اشترك في: الثلاثاء يناير 06, 2009 4:44 pm مشاركات: 6126
|
اشتغال أبى حنيفة بعلم الفقة
نشأ أبو حنيفة – رحمه الله – فى أخصب البيئات العلمية ، وأزهى العصور الاسلامية ، فى الوقت الذى استقدم فيه بنو العباس اعلام العلماء من الحجاز إلى العراق لنشر السنة ، وتوسيع دائرة البحث العلمى ، حتى استبحر العلم فى العراق ووصل إلى ما لم يصل إليه فى بلد آخر ، ولما اتجهت نفس الامام إلى الاشتغال بالعلم اختار علم الكلام ، وتغلبه عليه ، ما ذكر فى مفتاح السعادة ومصباح السيادة ، فى موضوعات العلوم للمولى أحمد بن مصطفى المعروف بطاش كبرى زاده قال : ( روى ) أن دهريا من الروم ناظر علماء الاسلام فأفحمهم إلا حمادا ، وكان الامام إذ ذاك صبيا ناشئا ، فخاف حماد إن هو ناظر الدهرى أن يلزمه الحجة فيهون أمر الاسلام ، فنام ليلته فرأى أن خنزيرا أكل شعب شجرة وفورعها وما بقى إلا أصلخا فخرج من أصل الشجرة أسد فقتل الخنزير ، فلما اصبح ذهب إليه الامام ليزوره فرآه مهموما مغتما من اجل الدهرى ولهذه الرؤيا التى رآها فى منامه ، فقال له الامام – الحمد لله – الخنزير هو ذلك الدهرى الحبيث ، والشجرة العلم ، وفروعها غيرك من العلماء ، وأصلها أنت ،والاسد أنا ، وسأقهر الدهرى بعون الله تعالى ، فذهب الامام مع استاذه – رحمها الله – إلى الجامع ، قائلا : هات كلامك ، فتعدب الدهرى من جرأته ، ثم قال : كيف يمكن أن يوجد شىء لا أول له ولا آخر له ؟ فقال الامام : هل تعرف العدد ؟ قال : نعم ، قال : : ما قبل الواحد ؟ قال : هو الأول ليس قيله شىء ، فقال : إذا لم يكن قبل الواحد المجازى اللفظى شىء ، فكيف يكون قبل الواحد الحقيقى ! ! ! قال الدهرى : فى اية جهة وجهه وكل شىء لا يخلو عن الجهات ؟ قال الامام : إذا أوقدت السراج فألى أى وجه نوره ؟ قال : تستوى لنوره الجهات ، قال : إذا كان هذا حال النور المجازى المستعار ، فكيف بنور السموات والأرض الباقى الدائم ! ! ! . قال الدهرى : فى أى مكان هو ، وكل موجود لا بد له من مكان ؟ فأتى الامام بلبن ، ثم قال للدهرى هل فى هذا اللبن سمن ؟ قال : قال : نعم ، قال فى أى مكان منه ؟ قال : لا يختص بمكان دون مكان ، فقال إذا كان حال الحادث الزائل هكذا ، فكيف حال الباقى الدائم خالق الأرض والسماء ! ! ! . قال الدهرى وبماذ يشتغل هو ، فقال له الامام : سألت هذه الأسئلة وأنت على المنبر وأجبتك عنها وأنا على الأرض ، والآن أنزله إلى الأرض ؛ وأصعد أنا المنبر ، فنزل الدهرى ، وصعد الامام ، وقال : إذا كان على المنبر مشبه مثلك أنزله ، وإذا كان على الأرض موحد مثلى رفعه ( كل يوم هو فى شأن ) فبهت الذى كفر من هذه المناظرة التى تعرض لها أبو حنيفة فى الوقت الذى كان يخشاها فيه أستاذه حماد ، ومن هذه الاجابة السديدة التى كان يفحم بها خصمه نفهم أن الامام كان ذكى الفؤاد ؟ حاضر البديهة ، حاد الذهن ، لذلك لم يقتصر على الاشتغال بعلم الكلام ، بل صرف عنايته إلى علوم الدين كلها ، فأتقنها ، وحذقها ، ومهر فيها ، وما هى إلا أنتقدمت به السن قليلا حتى أصبح رجلا من رجالات العلم ، يتحدث إلى العلماء ، ويروى عنهم ثم يعلم الناس فيأخذ الناس عه ، ويذكر أصحاب طبقات الحنفية من أسباب اشتغال أبى حنيفة بالفقه أنه جاءت ارمأة إليه وهو يدرس لأصحابه علم الكلام ، وكانوا يجلسون قريبا من حلقة حماد بن أبى سليمان ، فسألته عن رجل اراد أن يطلق زوجته للسنة كم يطلقها ؟ فلم يحر جوابا ، وأمرها أن تسأل حمادا ثم ترجع فتخبره بما اجابها به ، فلما سالت حمادا قال : يطلقها وهى طاهرة من الحيض والجماع تطليفة ثم يتركها حتى تحيض حيضتين ، فأذا اعتسلت فقد حلت للأزواج ، فرجعت المراة فأخبرت الامام بذلك فقال / لا حاجة لى فى علم الكلام ، وجلس إلى حماد يسمع منه مسائل الفقه ومكث تلميذا له ثمانى عشرة سنة ، روى الخطيب عن زفر بن الهذيل ، قال : سمعت أبا حنيفة يقول : جلست إلى حماد فكنت أسمع مسائله فأحفظها ، ثم يعيدها من الغد فأحفظها ؛ ثم يعيدها من الغد فأحفظها ، ويخطىء أصحابه فقال : لا يجلس فى صدر الحلقة بحذائى غير أبى حنيفة ، فصحبته عشرة سنين ، ثم نازعتنى نفسى طلب الرياسة ، فأحببت أن أعتزله ، وأجلس فى حلقة لنفسى ، فخرجت يوما بالعشى ، وعزمى أن أفعل ، فلما دخلت المسجد ورأيته لم تطب نفسى أنأعتزله ، فجئت فجلست معه ، فجاءه فى تلك الليلة نعى قريب له قد مات بالبصرة وترك مالا ولا وارث له غيره ، فأمرنى أن أجلس مكانه ، فما هو إلا أن خرج حتى وردت على مسائل لم أسمعها منه ، فكنا أجيب وأكتب الجواب ، فغاب شهرين ثم قدم ، فعرضت عليه المسائل وكانت نحوا من ستين مسئلة ، فوافقنى فى أريعين . وخالفنى فى عشرين ، فآليت على نفسى ألا أفارقه حتى مات فكانت صحبتى له ثمانى عشر سنة ا هـ . فهذه المدة من حياة أبىحنيفة – رحمه الله – مدة اشتغاله بالفقه كانت الناحية الخصبة ، ناحية الفقيه الامام الذى علم الناس علوم الفقه ، واشتهر وعرف بأنه إمام أصحاب الرآى ، وفقيه اهل العراق ، الذين كانوا يرون الاجتهاد فى الدين ، وأن يقولوا فى احكام الحوادث التى تعرض لهم بما يرون إذا لم يجدوا نصا من الكتاب أو السنة ، أو رأيا موروثا من الصحابة ، فكانت القاعدة عند الامام الأعظم فى الفقه أن يأخذ بالأحكام إذا ورد بها نص قرآنى ، فان لم يوجد نص فى القرآن الكريم أخذ بما يرد فى أحاديث حضرة النبى صلى الله عليه وسلم ، فاذا لم يصح عنده حديث ، أخذ بما يعلم من أمر اصحابة ، فاذا لم يرد نص فى القرآن ولا فى السنة نولا فيما أفتى به الصحابة كما يقول الآن أجتهد برأيى ، فهو إذن يقيد نفسه بالقرآن ثم بالحديث ، ثم بحك الصحابة ، ويرى أن غير هؤلاء الصحابة من المسلمين ليس بينه وبينهم فرق ، يرى كما يرون ، ويرد رأيهم فى غير حرج ، وقد أسلفت الكلام على هذه القاعدة قاعدة أهل الرآى
( يتبــــــــــع )
|
|