا أن يمن هذا الدين قد لحق حتى الكافرين ، فحق على الجميع لو أنصفوا وقدروا ما أصابهم من خير أن يشتركوا فى تمجيد هذه الذكرى أجميعن

إن ذكرى الهجرة وأسبابها ، والوقائع التى حصلت فيها والنتائج التى ترتبت عليها أمر قد استفاضت به كتب السيرة والتاريخ وعرض لبيانها حضرات الكتاب الباحثين على صفحات الصحف والمجلات وقد سمع مرارا وتكرارا ، فلم أر كثير داع للتحدث فيه ، وأنما أشير إلى أمر واحد وهو الحوادث تتوالى وتكون مذكورة بترتيها فى ذهنهم إبان حدوثها ، فإذا مضى عليها طويل وقت ضاعت معالم ترتيبها ، وجدوا أنفسهم بحاجة شديدة إلى وضع تاريخ يضبط لهم زمان الحوادث والكتب ، فتشاور بينهم فى أمر يجعلونه مبدأ للتاريخ ونعرف أوقات الحوادث بنسبتها إليه فذكروا جملة حوادث عظمى كمولده صلى الله عليه وسلم وبعثته ، والبدء بالدعوة والجهر بها والإسراء به صلى الله عليه وسلم ووفاته وذكروا فيما ذكروا هجرته عليه الصلاة والسلام إلى المدينة المنورة على ساكنها أفضل الصلاة واطيب السلام فنظروا وإذا بها مبدأ انهزام الباطل أمام الحق ، وارتفاع كلمة الله ، واول عهدهم باعتزاز الأسلام ، وتبوئه المقعد المرجوله والجدير به ، نظروا وإذا بهم قد اصبحوا يدعون عباد الله إلى دينه جهارا لا يخشون معارضة ولا استنكارا

نظروا وغذا بهم قد اصبحوا طلقاء بعد التقييد ، أحرارا بعد السر أو ما هو أشد من السر ، أعزاء بعد الذلة ، منصورين بعد الهزيمة ، فكان هذا اليوم أحب الأيام إلى قلوبهم ، واروعها أثرا فى نفوسهم واظهرها تأثيرا فى حياتهم ، وأى يوم أعظم من يوم الأنتصار .

ما كانت الغزوات التالية والانتصار فيها إلا أثرا من آثار الهجرة وما كانت الحوادث التى قبل الهحرى على عظمتها مؤتية ثمرها لولا الهجرة ، فلتكن الهجرة هى مبدأ التاريخ الاسلامى وما أجدرها أن تكون مبدأ التاريخ العالمى لما حوته من كمال وصول الرحمة من الله إلى عباد الله ، وسلامة الطريق من قطاع الطريق ،

وإنه ليحق لنا وقد وصل بنا الكلام إلى تكرار ذكر الرحمة التى جاءت بها الشريعة الغراء ، أن نشير إلى آثار رحمته تعالى بالمؤمنين فى هذه الشريعة المطهرة وعظيم نعمته عليهم فى هدايته التى تخرجهم من الظلمات إلى النور بأذنه – وإن نعمة رسالته صلى الله عليه وسلم لتتجلى واضحة فى ثلاثة مظاهر : ( الأول ) فى وضوح التعاليم فى شريعته الغراء و( الثانية ) فى متانة حجمها وسطوع أدلتها وبراهينها و ( الثالثة ) فى عظم فوائدها وجليل آثارها فى الدنيا والآخرة




أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
عرض مشاركات سابقة منذ:  مرتبة بواسطة  
إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ 4 مشاركة ] 

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين


الموجودون الآن

المستخدمون المتصفحون لهذا المنتدى: لا يوجد أعضاء مسجلين متصلين و 4 زائر/زوار


لا تستطيع كتابة مواضيع جديدة في هذا المنتدى
لا تستطيع كتابة ردود في هذا المنتدى
لا تستطيع تعديل مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع حذف مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع إرفاق ملف في هذا المنتدى

البحث عن:
الانتقال الى:  
© 2011 www.msobieh.com

جميع المواضيع والآراء والتعليقات والردود والصور المنشورة في المنتديات تعبر عن رأي أصحابها فقط