اشترك في: الثلاثاء يناير 06, 2009 4:44 pm مشاركات: 6132
|
المحرم
- أهل هلال المحرم أوكان وإنه ليذكرنا – وما أحسن هذه الذكرى عندنا وأطيبها على نفوسنا
- بالمحرم للسنة الأولى الذى جعل منه التاريخ الشريف ، ذلك الشهر الذى نحمل له بين جنباتنا أحسن الذكرى وأجمل الأثر وغذا كان فى الأشهر شقى وسعيد فان هذا الشهر من أسعد الشهور وأحقها بالتهليل والتكبير عن مقدمة المحبوب وبزوع هلاله المشرق المضىء ، ونحن نرى أنه ينبغة لجميع الأمم الإسلامسة فى سائر الأقطار ان يقابلوا هذا الشهر بكل أنواع الفرح والابتهاج وان يحتفلوا به احتفالهم بأكبر مواسمهم وأعظم أعيادهم ونشكر لحكومتنا المصرية – أن جعلت أول مفتتح هذا الشهر يوم عطلة رسمية إلانا لفضله واعترافا بكرامته ولكن أين هى الزينات تقام والأعلام تنصب والمحافل تجتمع والخطباء تشيد لذكره ؟
- وأين هى الطبول تدق والدفوف تضرب والثريات تضاء والشوارع تجمل ؟
- فأن هذا أقل ما يجب ان يقابل به يوم فرح كهذا اليوم له مال له فى نفوسنا من تجلة وإكبار ، فإنه مبدأ ظهور الإسلام دين الفطرة ودين الانسانية الصحيحة وانتشار ضيائه الباهر فى جزيرة العرب من أقصاها إلى أقصاها حيث وجد القلوب النقية الطاهرة والنفوس الصافية الزكية بعد أن مكث عشر سنين تدافعة القلوب القاسية وتتحرش به النفوس المظلمة الكدرة محاولين إخفاء نوره واستئصال شأفته ( يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون ) فإنه جل شأنه ( أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره الكافرون ) أرسل الله تعالى معلم الانسانية الأكبر ومنقذها من عمايتها وهاديها من ضلاتها فى مكة المكرمة بين قومه وعشريته وآله وعترته ليخرجهم من الظلمات إلى النور بأذه ربه وكلهم يعرف مكانته من الفضل والأمانة والصدق والبعد عن الخيانة والتحلى بمكارم الأخلاف وأجمل الصفات والتنزه عن كل نقص ورزيلة حتى دعوه بينهم بالصادق الأمين وحكموه بينهم فى قضية كانت من أعظم القضايا عندهم استلوا من أجلها السيوف من أغمادها والسهام من كناناتها ، ولكنه صلى الله عليه وسلم حكم بينهم حكم الحازم العاقل والبصير الناقد فارتضوا حكمه العدل واطمأنت النفوس وهدأت العواصف ، ومع هذا وأكثر منه لما جاءه الوحى من ربه وقام يعلن بينهم كلمته ويدعوهم اليها لم يجد منهم إلا ردا لدعوته ولجالجا فى خصومته وكأنه جاء شيئا ادا ( تكاد السموات يتفطرن منه وتنشف الأرض وتخر الجبال هدا )
- فأخذوا يكيدون له صلى الله عليه وسمل كيدا ويناصبونه العداء ويغرون به عقلاءهم ويحرضون عليه جهلاءهم حتى شغلهم أمره عن جل أمورهم وكانوا قوما عمين وعن الحق ( وقد ظهر ) معرضين
- هكذا كان حالهم مع هذا الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم حتى ضاقوا به ذرعا ، وحاروا فيما يصنعونه فيه فاجتمعوا فى دار لهم تسمى دار الندوة كانت نديا للقوم يجتمعون فيه للتشاور ولا يقضون أمرا إلا فيه ، وبعد تحاور شديد أرتأى لهم أبو جهل لعنه الله أن يأخذوا من كل قبيلة فتى جلدا نسيبا ثم يعطعو كل فتى سيقا صارما فيعمدوا اليه فيضربوه ضربه رجل واحد ، فيتفرق دمه الشريف فى القبائل جميعا ولا تستطيع بنو عبد مناف أن يعادوا جميع العرب فيرضوا بالدية ، فيوافقوا جميعا وفرحوا بهذا الرأى الجبار الفادر وحسبوا أنهم به الغون ما أملوا ( وما ربك بغافل عما يعمل الظالمون ) ( ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين )
- فابلغ اللهنبيه بما دبروه له صلى الله عليه وسلم وبيتوه للوقعية به ، وامره بالهجرة الشريفة وكان قد حصل التميد قبل ذلك لتلك الهجرة المباركة حيث كان صلى الله عليه وسلم يعرض نفسه على القبائل فى المواسم العربية ليحموه حتى يؤدى رسالة ربه ، فكان بعضهم يرده ردا جميلا وبعضهم يقبح فى رده ، حتى أن يعضهم اشترك لنفسه أن يكون الأمر له من بعده فقال صلى الله عليهوسلم ( الأمر لله يضعه حيث يشاء )
- صم تعرض فى موسم من المواسم الحج لنفر من الخزرج يبلغون الستة فدعاهم إلى الإسلام وإلى معاونته فى تبليغ رسالة ربه فآمنوا به وصدقوه ووعدوه المقابلة فى الموسم المقبل فلما كان العام القابل قدم اثنا عشر رجلا عشرة من الخزرج واثنان من الأوس ، فاجتمعوا عند العقبة واسلموا وبايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن لا يشركوا بالله شيئا ولا يسرقوا ولا ينزنوا ولا يقتلوا أولادهم ولا يأتوا ببهتان يفترونه بين أيديهم وأرجلهم ولا يعصوا فى معروف ، فأن وفوا فلهم الجنة وإن نقضوا من ذلك شيئا فأمرهم إلى الله عز وجل إن شاء غفر وإن شاء عذب
- ثم أرسل اليهم صلى الله عليه وسلم سيدنا مصعب بن عمير العبدرى ، وسيدنا عبد الله بن أم مكتوم يقرآنهم القرآن الكريم ويفقهانهم فى الدين حتى جاء العام القابل وفد على مكة كثيرون منهم يريد الحج وبينهم كثير من مشركيهم فقابل وفدهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فوعدهم المقابلة عند العقبة ليلا فلما داء الوقت تسللوا حتى جاءوها ووافاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم هناك ، فقالوا له صلى الله عليهم وسلم يارسول الله خذ لنفسط وربك ما أحببت فقال أشترط لربى أن تعبدوه وحده ولا تشركوا به شيئا ولنفسى أن تمتعونى مما تمنعون منه نسائءكم وأبناءكم متى قدمت عليكم فبايعوه رضى الله عنهم جميعا على ذلك ، ولأمر أراده الله تعالى بلغ أمر هذه البيعة آذان قريش فاشتد أذاهم وزاد تعديهم على النبى صلى الله عليه وسلم ,اصحابه فأمرهم بالهجرة إلى إخوانهم الجدد فيهاجروا أليهم خفية من قريش أن تمنعهم فأكرموا وفادتهم وشاطروهم أموالهم ( ولا يجدون فى صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة )
- أما سول الله صلى الله عليه وسلم فقد اراد الله أن تتأخر هجرته عن أصحابه حتى تقترن بتلك الآية الكبرى والمفخرة العظمى حيث اجتمع شباب قريش حول باب داره صلى الله عليه وسلم لتنفيذ ما قرروه فى نديهم ولكن أنى لهم ان يستطيعوا أذى من عين الله تحرسه وعايته ترعاه فأنه أمر ابن عمه عليا رضى الله عنه بالمبيت مكانه حتى لا يقع الشك فى وجوده أثناء الليل حيث كانوا ينظرون من خصاص الباب ليتأكدوا من وجوده فسجى عليا ببردته وخرج على القوم وهو يقرأ ( وجعلنا من ين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فأعشيناهم فهم لا يبصرون ) - فألقى الله عليهم النوم جميعا حتى خرج ولم يشعر احد بخروجه صلى الله عليه وسلم ثم سار محفوظا بعناية الله حتى تقابل مع الصديق رضى الله عنه خارج مكة حيث كان على ميعاد منه فصارا حتى بلغا غار ثور فاختفيا
- أما المشركون فقد ظهر لهم فساد حيلتهم وتبين لهم أنهم باتوا يحرسون عليا رضى الله عنه فهاجت عواطفهم وماجوا فى بعضهم وأرسلوا الطلب فى كل ناحية وجعلوا جوائز عظيمة لمن يأتى به أو يدل عليه ( لبئس ما كانوا يصنعون ) فجعلوا يطلبونه فى كل ناحية حتى دهلوا باب الغار الذى هو فيه وصاحبه وكانوا بحيث لو نظر الواحد منهم تحت قدمه لرآهما حتى أثر ذلك المنظر على سيدا أبى بكر رضى الله عليه فبكى بطاء مرا خيفة على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له الرسول ( لا تحزن إن الله معنا )
- فأعمى عنهم الأبصار ووقاهما أحسن وقاية وعصمهما من كل سؤ
- وقاية الله أغنت عن مضاعفة من الدروع وعن عال من الأطم
- فارتد القوم على أدبارهم خاسرين ، ومكث النبى صلى الله عليه وسلم وصاحبة الصديق فى الغار ما شاء الله لهما أن يمكثا ثم جىء لهما براحلتين كانا قد أعداهما للرحلة عليهما مع رجل استأجراه لذللك وكان هاديا ماهرا فركباهما وسار على بركة الله الى بلد أمين ، علم الله أن دينه فيه يعتز وينتصر
- وقد سمع بمسيرهما رجل يسمى سراقة فركب فرسه وليس لأمته يريد الظفر بهما طمعا فى الجعل الذى جعلوه لمن ياتى بهما أو يدل عليهما فلما قرب منهما عثر به فرسه وسقط عنه ثلاث مرات وساخت يدا فرسه فى جلد من الأرض ، حتى بلغت الركبتين فاستجار بهما وعاهدهما أن يرد عنهما فدعا له النبى صلى الله عليه وسلم فقام من كبوته ، ووفى بما عاهد عليه وأسلم يوم فتح مكة ، وحسن إسلامه رضى الله عنه هذا ، هذا ولما سمع أهل المدينة بسير النبى صلى الله عليه وسلم إليهم هاجهم الشوق ، إيه وغلبهم الفرح بمقدمه فكانوا يخرجون خارج المدينة يرقبونه حتى يشتد الحر فيعودوا إلى دورهم ، حتى إذا كان يوم وصوله صلى الله عليه وسلم أوفى يهودى بعد رجوعهم إلى بيوتهم على ربوة من رباهم لأمر ينظر إليه فبصر برسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه فنادى بأعلى صوته يا معشر العرب هذا جدكم أى حظكم الذى تنتظرون فثاروا إلى السلام فتلقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بظهر الحرة وأقبلوا عليه مرحبين وأخذ بنات الأنصار يغنين بقولهن
- طلع البد علينا من ثنيات الوداع - وجب الشكر علينا ما دعا لله داع - أيها المبعوث فينا جئت بالأمر المطاع
- تلك هى الهجرة النبوية الشريفة يذكرنا بها هلال المحرم من كل سنة ، وانا لنذكرها مبتهجين مسرورين بما كان للنبى صلى الله عليه وسلم وللدين الإسلامى الحنيف من نصر مبين وعزة كاملة ، وحسبك أنتعلم أنه بعد قليل من الزمن جاء النبى صلى الله عليه وسلم فاتحا مكة يقود اثنى عشر ألف مقاتل مدججين بالسلام كاملى العدة حتى جاءه قومه يطلبون عفوه ورضاه فكانلهم من كارمة صلى الله عليهوسلم ما ارادوا ،وهم الذين أخرجوه من بينهم وىذواه إيذا شديدا ،وإن كان فى إيذائهم هذا حكمة بالغة عظيمة ، فأنه لو انتشر الاسلام بمكة من غير أن يقاوم هذه المقاومة أو يعتدى عليه هذا الاعتداء الصارخ لقال اعداؤه أن قريشا ارادوا أن يجعلوا لهم ملكا على العرب فأوعزوا غلى واحد منهم أنيدعى هذه الدعوى لتكون وسيلة لذلك ويحتجون لهذه الدعوى بانهم لم يعارضوه ، بل وافقوه وأجمعوا أمرهم معه أما الآن : وقد أخرد من داره وحمل ترك أهله وكل شىء له حتى أعزه الله بعيدا عن قومه ، وظهر وانتشر بين الناس صدق قوله فلا مقال ، إلا أنه الصادق الأمين والرسول العربى الكريم الذى أرسله ربه بالهدى ودين الحق ليظهره علىالدين كله ولو كره الكافرون
- جعلنا الله من اتباعه وحشنا فى زمرته ورزقنا حبه والموت علىدينه بمنه وكرمة
- ( محمد محمد الطنيخى ) - منقول من مجلة الاسلام عام 1936م
|
|