حسن قاسم كتب:
عبد الله بن عبد المككلب وزمزم
==================
هو والد حضرة النبى صلى الله عليه وسلم ، كان أحسن رجل فى قريش ، خلقا وخلقا ، وكان نور حضرة النبى صلى الله عليه وسلم ، واضحا فى وجهه ، وكان أكمل بنى أبيه ، وأحسنهم مجلسا ، وأعفهم نفسا ، وأحبهم إلى قريش ، وقد أرشد الله والده وهذاه ، إذ سماه أحب الاسماء إلى الله تعالى ، وأحب الاسماء عبد الله وعبد الرحمن
وهو الذبيح ، وذلك أن عبد المطلب ، رأى فى منامه وهو فى الحجر ، آتيا فقال : له أحفر طيبة ، فقال : وما طيبة ، ومعناها زمزم لأنها طيبة للطيبين والطيبات ، ولما كان الغد ، جاء إلى نفس مكانه ونان فيه ، فرأى هذا الآتى ، وقال له أحفر برة ، فقال : وما برة ؟ ومعنى برة فيضها للابرار ، فتركه وذهب ، وفى الغد رجع إلى مضجعه فنام فيه ؛ فجاءه فقال : له احفر المضنونة ، فقال وما المضنونة ؟ أعنى زمزم لأنه ضن بها على غير المؤمنين ، وفى مرة أخرى نام فى مكانه ، فقال له الآتى احفر زمزم وهى لا تنزف ولاتذم ، ومعنى لا تذم لا يفرغ ماؤها ، وأخبر قومه بما رأى ، فقالوا له : هل بين لك مكانها ، قال لا ، قالوا ارجع إلى مضجعك فان تكن رؤياك من الله علمت مكان زمزم ، وإن تكن من الشيطان فلن يعود اليك فرجع عبدالمكلب إلى مكانه ، فنام فيه فأخبره الآتى عن مكانها ، وعين له موقعها ، وقال له ، هى ميراث من أبيك الأعظم ، لا تنزف أبدا ولا تذم ، تسقى الحجيج الاعظم
وبما علم المكان ، ذهب مع ولده الحارث ، ليحفر زمزم ، واستمر فى الحفر ثلاثة أيام ، فلما بدا له العلى – أى البناء – كبر وقال هذا طى اسماعيل عليه السلام ، فعرفت قريش أنه أصاب حاجته فقاموا اليه وقالوا : يا عبد المطلب أنها بئر أبينا اسماعيل وإن لنا فيها حقا ، فأشركنا معك ، فقال ما أنا بفاعل ، إلى هذا الامر قد خصصت به دونكم ، فقالوا نخاصمك فيها ، واتفقوا أن تكون المخاصمة ، عند كاهنة بنى سعد ، وكانت بأعالى الشام ، فركب عبد المطلب ومعه نفر من بنى عبد مناف ، وركب من كل قبيلة من قريش نفر ، وكان فى هذا الزمن بين الحجاز والشام مفازات ، لا ماء بها ، ولما كان ببعض تلك المفاوز فى ماؤها وماء أصحابه ، فحصل لهم ظمأ شديد ، حتى أيقنوا بالهلاك ، وزنوا أن الموت نازل بهم لا محالة ، وطلبوا الماء ممن معهم من قبائل قريش ، فأبوا عليهم ذلك ، وقالوا نخشى على أنفسنا مثل ما أصابكم ، فقال عبد المطلب لاصحابه ما ترون ، فقالوا لا رأى لنا معك ، فقال ك أرى أن يحفر كل منا حفيرة فكلما مات رجل دفنه أصحابه فيها ، فقالوا نعم ما رأيت ، ثم حفر كل واحد منه حفيرة وقعدوا ينتظرون الموت ، وقال : عبد المطلب ، من العجر أن نستمر قاعدين ، فلنضرب فى الأرض ، فعسى الله أن يرزقنا ، فانطلقوا كل ذلك وقومهم ينظرون اليهم ، ما هم فاعلون ، فتقدم عبد المطلب وركب راحلته ، فلما ابنعثت ، افنجرت من تحت خفها عين ماء عذب ، فكبر عبد المطلب وكبر معه أصحابه ، ثم نزل وشرب أصحابه وأخذوا ما يكفيهم من الماء ، ثم دعا القبائل ، فقال هلموا الى الماء فقد سقانا الله من فضله ، فاشربوا واستقوا ،
ثم قالوا لعبد المطلب ، قضى الله لك علينا والله لا نخاصمك فى زمزم أبدا ، إن الذى سقالك الماء بهذه الفلاة ، لهو الذى سقاك زمزم ، فارجع إلى سقايتك راشدا ، فرجع ورجعوا معه ولم يصلوا الى الكاهنة :
ولما جعل يحفر وجد فى زمزم غزالتين من الذهب ، ونفائس أخرى ، كانت قبيلة جرهم قد دفنتها فيا ، فقالت قريس ، إنا معك فى هذا شركاء ، فقال : لا ولكن هلم إلى أمر نصف بينى وبينكم ، نضرب عليها القداح ، قالوا : كيف نصنع ؟ ؟ قال : اجعل للكعبة قدحين ، ولى قدحين ، ولكم قدحين ، فمن خرج قدحاه على شىء كان له ، ومن تخلف قدحاه فلا شىء له ، قالوا أنصفت ، فجعل قدحين أصفرين للكعبة ، وأسودين له ، وأحمرين لقريش ، فخرج الاصفران ، على العزالين للكعبة ، والاسودان على الاسياف ، وتخلف قدحا قريش ، وجعل الجميع زينة للكعبة ولم يأخذ شيئا
وأتم حفر زمزم فكانت له فخرا وعز على قريش وعلى سائر العرب ، واتخذ عليها حوضا يستقى منه ، فكان يخرب بالليل حسا له ، فلما أهمه ذلك ، قيل له : فى النوم ، قل : لا أخلها لمغتسل ، وهى لشارب حل ، فلما اصبح قال ك ذلك فكل من ارادها بمكروه ، رمى بداء فى جشده ، حتى انتهوا ، وانصرف الناس إليها ، لمكانها من المسجد الحرام ، وكان منها شراب الحاج وكان لعبد المطلب أبل كثيرة ، يجمعها فى الموسم ويسقى لبنها بالعسل فى حوض من أدم عند زمزم ، ويشترى الزبيب فينبذه بماء زمزم ويسقيه الحاج
ولما ارادت قريش مشاركة عبد المطلب فى ماء زمزم عند حفره لها ، قال : لولده الحارث امنع عنى الناس ، حتى احفر ، وعلم أنه لا قدرة له على ذلك ، نذر إن رزق عشرة منالولد الذكور يمنعونه ممن يتعالى عليه ليذبحن أحدهم عند الكعبة
وقيل إن عدى بن نوفل بن عبد مناف ، قال : له يا عبد المطلب تستطيل علينا ن وأنت فذ ( مفرد ) لا ولد لك ، وكان ولده يومئذ الحارث وحده ، ولا مال لك ، فقال : له عبد المطلب ، كان نوفل أبوك فى حجر هاشم ، فقال : له عدى وأنت أي ضا قد كنت فى يثرب عند غير أبيك ، كنت عند اخوالك من بنى النجار ن حتى ردك عمك المطلب ، فقال : له عبد المطلب ، ابا لقلة تعيرنى ؟ فلله على النذر لئن آتانى الله عشرة من الأولاد الذكور لأنحرن أحدهم عند الكعبة ، ولما صاروا عشرة ، وكان قد حفر زمزم ، أمر فى النوم بالوفاء بنذره فذبح شاه ثم ذبح ثورا ، ثم ذبح جما ، وكان يطعم هذا اللحم كله للفقراء ، ثم قيل له فى النوم قرب ما هو أكبر من ذلك فقيل ، له قرب احد أولادك الذى نذرت ذبحه ، ثم جمع أولاده ، وأخبرهم بنذره ودعاهم الى الوفاء فأطاعوه ، وكان ذلك بعد حفر زمزم بثلاثين سنة
وبنو عبد المطلب تكاملوا عشرة وهم الحارث ، والزبير ، وحجل ، وضرار ، والمقوم ، وابو لهب ، والعباس ، وحمزة ، وابو طالب ، وعبد الله وأخذ كل واحد منهم قدحا ، وكتبة عليه اسمه ، وجعل القيم يضرب القداح ليرى على من تأتى عليه القرعة وقام عبد المطلب يدعو الله قائلا : اللهم إنى نذرت ذبح أحدهم ، وإن أقرع بينهم فأصب بذلك من شئت ، ثم ضرب السادن القدح فخرج على بعد الله ، وكان احبهم إلى عبد المطلب ، وعند ذلك قبض عليه أبوه ، وأخذ الشفرة وأقبل على ذبحه ، فقام إليه سادات العرب وقالوا ! ماذا تريد أن تصنع ، والله لا ندعم تذبحه نعذر فيه ، ولئن فعلت هذا ، لا يزال الرجل يأتى بابنه فيذبحه ، فما بقاءالناس على هذا .
وقال المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم ، وكان عبد الله بن أخت القوم والله لا تذبحه أبدا ، حتى نعذر فيه ، فان كان فداؤه بأموالنا فديناه .