موقع د. محمود صبيح

منتدى موقع د. محمود صبيح

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين



إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ مشاركة واحده ] 
الكاتب رسالة
 عنوان المشاركة: لطائف قرآنية عجيبة: ما الفرق بين التسريح والفراق؟ وما الفرق
مشاركة غير مقروءةمرسل: السبت يونيو 18, 2016 2:13 pm 
غير متصل

اشترك في: السبت ديسمبر 21, 2013 9:44 pm
مشاركات: 1660
لطائف قرآنية عجيبة: ما الفرق بين التسريح والفراق؟ وما الفرق الدلالي بين عن مواضعه ومن بعد مواضعه؟

http://www.numidianews.com/ar/article~19996.html


التسريح.. والفراق

قال تعالى في ذكر بعضٍ من أحكام الطلاق: "وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف".(البقرة:231)

وقال سبحانه في آية أخرى: "فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف". (الطلاق:2)

ففي الآية الأولى جاء الأمر: إما بإمساك المرأة المطلقة، بمعنى إرجاعها إلى عصمة الزوج، وإما بتسريحها، بمعنى البت في طلاقها. أما في الآية الثانية، فقد جاء الأمر: إما بإمساك المرأة المطلقة، وإما بفراقها، أي تطليقها. فما وجه المغايرة بين لفظي (التسريح) و(المفارقة)؟ ولماذا اختص سبحانه كلاً من الموضعين بلفظ مغاير؟.

قال بعض المفسرين: إن آية البقرة جاءت في سياق النهي عن مضارة النساء، وتحريم أخذ شيء منهن، ما لم يكن منهن ما يسوغ ذلك، كأن لا يقمن شرع الله، أو لا يلتزمن بأحكامه، وأتبع ذلك بالمنع عن عضلهن، وتكرر في أثناء ذلك ما يُفيد الأمر بمجاملتهن، والإحسان إليهن حالي الاتصال والانفصال، لم يكن ليناسب ما قصد من هذا أن يعبر بلفظ "أو فارقوهن بمعروف"؛ لأن لفظ (الفراق) أقرب إلى الإساءة منه إلى الإحسان، فعدل إلى ما يحصل منه المقصود مع تحسين العبارة، وهو لفظ (التسريح)، فقال سبحانه: "فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف"، وليتسق مع ما تقدم من قوله عز من قائل: "الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان" (البقرة:229)، وقال هنا: "بإحسان"؛ ليناسب ما به تعلق المجرور من قوله سبحانه: "أو تسريح"، وقد روعي في هذه الآيات كلها مقصد التلطف، وتحسين الحال في الإمساك والافتراق.

ولما لم يكن الأمر كذلك في سورة الطلاق، حيث لم يتعرض لـ (عضل)، ولا ذكر (مضارة)، وكان السياق سياق تقرير أحكام، لم يذكر ورود التعبير بلفظ "أو فارقوهن" عن الانفصال، واكتفى فيما يراد من المجاملة في الحالين بقوله: "بمعروف". فمن أجل هذا اختلف التعبير في كلا الآيتين، وجاء كل لفظ في موضعه بما يناسب السياق الذي جاء فيه، وهذا شأن القرآن دائماً.

وقد قال ابن عاشور هنا: (الإمساك) اعتزام المراجعة، عبر عنه بـ (الإمساك)؛ للإيماء إلى أن المطلقة الرجعية لها حكم الزوجة، فيما عدا الاستمتاع، فكأنه لما راجعها قد أمسكها أن لا تفارقه، فكأنه لم يفارقها؛ لأن (الإمساك) هو الضن بالشيء، وعدم التفريط فيه.. وأنه إذا لم يراجعها، فكأنه قد أعاد فراقها، وقسا قلبه. ومن أجل هذه النكتة، جعل عدم (الإمساك) فراقاً جديداً في قوله سبحانه: "أو فارقوهن بمعروف".

وبما تقدم يتبين: أن اختلاف اللفظين في كلا الآيتين، لم يكن عبثاً، وإنما جاء كل لفظ منهما ليفيد معنى محدداً، لم يفده اللفظ الآخر.

عن مواضعه.. ومن بعد مواضعه

يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز عن اليهود وأفعالهم: "من الذين هادوا يحرفون الكلم عن مواضعه" (النساء:46)، ويقول عز من قائل في حق اليهود أيضاً: "يحرفون الكلم من بعد مواضعه" (المائدة:41)، فالآية الأولى عُدِّيت بحرف الجر (عن)، ولم يُذكر فيها ظرف الزمان (بعد)، في حين أن الآية الثانية عُدِّيت بحرف الجر (من)، وذُكر فيها ظرف الزمان (بعد). فهل ثمة من دلالة لهذا التغيير اللفظي في الآيتين؟

يذكر بعض المفسرين توجيهاً لهذا الفرق بين الآيتين، نسوقه على النحو التالي:

قال الفخر الرازي: الفرق أنا إذا فسرنا (التحريف) بالتأويلات الباطلة، فقوله: "يحرفون الكلم عن مواضعه" معناه: أنهم يذكرون التأويلات الفاسدة لتلك النصوص، وليس فيه بيان أنهم يخرجون تلك اللفظة من الكتاب. وأما قوله سبحانه: "من بعد مواضعه"، فهي دالة على أنهم جمعوا بين الأمرين، فكانوا يذكرون التأويلات الفاسدة، وكانوا يخرجون اللفظ أيضاً من الكتاب، فقوله: "يحرفون الكلم" إشارة إلى التأويل الباطل، وقوله: "من بعد مواضعه" إشارة إلى إخراجه عن الكتاب.

وقال أبو حيان الأندلسي: والذي يظهر أنهما سياقان، فحيث وُصفوا بشدة التمرد والطغيان، وإظهار العداوة، واشترائهم الضلالة، ونقض الميثاق، جاء: "يحرفون الكلم عن مواضعه"، ألا ترى إلى قوله: "ويقولون سمعنا وعصينا"، وقوله: "فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم وجعلنا قلوبهم قاسية يحرفون الكلم عن مواضعه"، فكأنهم لم يتركوا "الكلم" من التحريف عن ما يراد بها، ولم تستقر في مواضعها، فيكون التحريف بعد استقرارها، بل بادروا إلى تحريفها بأول وهلة.

وحيث وُصفوا ببعض لين وترديد وتحكيم للرسول في بعض الأمر، جاء: "من بعد مواضعه"، ألا ترى إلى قوله: "يقولون إن أوتيتم هذا فخذوه وإن لم تؤتوه فاحذروا"، وقوله بعد: "فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم"، فكأنهم لم يبادروا بالتحريف، بل عرض لهم التحريف بعد استقرار "الكلم" في مواضعها.

وقال ابن عاشور: قال في المائدة: "من بعد مواضعه"، وقال في النساء: "عن مواضعه"؛ لأن آية سورة النساء في وصف اليهود كلهم، وتحريفهم في التوراة، فهو تغيير كلام التوراة بكلام آخر عن جهل أو قصد أو خطأ في تأويل معاني التّوراة أو في ألفاظها. فكان إبعاداً للكلام "عن مواضعه"، أي إزالة للكلام الأصلي، سواء عوض بغيره أو لم يعوض.

وأما آية المائدة "من بعد مواضعه"، فقد وردت في ذكر طائفة معينة أبطلوا العمل بكلام ثابت في التوراة إذ ألغوا حكم الرجم الثابت فيها دون تعويضه بغيره من الكلام، فهذا أشد جرأة من التحريف الآخر، فكان قوله: "من بعد مواضعه" أبلغ في تحريف الكلام؛ لأن لفظ "بعد" يقتضي أن مواضع الكلم مستقرة، وأنه أبطل العمل بها مع بقائها قائمة في كتاب التوراة.

وقال الشيخ الشعراوي في توجيه قوله سبحانه: "يحرفون الكلم عن مواضعه": فكأن المسألة لها أصل عندهم، فالكلام المنزل من الله، وُضع أولاً وضعه الحقيقي، ثم أزالوه، وبدلوه، ووضعوا مكانه كلاماً غيره، مثل تحريفهم الرجم، بوضعهم الحد مكانه. أما قوله تعالى: "من بعد مواضعه"، فتفيد أنهم رفعوا الكلام المقدس من موضعه الحق، ووضعوه موضع الباطل بالتأويل، والتحريف حسب أهوائهم، بما اقتضته شهواتهم. فكـأنه كانت له مواضع، هو جدير بها. فحين حرفوه، تركوه كالغريب المنقطع، الذي لا موضع له، فمرة يبدلون كلام الله بكلام من عندهم، ومرة أخرى يحرفون كلام الله بتأويله حسب أهوائهم.

وإن جميع ما قيل من توجيهات في الآيتين الكريمتين قريب من جهة المعنى، وهي تفيد في المحصلة أن قوله سبحانه: "يحرفون الكلم عن مواضعه" يدل على أنهم حرفوا الكلام قبل أن يستقر، وأن قوله تعالى: "يحرفون الكلم من بعد مواضعه"، يدل على أنهم حرفوا كلام الله بعد أن استقر في "مواضعه"، واستخرجوه منها، وأهملوه، وأزالوه بعد أن وضعه الله فيها؛ وذلك بتغيير أحكام الله.


_________________
مدد ياسيدى يارسول الله
مدديااهل العباءة .. مدد يااهل بيت النبوة
اللهم ارزقنا رؤية سيدنا رسول الله فى كل لمحة ونفس


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
عرض مشاركات سابقة منذ:  مرتبة بواسطة  
إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ مشاركة واحده ] 

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين


الموجودون الآن

المستخدمون المتصفحون لهذا المنتدى: لا يوجد أعضاء مسجلين متصلين و 4 زائر/زوار


لا تستطيع كتابة مواضيع جديدة في هذا المنتدى
لا تستطيع كتابة ردود في هذا المنتدى
لا تستطيع تعديل مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع حذف مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع إرفاق ملف في هذا المنتدى

البحث عن:
الانتقال الى:  
© 2011 www.msobieh.com

جميع المواضيع والآراء والتعليقات والردود والصور المنشورة في المنتديات تعبر عن رأي أصحابها فقط