بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين اللهم صل على سيد الأنبياء والمرسلين سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وسلم تسليما كثيرا كبيرا كما تحب وترضى
قَالَ الإمامُ البَيهَقيُّ رَحِمَهُ اللهُ في الجامع لشعب الإيمان (3 / 327-330) : - التَّاسِعُ عَشَرَ مِنْ شُعَبِ الإِيمَانِ. وَهُوَ بَابٌ فِي تَعْظِيمِ الْقُرْآنِ.
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَلِيمِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: ذَلِكَ يَنْقَسِمُ إِلَى وُجُوهٍ, مِنْهَا: تَعَلُّمُهُ، وَمِنْهَا إِدْمَانُ تِلاَوَتِهِ بَعْدَ تَعَلُّمِهِ، وَمِنْهَا إِحْضَارُ الْقَلْبِ إِيَّاهُ عِنْدَ قِرَاءَتِهِ، وَالتَّفَكُّرُ فِيهِ, وَتَكْرِيرُ آيَاتِهِ وَتَرْدِيدُهَا, وَاسْتِشْعَارُ مَا يُهَيِّجُ الْبُكَاءَ مِنْ مَوَاعِظِ اللهِ وَوَعِيدِهِ فِيهَا، وَمِنْهَا افْتِتَاحُ الْقِرَاءَةِ بِالِاسْتِعَاذَةِ، وَمِنْهَا قَطْعُ الْقِرَاءَةِ فِي وَقْتِهِ بِالْحَمْدِ وَالتَّصْدِيقِ، وَالصَّلاَةِ عَلَى رَسُولهِ صَلى الله عَلَيه وَسَلم، وَالشَّهَادَةِ بِالتَّبْلِيغِ.
فَإِذَا خَتَمَ الْقُرْآنَ كُلَّهُ, فَلِذَلِكَ آدَابٌ، مِنْهَا: أَنْ يَعُودَ إِلَى أَوَّلِهِ، فَيَقْرَأُ شْيَئًا مِنْهُ ثُمَّ يَقْطَعُ وَمِنْهَا أَنْ يُحْضِرَ أَهْلَهُ وَوَلَدَهُ عِنْدَ الْخَتْمِ، وَمِنْهَا أَنْ يَتَحرَّى الْخَتْمَ أَوَّلَ النَّهَارِ, أَوْ أَوَّلَ اللَّيْلِ، وَمِنْهَا التَّكْبِيرُ قَبْلَ الدُّعَاءِ، وَمِنْهَا الدُّعَاءُ بِمَا يُرَادُ مِنْ أَمْرِ الدِّينِ وَالدُّنْيَا،
وَمِنْ تَعْظِيمِ الْقُرْآنِ: الْوُقُوفُ عِنْدَ ذِكْرِ الْجَنَّةِ, وَالنَّارِ، وَالرَّغْبَةُ إِلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْجَنَّةِ، وَالِاسْتِعَاذَةُ بِهِ مِنَ النَّارِ، وَمِنْهَا: الِاعْتِرَافُ لِلَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِمَا يُقَرِّرُ بِهِ عِبَادَهُ فِي آيَاتِ الْقُرْآنِ، وَمِنْهَا السُّجُودُ فِي آيَاتِ السُّجُودِ، وَمِنْهَا أَنْ لاَ يَقْرَأَ فِي حَالِ الْجَنَابَةِ وَلاَ الْحَيْضِ. وَمِنْهَا: أَن لاَ يَحْمِلَ الْمُصْحَفَ وَلاَ يَمَسَّهُ فِي غَيْرِ حَالِ الطَّهَارَةِ، وَمِنْهَا: تَنْظِيفُ الْفَمِ لأَجْلِ الْقِرآن بِالسِّوَاكِ وَالْمَضْمَضَةِ، وَمِنْهَا: تَحْسِينُ اللِّبَاسِ عِنْدَ الْقِرَاءَةِ، وَالتَّطَيُّبُ، وَإِن كَانَ الطِّيبُ دَائِمًا إِلَى الْفَرَاغِ مِنَ الْقِرَاءَةِ فَهُوَ أَحْسَنُ وَأَفْضَلُ، وَمِنْهَا: أَنْ يَجْهَرَ بِالْقِرَاءَةِ بِاللَّيْلِ، وَيُسِرَّ بِهَا فِي النَّهَارِ, إِلاَّ أَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعٍ لاَ لَغْوَ فِيهِ وَلاَ صَخَبَ, وَمِنْهَا: أَنْ لاَ يَقْطَعَ السُّورَةَ لِمُكَالَمَةِ النَّاسِ، وَيُقْبِلَ عَلَى قِرَاءَتِهِ, حَتَّى يَفْرُغَ مِنْهَا, وَمِنْهَا: أَنْ يُحَسِّنَ صَوْتَهُ بِالْقِرَاءَةِ أَقْصَى مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ، وَمِنْهَا: أَنْ يُرَتِّلَ الْقِرَاءَةَ, وَلاَ يَهُذَّهُ هَذًّا, وَمِنْهَا: أَنْ لاَ يَقْرَأَ الْقُرْآنَ كُلَّهُ فِي أَقَلِّ مِنْ ثَلاَثٍ، وَمِنْهَا أَنْ يُعَلِّمَ الْقُرْآنَ مَنْ يَرْغَبُ إِلَيْهِ فِيهِ، وَلاَ يَتَرَفَّعَ عَنْهُ, بَلْ يَحْتَسِبُ الأَجْرَ فِيهِ وَيَغْتَنِمَهُ. وَمِنْهَا: أَنْ يَقْرَأَ بِالْقِرَاءَاتِ الْمُسْتَفِيضَةِ, الْمُجْمَعِ عَلَيْهَا، وَلاَ يَتَعَدَّاهَا إِلَى الْغَرَائِبِ والشَّوَاذِّ, وَمِنْهَا: أَنْ لاَ يَقْبَلَ الْقِرَاءَةَ إِلاَّ مِنَ الْعُدُولِ الْعُلَمَاءِ بِمَا أَخَذُوا وَيُؤَدُّونَ, وَمِنْهَا: أَنْ لاَ يُعَطِّلَ مُصْحَفًا إِنْ كَانَ عِنْدَهُ، وَلاَ يَأْتِيَ عَلَيْهِ يَوْمٌ إلاَ يَنْظُرُ فِيهِ, وإَلاَّ يَقْرَأُ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ يَحْفَظُ الْقُرْآنَ قِرَاءَةً مِنَ الْمُصْحَفِ وَقْتًا وغَيْرَ نَاظِرٍ فِيهِ وَقْتًا، وَلاَ يُهْمِلُهُ إِهْمَالاً، وَمِنْهَا: أَنْ يُقَطِّعَ قِرَاءَتَهُ آيَةً آيَةً, وَلاَ يُدْرِجَهَا إِدْرَاجًا, وَمِنْهَا: أَنْ يَتَحَرَّى لِقِرَاءَتِهِ وَخَتْمِهِ الصَّلاَةَ, فَيَكُونَ قِرَاءَتُهُ فِيهَا مَا اسْتَطَاعَ، وَلاَ يَمْنَعُهُ مَانِعٌ, وَمِنْهَا: أَنْ يَعْرِضَ الْقُرْآنَ فِي كُلِّ سَنَةٍ عَلَى مَنْ هُوَ أَبْيَنُ فَضْلاً فِي الْقِرَاءَةِ مِنْهُ، وَأَوْلَى الأَوْقَاتِ بِذَلِكَ شَهْرُ رَمَضَانَ. وَمِنْهَا: أَنْ يَزْدَادَ مِنَ الْقِرَاءَةِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ عَلَى مَا يَقْرَأُ فِي غَيْرِهِ، وَمِنْهَا: تَرْكُ الْمُمَارَاةِ فِي الْقِرَاءَةِ، وَمِنْهَا أَنْ لاَ يُفَسِّرَ الْقُرْآنَ بِالظَّنِّ، وَلاَ يُقَالُ مَعْنَى هَذِهِ الآيَةِ هَكَذَا, إِلاَّ بِدَلاَلَةٍ لاَئِحَةٍ تَقُومُ عَلَيْهِ، وَمِنْهَا: أَنْ لاَ يُسَافِرَ بِالْقُرْآنِ إِلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ، وَمِنْهَا: أَنْ يُعْرِبَ الْقُرْآنَ، وَيَقْرَأَ بِالتَّفْخِيمِ، وَلاَ يَتَجَوَّزُ فِيهِ, وَمِنْهَا: أَنَّ مَنْ أَخَذَ فِي سُورَةٍ مِنْهُ لَمْ يَتَجَاوَزْهَا إِلَى غَيْرِهَا قَبْلَ أَنْ يَسْتَكْمِلَهَا، وَمِنْهَا: أَنَّهُ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَتِمَّ الْخَتْمُ لَهُ بِإِطْلاَقٍ, اسْتَوْفَى الْحُرُوفَ الْمُخْتَلَفَ فِيهَا، فَلاَ يَبْقَى عَلَيْهِ حَرْفٌ يُثْبِتُهُ قَارِئٌ مِنْ أَعْلاَمِ الْقُرَّاءِ لَمْ يَقْرَأْهُ، وَمِنْهَا: أَنْ يَقْرَأَ فِي كُلِّ سُورَةٍ مَا خَلاَ سُورَةَ التَّوْبَةِ: بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وَيُحَافِظَ عَلَى ذَلِكَ فِي فَاتِحَةِ الْكِتَابِ, أَشَدَّ مِنْ مُحَافَظَتِهِ عَلَيْهِ فِي غَيْرِهَا، بَلْ لاَ يُخِلُّ بِهَا, فَيَكُونُ قَدْ تَرَكَ الآيَةَ الأُولَى مِنْهَا، وَمِنْهَا: أَنْ يَعْرِفَ كُلَّ سُورَةٍ جَاءَ فِي فَضْلِهَا أَثَرٌ عَنِ النَّبِيِّ صَلى الله عَلَيه وَسَلم حَقًا، وَلاَ يَدَعَ قِرَاءَتَهَا فِي وَقْتِ وُرُودِ الْخَبَرِ بِفَضْلِ قِرَاءَتِهَا فِيهِ، وَمِنْهَا: أَنْ يَسْتَشْفِيَ قَارِئُ الْقُرْآنِ بِمَا يُحْسِنُهُ مِنْهُ، وَيَتَبَرَّكَ بِقِرَاءَتِهِ عَلَى نَفْسِهِ, وَعَلَى غَيْرِهِ مَرِيضًا وَحَزِينًا وَخَائِفًا وَمُقِيمًا, وَمُسَافِرًا رُقْيَةً, وَغَيْرَ رُقْيَةٍ، وَيُتْبِعَهُ الدُّعَاءِ وَالْمَسْأَلَةِ, وَمِنْهَا: أَنْ يَفْرَحَ بِمَا آتَاهُ اللهُ مِنَ الْقُرْآنِ فَرَحَ الْغَنِيِّ بِغِنَاهُ, وَذِي السُّلْطَانِ بِسُلْطَانِهِ، وَيَسْتَعْظِمَ نِعْمَةَ اللهِ تَعَالَى عَلَيْهِ بِهِ, وَيَحْمَدَهُ عَزَّ اسْمُهُ عَلَيْهِ. وَمِنْهَا: أَنْ لاَ يُبَاهِيَ بِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ قَارِئًا غَيْرَهُ، وَمِنْهَا أَنْ لاَ يَقْرَأَ فِي الأَسْوَاقِ وَالْمَجَالِسِ لِيُعْطَى فَيَسْتَأْكِلُ الأَمْوَالَ بِالْقُرْآنِ، وَمِنْهَا: أَنْ لاَ يَقْرَأَ فِي الْحَمَّامِ وَالْمَوَاضِعِ الْقَذِرَةِ، وَلاَ فِي حَالِ قَضَاءِ الْحَاجَتَيْنِ، وَمِنْهَا أَنْ لاَ يَتَعَمَّقَ فِي الْقُرْآنِ فَيُقَوِّمَهُ تَقْوِيمَ الْقَدَحِ، وَيَتَحَرَّى أَنْ لاَ يُفَاوِتَ مَدَّةً مَدَّةً, وَلاَ هَمْزَةً هَمْزَةً, وَأَنْ لاَ يُخْرِجَ الْحُرُوفَ إِلاَّ مِنْ جَمِيعِ مَخْرَجِهِ, فَيَكُونُ الأَلْفَاظَ عِنْدَ ذَلِكَ بِلِسَانِهِ كَمَا يُلاَكُ الطَّعَامُ، وَمِنْهَا: أَنَّ الْجَمَاعَةَ إِذَا اجْتَمَعُوا فِي مَسْجِدٍ أَوْ غَيْرِهِ يَقْرَؤُونَ الْقُرْآنَ لَمْ يَجْهَرْ بِهِ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ جَهْرًا يَكُونُونَ فِيهِ مُتَخَالِجِينَ مُتَنَازِعِينَ، وَهَذَا فِي غَيْرِ الصَّلاَةِ وَالْخُطْبَةِ. وَأَمَّا فِيهِمَا فَالإِمَامُ يَقْرَأُ وَيُنْصِتُ الْمَأْمُومُ لاَ يَجْهَرُ بِهِ مِنْهُ، وَإِنْ قَرَؤُوا خَلْفَهُ لَمْ يَجْهَرُوا بِهِ، وَلَمْ يَزِيدُوا عَلَى أَنْ يُسْمِعُوا أَنْفُسَهُمْ، وَلاَ يَقْرَأْ أَحَدٌ فِي حَالِ الْخُطْبَةِ إِذَا كَانَ يَسْمَعُهَا شَيْئًا، وَإِنْ قَرَأَ أَحَدٌ لِجَمَاعَةٍ لاَ فِي صَلاَةٍ جَهْرًا, أَنْصَتَ لَهُ الْبَاقُونَ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ فِيهِمْ مُصَلٍّ فَلاَ يُنْصِتْ، وَمِنْهَا أَنْ لاَ يُحْمَلَ عَلَى الْمُصْحَفِ كِتَابٌ آخَرُ وَلاَ ثَوْبٌ وَلاَ شَيْءٌ, إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مُصْحَفَانِ فَيُوضَعَ أَحَدُهُمَا فَوْقَ الآخَرِ فَيَجُوزُ, وَمِنْهَا أَنْ يُفَخَّمَ الْمُصْحَفُ، فَيُكْتَبَ مُفَرَّجًا بِأَحْسَنِ خَطٍّ يُقْدَرُ عَلَيْهِ، وَلاَ يُصَغَّرَ مِقْدَارُهُ, وَلاَ يُقَرمَطَ حُرُوفُهُ. ومِنْهَا أَنْ لاَ يُخْلَطَ فِي الْمُصْحَفِ مَا لَيْسَ مِنَ الْقُرْآنِ بِالْقُرْآنِ, كَعَدَدِ الآيَاتِ, وَالسَّجَدَاتِ, وَالْعَشَرَاتِ, وَالْوُقُوفِ, وَاخْتِلاَفِ الْقِرَاءَاتِ, وَمَعَانِي الآيَاتِ، وَمِنْهَا: أَنْ يُنَوَّرَ الْبَيْتُ الَّذِي يُقْرَأُ فِيهِ الْقُرْآنُ بِتَعْلِيقِ الْقَنَادِيلِ, وَنَصْبِ الشِّمَاعِ فِيهِ، وَيُزَادُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ فِي أَنوار الْمَسَاجِدِ وتَحْلِيتهَا، وَمِنْهَا: تَعْظِيمُ أَهْلِ الْقُرْآنِ وَتَوْقِيرُهُمْ, كتَعْظِيمِ الْعُلَمَاءِ بِالأَحْكَامِ وَأَكْثَرُ, وَبِاللهِ التَّوْفِيقُ. وَذَلِكَ خَمْسُونَ فَصْلاً حَضَرَنِي ذِكْرُهَا فَأبينهَا، وَمَا أُنْكِرُ أَنْ يَكُونَ فِي الْبَابِ غَيْرُهَا.
|